يستطيع الجيل الذي عاش في السنوات الممتدة في صيف عام 1967 وحتى شتاء عام 1971 في قطاع غزة أن يستعيد بذاكرته عشرات القصص والحكايات المتفرقة التي تروي شفوياً معارك البطولة والعمليات الجريئة لمقاتلي قوات التحرير الشعبية إلى جانب الخلايا الفدائية التي كان يقودها الشهيد محمد محمود الأسود الذي اشتهر باسم جيفارا غزة. ولكن الوضع بدأ يميل لصالح جيش الاحتلال في الربع الأخير من عام 1971، إثر الإجراءات التي وضعها أرئيل شارون أساساً لإدارة معركته ضد هذه الخلايا، وأخذت كفة الميزان ترجح عندئذ لمصلحة الفرقة الخاصة من المظليين التي أنشأتها قيادة المنطقة الجنوبية لتحطيم شوكة هؤلاء الفدائيين في الصراع الدائر للسيطرة على "جحر الثعابين" كما كانوا يسمون القطاع في الصحافة الإسرائيلية.
في هذا الجو الاحتفالي الذي لا يخلو من الطابع الدراماتيكي بالنسبة لأركان الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع التي كان يتولاها الجنرال موشيه دايان، وفيما كانت المؤسسة العسكرية الصهيونية تستعد لإسدال الستار فيما بعد على هذا الفصل الدموي الأول في سلسلة الحروب المتعاقبة بين الشعب الفلسطيني وسلطات الاحتلال في قطاع غزة، كانت عائلة فلسطينية فقيرة هاجرت عام 1948 من قرية برير القريبة من المجدل، بعد أن سقطت في أيدي العصابات الصهيونية واستقرت في مخيم جباليا الذي أقامته الأمم المتحدة لإيواء اللاجئين الفلسطينيين شرقي مدينة غزة تحتفل بطريقتها الخاصة بميلاد البطل الذي سيحمل راية الجهاد خفاقة ضد اليهود ليس في جباليا فحسب وإنما في مختلف أرجاء فلسطين المحتلة. ففي التاسع عشر من يونيو (حزيران) من عام 1971 وهو من الأيام التي يتباهى بها شعبنا، يطل عماد حسن إبراهيم عقل إلى الدنيا، وكأن الوالد الذي يعمل مؤذناً لمسجد الشهداء في مخيم جباليا قد اختار لابنه الذي جاء ثالثاً بين الذكور هذا الاسم (عماد) تيمناً بالقائد المسلم عماد الدين زنكي الذي قارع الصليبيين الذين احتلوا أرض فلسطين وأجزاء أخرى من بلاد الشام وأبلى بلاءً حسناً إلى أن استشهد وحمل اللواء من بعده القائدان المسلمان: نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي.
نشأ عماد وتربى على طاعة الله في هذا البيت المتدين الفخور بإسلامه وعقيدته، وبدا واضحاً منذ نعومة أظفاره تمتعه بالذكاء والعبقرية، ولهذا صمم والداه على مواصلة مسيرته التعليمية التي بدأت بالتحاقه في إحدى المدارس الابتدائية في المخيم فأنهى هذه المرحلة وحصل على ترتيب بين الخمسة الأوائل بين أقرانه ثم انتقل إلى المدرسة الإعدادية وبرز تفوقه هناك أيضاً بحصوله على مرتبة متقدمة بين الأوائل في هذه المرحلة. أما في المرحلة الثانوية، فقد شهدت مدرسة الفالوجة في بيت حانون للشهيد البطل تفوقه لدرجة أنه جعل من مادة التربية الإسلامية والدين همه الأول الذي يتخصص به إلى جانب علم الجغرافيا الذي أتقنه. فقد كان يعرف كل صغيرة وكبيرة عن عواصم دول العالم ورؤسائها والطبيعة الجغرافية الموجودة في تلك الدول حتى أن شقيقه عادل الذي أبعد ضمن المجموعة التي أبعدتها حكومة إسحاق رابين في السابع عشر من كانون أول (ديسمبر) من عام 1992 إلى مرج الزهور، يروي عن عماد في هذا المجال بأنه –أي عماد- كان يساعد مدرس الجغرافيا في شرح هذه المادة.
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على المستوى العلمي المتقدم الذي وصل إليه الشهيد في مادة الجغرافيا على وجه التحديد. وكما كان متوقعاً، أحرز الشهيد عماد الترتيب الأول على مستوى المدرسة وبيت حانون والمخيم في شهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، ليزداد مع هذا التفوق إصراراً على مواصلة مسيرته التعليمية وتحقيق طموحه العلمي الذي كان يحلم به.
فتقدم بأوراقه وشهاداته العلمية إلى معهد الأمل في مدينة غزة لدراسة الصيدلة، إلا إن أتم إجراءات التسجيل ودفع الرسوم المقررة حتى وجد جنود الاحتلال يقفون له بالمرصاد ليودع السجل في 23 من أيلول (سبتمبر) من عام 1988 ويقدم إلى المحاكمة بتهمة الانتماء لحركة (حماس) والمشاركة في فعاليات الانتفاضة المباركة. وخرج الشهيد القائد من مدرسة يوسف عليه السلام أصلب عوداً وأكثر إصراراً على مواجهة الاحتلال وتحدي جلاديه. فهو يحب الجهاد وقتال اليهود وزاده السجن حباً لذلك.
وفي نفس الوقت واكب حب الشهيد للجهاد وقتال اليهود حب من نوع آخر وهو حب التفقه في الدين والعلوم الشرعية والتسلح بهذا العلم إلى جانب البندقية لما له من أثر بالغ في نفس المجاهد عند ملاقاة الأعداء. فأرسل شهاداته العلمية إلى شقيقه الأكبر الشيخ عبد الفتاح الذي يعمل إماماً لأحد المساجد في مدينة عمان طالباً منه المساعدة بتسجيله في برنامج الشريعة الإسلامية الذي تقدمه المعاهد وكليات المجتمع ابتداءً من الفصل الأول للعام الدراسي 1991-1992. ولكن سلطات الاحتلال التي تعرف عماد وما قدمه من أعمال بطولية خلال مشاركته في فعاليات الانتفاضة، منعت الشهيد كغيره من الأبطال من مغادرة قطاع غزة على الرغم من حصوله على قبول للالتحاق في برنامج السنة الأولى المقرر في تخصص الشريعة الإسلامية كما هو موضح في الصورة المرفقة.