أ. أنّها رفع للدرجات وتكفير للسيئات وأنّها تعدل عتق عشر رقاب، وذلك لما جاء في الآثار الصحيحة من قوله صلّى الله عليه وسلّم كما في صحيح مسلم (408) وابن حبّان (906) وأبي داود (1530) والنّسائي (2 \ 25) وغيرهم: "من صلّى عليّ صلاة واحدة.. صلّى الله عليه عشرا"، وفي مسند الإمام أحمد (4 \ 29) وأبي يعلى (1425) والطبراني (5\101) وعبد الرزاق في "المصنّف" (2\214): "كتب الله عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات"، زاد ابن حبّان في صحيحه "ورفعت له عشر درجات".
وأخرج الحاكم في "المستدرك" (1\550) وأحمد في "المسند" (1\191) أنّ عبد الرحمن بن عوف رأى النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد استقبل فخرّ ساجدًا، فأطال السجود حتى ظنّ أنّه توفّي، فدنا منه فرفع رأسه، وقال: "من هذا؟ فسأله عن ذلك، فقال: "إنّ جبريل أتاني فبشرني فقال: "إنّ الله عزّ وجلّ يقول: من صلّى عليك صلّيت عليه، ومن سلّم عليك سلّمت عليه"، فسجدت لله شكرًا".
ب. أنًها سبب لمحبة الملائكة وإعانتهم وترحيبهم وأنهم يكتبونها بأقلام الذهب في قراطيس الفضة ويقولون للمصلّين: زيدوا زادكم الله.
ج. أنّها سبب لشفاعته وشهادته صلّى الله عليه وسلّم، لما رواه الطبراني بإسنادين أحدهما جيّد، ولكن فيه انقطاع: "من صلّى عليّ حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة".
د. أنّها كفارة لنا وزكاة لأعمالنا.
هـ. أنّها سبب لمزاحمة كتفه صلّى الله عليه وسلّم على باب الجنّة.
و. أنّها تستغفر لقائلها وتقرّ بها عينه.
ز. أنّ المرة الواحدة منها بقيراط كجبل أحد.
ح. أنّ ملكًا قائمًا على قبره يبلّغه إيّاها وأنّ لله ملائكة آخرين يبلّغونه إيّاها أيضا، وأنّه صلّى الله عليه وسلّم يردّ سلام من سلّم عليه.
روى أبو داود في سننه (2042) وأحمد في مسنده (2\368) مرفوعا: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا ولا تجعلوا قبري عيدًا، صلّوا عليّ فإنّ صلاتكم تبلغني حيثما كنتم".
وأخرج ابن خزيمة وابن حبّان والحاكم بإسناد صحيح: "من أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم وفيه قُبض وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإنّ صلاتكم معروضة عليّ"، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت أي (بليت)؟! قال: "إنّ الله قد حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء".
وفي رواية أخرى: "أكثروا من الصلاة عليّ في كلّ يوم جمعة فإنّ صلاتكم تعرض عليّ في كل يوم جمعة، فمن كان أكثرهم عليّ صلاة... كان أقربهم منّي منزلة" أخرجه البيهقي في "الكبرى" (3\249) وفي "الشعب" (3032) وإسناده حسن.
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى: "وعُلِم من هذه الأحاديث أيضا: أنّه صلّى الله عليه وسلّم حيّ على الدوام، إذ من المحال العادي أن يخلو الوجود كلّه عن واحد يسلّم عليه صلّى الله عليه وسلّم في ليل أو نهار، فنحن نؤمن ونصدّق بأنّه صلّى الله عليه وسلّم حيّ يرزق وأنّ جسده الشريف لا تأكله الأرض والإجماع على هذا" (الدّر المنضود، 158).
وبيّن البيهقي رحمه الله تعالى معنى ردّ الروح إليه صلّى الله عليه وسلّم إليه: "أنّها ردّت إليه عقب دفنه لأجل سلام من يسلّم عليه، واستمرت في جسده الشريف صلّى الله عليه وسلّم، لا أنّها تعاد لردّ السّلام ثمّ تنزع ثمّ تعاد لردّ السلام وهكذا، أي: لما يلزم عليه من تعدّد حياته ووفاته في أقل من ساعة مرات كثيرة".
وقال السبكي: "يحتمل أن يكون ردّا معنويًا، وأن تكون روحه الشريفة مشتغلة بشهود الحضرة الإلهية والملأ الأعلى عن هذا العالم، فإذا سلّم عليه.. أقبلت روحه الشريفة على هذا العالم لتدرك سلام من يسلّم عليه وتردّ عليه".
وقال بعضهم: المراد بالروح: الملك الموكّل به، وقال ابن العماد: "يحتمل أن يراد به هنا السرور مجازًا، فإنّه قد يطلق ويراد به ذلك".
وذكر البيهقي أنّ سليمان بن سحيم رآه صلّى الله عليه وسلّم يومًا، فسأله: هل يفقه سلام المسلّمين عليه؟ فقال: "نعم، وأردّ عليهم" (شعب الإيمان، 4165).
وفي مسند الدارمي: أنّ الأذان والإقامة تُركا أيام الحَرّة –اسم لوقعة أيام يزيد– وأنّ ابن المسيّب لم يبرح مقيمًا في المسجد، فكان لا يُعرف وقت الصلاة إلاّ بهمهمة (كلام خفي) يعرفها، يسمعها من قبره صلّى الله عليه وسلّم.
قلت: ما ذكره ابن حجر عن ابن المسيّب ذكره ابن تيمية رحمه الله تعالى في اقتضاء الصراط المستقيم في معرض الاستشهاد على أنّ للنبي صلّى الله عليه وسلّم حياة حقيقية في القبر.
نفعني الله وإيّاكم بالصلاة والسلام على سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وحفظني وإيّاكم بأسرارها ورزقنا ببركاتها ورحمنا بنفحاتها، ولا تنس أُخي أن تكثر من الصلاة والسلام على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذا اليوم الأغر، ثمّ تدعو الله تعالى بأن يفرج الكرب عن الأمة جمعاء، خصوصًا إخواننا الواقعين تحت سياط الجور والظلم والطغيان في الشام..
وإلى لقاء آخر مع فوائد وأسرار الصلاة والسلام على النبي صلّى الله عليه وسلّم من كتاب "الدّر المنضود في الصلاة والسلام على صاحب المقام المحمود".