دار الاسلام ودار الكفر
خلاصة القول أن إضافة الاسلام أو الكفر إلى الدار ليس العبرة فيه بالسكان، فدار الكفر هي الدار التي تعلوها أحكام الكفر ولو كان أغلب سكانها مسلمين.
فالعبرة إذن بالأحكام أي بنظام الحكم الذي يحكم به المسلمون، وبالمفاهيم السائدة في المجتمع أي ما هو المعروف في ذلك المجتمع وما هو المنكر؟ وأيضا بالأمان فلا بد أن يكون أمان الدار بأمان المسلمين وليس بأمان الكفار أي ليس بأمان أمريكا، هي التي تصول وتجول في البلاد تحكمها مباشرة أو غير مباشرة.
وذلك كله مأخوذ من القرآن ومن السنة.
أما من القرآن الكريم، فقد قال الحق سبحانه وتعالى في سورة الأنفال:
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
روى الإمام مسلم رضي الله عنه في صحيحه: عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ كَانَ رَسُولُ الله إذَا أَمَّرَ أَميراً عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَريَّةٍ أَوْصَاه في خَاصَّتِهِ بتَقْوَى الله وَمَنْ مَعَهُ منَ الْمُسْلِمينَ خَيْراً ثُمَّ قَالَ ٱغْزُوا بِاْسمِ الله فِي سَبيلِ الله قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِالله ٱغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيداً وَإذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكينَ فٱدْعُهُمْ إلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ «أَوْ خِلاَلٍ» فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجابُوكَ فَٱقْبَلْ مِنهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ
ثُمَّ ٱدْعُهُمْ إلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ
وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إنْ فَعَلُوا ذلِكَ فَلَهُمْ مَا للْمُهَاجِرينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَبِ الْمُسْلِمِينَ يَجْري عَلَيْهِمْ حُكْمُ الله الَّذِي يجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنينَ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ شَيْءٌ إلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ فَإنْ هُمْ أَجَابُوكَ فٱقْبَلْ منْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإنْ هُمْ أَبَوْا فَٱسْتَعِنْ بِٱلله وَقَاتِلْهُمْ
وَإذَا حَاصَرْتَ أَهْلَ حِصْنٍ وأَرَادُوكَ أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمَّة ٱلله وَذمَّةَ نَبِيِّهِ فَلاَ تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ الله وَلاَ ذِمَّةَ نَبِيِّهِ وَلَكِنِ ٱجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصْحَابِكَ فَإنَّكُمْ أَن تُخْفِرُوا ذِمَمَكُمْ وَذِمَمَ أَصْحَابِكُمْ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تُحُفِرُوا ذِمَّةَ الله وَذِمَّةَ رَسُولِهِ
وَإذَا حَاصَرْتَ أهْلَ حِصْنٍ فَأَرَادُوكَ أَنْ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ الله فَلاَ تَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ الله وَلكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ فَإنَّكَ لاَ تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ الله فِيهمْ أَمْ لاَ.
وفي جامع الأحاديث والمراسيل وكذلك في كنز العمال: عن سعيد بن المسيَّب :
«أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا بَعَثَ الْجُنُودَ نَحْوَ الشَّامِ، أَمَرَ يزيد بن أَبي سُفْيانَ وعُمَرو بْنَ الْعَاصِ وَشُرحَبيل بن حسنةٍ، قَالَ: لَمَّا رَكَبُوا مَشَىٰ أَبُو بَكْرٍ مَعَ أُمَرَاءِ جُنُودِهِ يُوَدعُهُمْ حَتَّى بَلَغَ ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ، فَقَالُوا: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ أَتمشي وَنَحْنُ رُكْبَانٌ ؟ فَقَالَ: إِني أَحْتَسِبُ خُطَايَ هٰذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ جَعَلَ يُوصِيهِمْ، فَقَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَىٰ اللَّهِ، اغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدُرُوا وَلاَ تَجْبُنُوا وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ، وَلاَ تَعْصُوا مَا تُؤْمَرُونَ فَإِذَا لَقِيتُمُ الْعَدُوَّ مِنَ المُشْرِكِينَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَادْعُوهُمْ إِلٰى ثَلاَثٍ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكُمْ فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ. وَكُفُّوا عَنْهُمْ، ادْعُوهُمْ إِلٰى الإِسْلاَمِ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكُمْ فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ، وَكُفُّوا عَنْهُمْ، ثُمَّ ادْعُوهُمْ إِلٰى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلٰى دَارِ المُهَاجِرِينَ فَإِنْ هُمْ فَعَلُوا فَأَخْبِرُوهُمْ أَنَّ لَهُمْ مِثْلَ مَا لِلمُهَاجِرِينَ، وَعَلَيْهِمْ مَا عَلٰى المهاجرينَ،
وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا فِي الإِسْلاَمِ وَاخْتَارُوا دَارَهُمْ عَلٰى دَارِ المهاجرِينَ، فَأَخْبِرُوهُمْ أَنَّهُمْ كَأَعْرَابِ المُسْلِمِينَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي فُرِضَ عَلٰى المُؤْمِنِينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الفَيءِ وَالْغَنَائِمِ شَيْءٌ، حَتى يُجَاهِدُوا مَعَ المُسْلِمينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ فَادْعُوهُمْ إِلٰى الجِزْيَةِ، فَإِنْ هُمْ فَعَلُوا فَاقْبَلُوا مِنْهُمْ وَكُفُّوا عَنْهُمْ، وَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِينُوا بِاللَّهِ عَلَيْهِمْ، فَقَاتِلُوهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَلاَ تُغْرِقَنَّ نَخْلاً وَلاَ تَحْرِقَنَّهَا، وَلاَ تَعْقِرُوا بهيمَةً وَلاَ شَجَرَةً تُثْمِرُ، وَلاَ تهدِمُوا بَيْعَةً، وَلاَ تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلاَ الشُّيُوخَ وَلاَ النسَاءَ، وَسَتَجِدُونَ أَقْوَامَاً حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الصَّوامِعِ فَدَعُوهُمْ وَمَا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ،
وروى الإمام البخاري رضي الله عنه وأرضاه عن حُميدٍ قال: سمعتُ أنساً رضي الله عنه
يقول: «كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوماً لم يُغِرْ حتّى يُصبحَ، فإن سمعَ أذاناً أمْسَك، وإن لم يَسمَعْ أذاناً أغارَ بعدَ ما يُصبح. فَنزَلْنا خَيبرَ ليلاً».
وروى الإمام مسلم رضي الله عنه عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ، وَكَانَ يَسْتَمِعُ الأَذَانَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَاناً أَمْسَكَ، وَإِلاَّ أَغَارَ، فَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ: فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ : «عَلَى الْفِطْرَةِ» ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلٰهَ إِلاَّ الله. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ : «خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ» فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ رَاعِي مِعْزىً
فمن هذه الأحاديث استنبط الفقهاء مفهوم دار الاسلام ودار الكفر،
فتكون إضافة الدار للإسلام، أو للكفر، أو للحرب هي إضافة للحكم والسلطان، وليست إضافة إلى السكان.
ودار الاسلام كانت الدولة الاسلامية وما عداها كان دار كفر، دعي قاطنوها إلى التحول عنها إلى دار الاسلام.
كذلك من الكتاب والسنة أدلة أخرى كثيرة منها آيات الحكم،
وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
وما رواه مسلم رحمه الله عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ
، عَنْ رَسُولِ اللّهِ ، قَالَ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ. وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ. وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسَّيْفِ؟ فَقَالَ: «لاَ. مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ. وَإذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلاَتِكُمْ شَيْئاً تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلاَ تَنْزِعُوا يَداً مِنْ طَاعَةٍ».
كذلك حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه روى البخاري رضي الله عنه :
نْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ
، قَالَ: دَخَلْنَا عَلَىٰ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَقُلْنَا: حَدِّثْنَا، أَصْلَحَكَ اللّهُ، بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللّهُ بِهِ، سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ فَقَالَ: دَعَانَا رَسُولُ اللّهِ فَبَايَعْنَاهُ. فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا. وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ. قَالَ: «إلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ».
فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن للحاكم في دار الاسلام أحكام تختلف عن أحكام الحاكم في دار الكفر وأنه بناء على كون الحاكم يحكم في دار الاسلام أو في دار الكفر تترتب على ذلك أحكام شرعية تختلف باختلاف الواقع أي باختلاف الدار أهي دار إسلام أم دار كفر
أفضل طريق لدين الله والدعوة له والدخول فيه هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم، فلابد من معرفتها لكي نفعل كما فعل عليه السلام، وهو باختصار أن الله تبارك وتعالى لما أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم بالإسلام كان الناس في شرك وجاهلية، فدعا الناس للإسلام وتركِ الشرك والكفر،
وقال ”من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني دخل النار“،
فانقسم الناس إلى قسمين: قسم قبل الحق والإسلام وعمل به، وقسم رفض الحق والإسلام ولم يؤمن به بل عادى أهل الإسلام وحاربهم، ولذلك أخذ محمد صلى الله عليه وسلم يسير على منهجين اثنين، أولهما الدعوة للإسلام والتحذير من غيره، والأمر الآخر أخذ يبحث عمَّن ينصر الإسلام والمسلمين، وأخذ عليه السلام يعرض نفسه على القبائل لكي تؤويه ن ولكي يستطيع أن يبلغ رسالة ربه، وذلك لما اشتد أذى قريش له ولأصحابه رضي الله عنهم أجمعين، فلذلك ذهب للطائف يبحث عن من ينصره، ثم ذهب لأسواق العرب المشهورة لكي يجد من ينصره، ثم التقى ببعض أهل المدينة في الحج وعرض عليهم أمره وأنهم ينصرونه وأصحابه ويدافعون عنه وعن أصحابه، ثم التقى ببعضهم في السنة الثانية كذلك في الحج بالعقبة واتفق معهم على الهجرة إليهم لكي يكونوا أول دولة إسلامية على وجه الأرض في ذلك الزمان، ثم حاربه أهل الكفر من كل مكان بكل قوة، ولكن الله نصره وأصحابه لمَّا علم الله منهم الصدق والإيمان والإعداد بكل قوة بما يستطيعون لأعداء الملة والدين، ثم انتشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها وساد وانتصر.