حديث الصباح اسعد الله صباحكم بالعز والثبات و والنصرة النصر والتمكين
مفهوم {الثبات}
(الثبات ) - هو لزوم الشيء وعدم الزحزحة عنه او الزعزعة وعدم قبول الاحتمال و التشكيك فيه؛ والثبات لغةً: مصدر ثبت وهو مأخوذ من مادة (ث،ب،ت) التي تدل على دوام الشيء، يقال ثبت ثباتاً وثبوتاً: (أي دام واستقر) فهو ثابت.
و الثبات اصطلاحاً: هو الدوام و لزوم الاستقامة على الجادة ولزوم الصراط المستقيم من غير عوج ولا انحراف، وهو أيضاً: عدم احتمال الزوال بتشكيك المشكك والثبات على الحق حتى الممات باليقين القاطع والاعتقاد الجازم.
قال الله تعالى:- ﴿ وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ﴾ [الإسراء: 74، 75]. فالاصل في المعتقد والايمان القطع والجزم و الرسوخ والثبات ؛ قال الله تعالى ضاربا مثلا لكلمة الحق والتوحيد التي هي اساس بناء العقل والفكر والدين:- {﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾إبراهيم:٢٤}.
و يُقصد به في ديننا الاستقامة على طريق الهدى، والتمسّك به مع العزم والإصرار على سلوك سبيل الحق والخير، وعدم الالتفات لغيره من الأهواء ووساوس الشيطان، والحرص على التوبة والإنابة إلى الله – تعالى- حال الوقوع في المعاصي والآثام ..
والثبات على كلمة الحق والمعتقد الحق والايمان الحق كسب بشري بتوفيق وهدىً رباني:-{ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾إبراهيم:٢٧}..
ومن التثبيت الذي يتولاه الله عز وجل كرامة للمجاهدين في سبيله لينزع الخوف والرهبة من الاعداء؛ ويُطهر قلوبهم ونفوسهم من ان يسكنها غير مخافته سبحانه ورهبته وحده،، ويزرع الثبات واليقين الدافع للاقبال والاقدام في نفوسهم المطهرة الزكية، فمن هذا التثبيت الرباني هو تكليف الله تعالى للملائكة الكرام ليثبتوهم على الصمود والاقدام ؛ وهذه حقيقة اعتقادية يدركها من يخوضون غمار معارك الحق مع الباطل و يقررها قوله تعالى:-{﴿ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ(11﴾ ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا (12﴾ الأنفال}...
والعلاقة بين الثبات والصبر هي علاقة تلازم واقتضاء، فلا ثبات دون صبر، ولا صبر دون ثبات ،فكلاهما لازم للاخر ومن مقوماته التي لا تنفك عن بعضها، فمن مقومات الصبر والمصابرة وبالتالي المرابطة في سبيل الله تعالى بقصد الجهاد ودفع العدوان والتربص بالعدو :- الثبات.
فلذلك كان عكس الثبات الفرار ، والفرار هو عدم الصمود وتولي الادبار والهرب بسبب الخوف من الموت والذعر والرعب من بطش العدو.. والذي يبطله وينفيه الثبات!! فلذلك كان التولي يوم الزحف كبيرة من اكبر الكبائر؛ لانه مناف لقيم ومفاهيم الايمان التي يجب ان تنغرس وتثبت وتتمكن من النفوس، فتصنع منها قوة مبدئية لسان حالها يقول : فاما حياة تسر الصديق؛ واما موتا يغيظ العدا !!
قال الله تعالى:-
{قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ( 16﴾الأحزاب}.
وفي شرعنا لا يكون الثبات بمجرد كثرة الاستماع للمواعظ او حفظ بعض الآيات والاحاديث؛؛ إنما يكون : (( بفعل مدلولات هذه المواعظ والآيات والأحاديث وتطبيقها في واقع الحياة العملية والسلوكية)) .
والدليل على ذلك تجده في قوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا (68) وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69) ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ عَلِيمًا (70) النساء}.
قال ابن جرير الطبري رحمه الله : حدثني المثنى ، حدثني إسحاق ، حدثنا أبو زهير عن إسماعيل ، عن أبي إسحاق السبيعي ، قال : لما نزلت : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل [ منهم ] ) الآية ، قال رجل : لو أمرنا لفعلنا ، والحمد لله الذي عافانا . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي " .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن منير ، حدثنا روح ، حدثنا ، عن الحسن قال : لما نزلت هذه الآية : ( ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم ) الآية . قال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لو فعل ربنا لفعلنا ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " للإيمان أثبت في قلوب أهله من الجبال الرواسي " .
ان هذه ايامكم ايام الثبات والصبر التي فتحت فيها مصاريع ابواب ثغور الامة والاسلام فيها من تكالب اعداء الله واعداء الامة والدين يريدون استئصال شأفتكم ، ولا يثبت فيها الا من وفقه الله واختاره واصطفاه فكونوا مع الله تجدوه معكم ,,,فلذلك بشّر رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - بأن الثابت من هؤلاء له أجر خمسين من الصحابة : ((إن من ورائكم أيام الصبر ، للمتمسك فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم)).
رزقنا الله واياكم الثبات واليقين على الحق والهدى ونصر الله مجاهدينا في غزة وبيت المقدس وكل مكان في ديار الاسلام ونسال الله ان يهيء لنا امرا رشدا يجمع في ظلاله شتاتنا ويؤلف بين قلوبنا ويوحد به صفوفنا وان يؤيدنا بتثبيته ونصرته وتمكينه لديننا في الارض ...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-08-24, 3:41 am عدل 1 مرات