أحمد الدَبَشْ(*)
المُتأمِّل في معنى "إطالة اللسان"؛ يصل إلى نتيجة، أنه وصف أَبوي يُوَبِّخ به الأباء أطفالهم، في مجتماعاتنا العربيَّة؛ إذا تجاوز الأطفال أصول التخاطُب، مع الأكبر منهم سنناً.
إلا أننا منذ فترة وجيزة اكتشفنا خطأ تعريفنا لكلمة "إطالة اللسان"، حيث أُتَّضِحَ أنها جريمة يعاقب عليها قانون سُلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود، في الضفة الغربية؛ وأخبرتنا السلطة أن أداة قياس تحديد "إطالة اللسان"؛ هي التجرؤ على نقد السُلطة؛ أو المُطالبة بحلَّها؛ أو المُطالبة بإلغاء الاتفاق الأمني مع العدو؛ أو توجيه نقد لرئيس السُلطة، أو أحد أبنائه... إلخ.
فقد أظهرت أجهزة أمن عباس ـ دايتون، ضيقاً لافتاً، إزاء النقد عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ففي الشهور الماضية، شنَّت أجهزة أمن عباس ـ دايتون حملة مسعورة، من الاعتقالات، والمطاردات، وقمع الحُرِّيات ضد الإعلاميين الفلسطينيين، على خلفيَّة تعليق، وُضِعَ على صفحات البعض الشخصية، على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"؛ يتَّهِمهُم فيها بإطالة اللسان، ونشر أخبار كاذبة، والتحريض على الوحدة الوطنية، وكتابة تعليقات تدعو إلى حل السُلطة.
تُهمة "إطالة اللسان" تُهمة أمنيَّة قمعيَّة؛ ابتكرتها الأجهزة الأمنيَّة المتعاوِنة مع العدو؛ لترهيب الشباب من أي حِراك ضد سُلطة الحكم الذاتي؛ وذلك بعد نجاح الحِراك التونسي، والمصري؛ والخشية من امتداده إلى أبواب رام الله. فغدت تهمة "إطالة اللسان" سوطاً على رِقاب المواطنيين؛ فحاكِم المقاطعة محمود عباس، لا يجوز نقده؛ ويُعاقَب فوراً من ينتقده؛ أو يَزدَرية.
ما يُميِّز هذه الحملة من الاعتقالات؛ تغليفها بقرارات صادرة عن المحاكِم الشكليَّة؛ إلى جانب قائمة طويلة من الاتهامات ضد المعتقلين، لا تَمُتْ للواقع بِصِلَة؛ في ظِل التطوُّر الإعلامي، والتكنولوجي، وما يُعرَف بـ"صحافة المجتمع".
المُمَارسات القمعيَّة ضِد الإعلاميين، في الضفة الغربيَّة؛ هي سياسة قديمة جديدة؛ ضِمن سياسة مُمَنهَجَة لقمع الحُرِّيات، إلى أبعد مدى؛ فيما تتماشي هذه الممارسات القمعيَّة مع الاتفاق الأمني؛ الذي يتم بين سُلطة رام الله، والعدو الصهيوني؛ وهو أعلى درجات التنسيق الأمني مع العدو.
نتساءل؛ ما هي أداة قياس "الطول الدستوري للسان المواطِن"، في مناطق الحكم الذاتي المحدود؟ هل يقوم عباس، وزمرته، بقياس ألسنة المواطنيين بمسطرة خاصة؛ للتأكُّد من طول اللسان؟! وعن إذا كان هذا يخضع للتجريم، أم لا ؟!
الإجابة بمنتهي المرارة؛ نعم؛ هناك أداة لقياس اللسان وطولهُ؛ وهى مدى اعتراف المواطِن بالاتفاقيات المُوقَّعة مع العدو؛ ومدى تقديرهُ لسُلطة الحكم الذاتي؛ وتقديسهُ لرئيسها عباس؛ ولكن إن تمدَّد اللسان سنتيمترًا واحدًا؛ وتحدَّث عن رفضه لأي مِما سَبَقْ؛ يقع تحت طائلة القانون؛ بتُهمة "إطالة اللسان" !
إننا نستغرب؛ كيف يُقرِّر عباس محاكمة الصحفيين، والناشطيين، بـتُهمة "إطالة اللسان"؛ وكأنها تهمة لا تَطولَهُ؛ وهل هو المُكلَّف بتوزيع شهادات حُسن سير وسلوك؟ ألم يَطول لسان هذا العباس؛ عندما تحدَّث عن المقاومة؛ ونعتها بالحقيرة؟! ألم يَطول لسانهُ؛ عندما وصف صواريخ المقاومة بالعبثية؟! ألم يُطول لسانهُ عندما طَلَبَ من قُوى أمنيَّة؛ متعاوِنة مع العدو؛ بكسر يد كل من يَطلِق النيران، في اتجاة العدو؟! وماذا عن "إطالة اليد"؛ سرقات، ورشاوي، وفساد مالي، داخل أروقة السُلطة؛ تصل أحياناً للتعاون مع العدو؛ مقابِل امتيازات خاصة؛ وهو ما يُعرَف بالاتفاقيات الأمنيَّة؛ أو التنسيق الأمني معهُ. وماذا عن من فَتَحَ المزاد؛ وباع البلاد؛ هذا يُعد إطالة ماذا؟!
آن الآوان؛ لأن يُحاكِمُ شعبنا هذا العباس؛ بتُهمة "إطالة اللسان، واليد، وسحق الوطن"؛ ليكون ذلك الشعب؛ هو الحاكِم، وهو جهاز الأمن العادِل؛ ويكون ما يقولهُ، القانون الذي يَخضع له الجميع.
(*) محامي وباحث فلسطيني في التاريخ القديم .