في تفسير لاحول ولا قوة إلا بالله
إن المؤمن معه في الدنيا كنز من كنوز الجنة ورِثَهُ من نبيه - صلى الله عليه وسلم - يقيس به كل حركة وسكون في هذا الكون لا سيما هذه الآيات العظيمة من الكسوف والزلازل والأعاصير وغيرها، وهذا الكنز هو: (لا حول ولا قوة إلا بالله) (1).
فهذه الكلمة شأنها عظيم - كما ذكر ابن القيم رحمه الله في بيان معناها -، حيث قال: (فإن العالم العلوي والسفلي له تحوّل من حال إلى حال [يعني من سكون إلى حركة، ومن حركة إلى سكون .. على تنوّع ذلك]، وذلك التحوّل لا يقع إلا بقوة يقع بها التحوّل، فكذلك الحول، وتلك القوة قائمة بالله وحده ليست بالتحويل، فيدخل في هذا كل حركة في
__________
(1) أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري " عبد الله بن قيس " - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سَفَر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أيها الناس! .. أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمّ ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً بصيراً قريباً، وهو معكم)، قال: وأنا خلفه، وأنا أقول " لا حول ولا قوة إلا بالله "، فقال: (يا عبد الله بن قيس!: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟)، فقلت: بلى يا رسول الله، قال: (قل: " لا حول ولا قوة إلا بالله ").
العالَم العلوي والسفلي وكل قوة على تلك الحركة) انتهى (1).
تأمل قوله - رحمه الله -: " وتلك القوة قائمة بالله وحده ليست بالتحويل " .. إن معرفة ذلك معرفة قلب مع التوفيق تخرجك من النظر إلى الأسباب مقطوعة عن الفاعل سبحانه في كل حركة وسكون في الكون لاسيما الآيات الكبرى مثل الأعاصير والزلازل وغيرها كما تقدم بيانه.
قال شيخ الإسلام: (فلفظ " الحوْل " يتناول كل تحوّل من حال إلى حال، و " القوة " هي القدرة على ذلك التحوّل، فَدَلّت هذه الكلمة العظيمة على أنه ليس للعالَم العلوي والسفلي حركة وتحوّل من حال إلى حال، ولا قدرة على ذلك إلا بالله) انتهى (2).
وقال ابن القيم - رحمه الله - على كلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله): (ولما كان الكنز هو المال النفيس المجتمع الذي يخفى على أكثر الناس وكان هذا شأن هذه الكلمة كانت كنزاً من كنوز الجنة فأوتيها النبي - صلى الله عليه وسلم - من كنزٍ تحت العرش، وكان قائلها أسلم واستسلم لمن أزِمَّة الأمور بيديه وفَوّضَ أمره إليه) انتهى (3).
__________
(1) شفاء العليل، ص (112).
(2) كتاب " شرح حديث النزول "، ص (186).
(3) شفاء العليل، ص (112).
ولا عجب .. فإن هذا الكنز العظيم يَعْقِد لك معاقدَ توحيدِ الربوبيةِ الذي هو توحيد فعل الرب سبحانه، ومُلكيَّته، وتدبيره شأنَ مملكته.
كما أن (لا إله إلا الله) تعقد لك معاقدَ توحيد الإلهية والعبودية الذي هو توحيد أفعالك، فيبقى التوحيد الثالث .. وهو الذي يتضمن معرفة الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
إن مَن يعتقد استقلال الأسباب بالتأثير معطِّل، ومَن يعتقد أن الاستقلال بالتأثيِر في الكون ليس إلا لقدرة الإله - عز وجل - لكنه لا يذكره ولا ينقاد لطاعته فهو ضال.
لقد تتابعت آياتٌ من الزلازل والكسوفات والأعاصير والوباء والحروب ولا شيء يتغير إلا زيادة مبارزة الربّ بما يزيد غضبه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الأشياء التي يحصل بها اليقين، وأنواع التفكر والاعتبار
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - فيما يحصل به اليقين، وأنه بثلاثة أشياء:
(أحدها: تدبّر القرآن.
والثاني: تدبر الآيات التي يُحدثها الله في الأنفس والآفاق التي تبين أنه حق - يعني القرآن -.
والثالث: العمل بموجب العلم، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (1)، والضمير عائد على القرآن [يعني قوله تعالى: {أَنَّهُ الْحَقُّ}].
ثم قال: (فبيّن سبحانه أنه يُري الآيات المشهودة ليبيّن صِدق الآيات المسموعة مع أن شهادته بالآيات المسموعة كافية).
__________
(1) سورة فصلت، الآية: 53.
ثم قال: (وأما الآيات المشهودة فإنه ما يُشْهَد ويُعلَم بالتواتر من عقوبات مكذّبي الرسل ومَن عصاهم، ومِن نَصْرِ الرُّسل وأتباعهم على الوجه الذي وَقَع، وما عُلم مِن إكرام الله تعالى لأهل طاعته، وجَعْل العاقبة لهم، وانتقامه من أهل معصيته، وجَعْل الدائرة عليهم .. فيه عبرة تُبين أمره ونهيه وَوَعْدَه ووعيده، وغير ذلك مما يوافق القرآن) انتهى (1).
وأنا أسُوق هذا عِظَة إلى مَن ظنوا أنهم قد شَبُّوا عن الطوق من قومنا بزعمهم، وفرحوا بما عندهم من العلم .. والله سبحانه يقول: {وَمَا تُغْنِي الآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} (2)، لأن الشأن في الانتفاع بالعِظَة، وهي - كما قال ابن القيم رحمه الله -: (نوعان: عِظة بالمسموع، وعظة بالمشهود.
فالعِظَة بالمسموع: الانتفاع بما يسمعه من الهدى والرشد والنصائح التي جاءت على لسان الرسل وما أوحي إليهم، وكذلك الانتفاع بالعظة من كل ناصح ومرشد في مصالح الدين والدنيا.
والعِظَة بالمشهود: الانتفاع بما يراه ويشهده في العالَم من مواقع العِبَر، وأحكام القَدَر ومجاريه، وما يشاهده من آيات الله الدالة على
__________
(1) مجموع الفتاوى، 3/ 331 - 332.
(2) سورة يونس، الآية: 101.
صدق رسله) انتهى (1).
فهذه الزلازل والأعاصير وسائر الكوارث التي يُحْدثها الله في الكون عظة بالمشهود، واعتبار لمن يعتبر.
فتفكر الآن بما أحلَّ بِمَن أشبهوا الذين قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} (2) وتشابه صفاتهم؛ قال ابن تيمية - رحمه الله -: (وأما عَاد [قوم هود – عليه السلام -] فذَكَر الله عن عادٍ التجبّر وعِمارة الدنيا) (3).
ولقد كان السلف تُفيدهم الآيات الرجوعَ إلى ربهم، والتوبة من ذنوبهم، وسأذكر في الباب التالي - إن شاء الله - أمثالاً لهذه الأحوال، وما الذي يُؤَمِّننا وقد تعدّى السيل الزُّبى؟!.
__________
(1) مدارج السالكين، 1/ 444.
(2) سورة فصلت، الآيات: 14 - 15.
(3) النبوات، ص (57).
إن المؤمن معه في الدنيا كنز من كنوز الجنة ورِثَهُ من نبيه - صلى الله عليه وسلم - يقيس به كل حركة وسكون في هذا الكون لا سيما هذه الآيات العظيمة من الكسوف والزلازل والأعاصير وغيرها، وهذا الكنز هو: (لا حول ولا قوة إلا بالله) (1).
فهذه الكلمة شأنها عظيم - كما ذكر ابن القيم رحمه الله في بيان معناها -، حيث قال: (فإن العالم العلوي والسفلي له تحوّل من حال إلى حال [يعني من سكون إلى حركة، ومن حركة إلى سكون .. على تنوّع ذلك]، وذلك التحوّل لا يقع إلا بقوة يقع بها التحوّل، فكذلك الحول، وتلك القوة قائمة بالله وحده ليست بالتحويل، فيدخل في هذا كل حركة في
__________
(1) أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي موسى الأشعري " عبد الله بن قيس " - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سَفَر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أيها الناس! .. أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمّ ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً بصيراً قريباً، وهو معكم)، قال: وأنا خلفه، وأنا أقول " لا حول ولا قوة إلا بالله "، فقال: (يا عبد الله بن قيس!: ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟)، فقلت: بلى يا رسول الله، قال: (قل: " لا حول ولا قوة إلا بالله ").
العالَم العلوي والسفلي وكل قوة على تلك الحركة) انتهى (1).
تأمل قوله - رحمه الله -: " وتلك القوة قائمة بالله وحده ليست بالتحويل " .. إن معرفة ذلك معرفة قلب مع التوفيق تخرجك من النظر إلى الأسباب مقطوعة عن الفاعل سبحانه في كل حركة وسكون في الكون لاسيما الآيات الكبرى مثل الأعاصير والزلازل وغيرها كما تقدم بيانه.
قال شيخ الإسلام: (فلفظ " الحوْل " يتناول كل تحوّل من حال إلى حال، و " القوة " هي القدرة على ذلك التحوّل، فَدَلّت هذه الكلمة العظيمة على أنه ليس للعالَم العلوي والسفلي حركة وتحوّل من حال إلى حال، ولا قدرة على ذلك إلا بالله) انتهى (2).
وقال ابن القيم - رحمه الله - على كلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله): (ولما كان الكنز هو المال النفيس المجتمع الذي يخفى على أكثر الناس وكان هذا شأن هذه الكلمة كانت كنزاً من كنوز الجنة فأوتيها النبي - صلى الله عليه وسلم - من كنزٍ تحت العرش، وكان قائلها أسلم واستسلم لمن أزِمَّة الأمور بيديه وفَوّضَ أمره إليه) انتهى (3).
__________
(1) شفاء العليل، ص (112).
(2) كتاب " شرح حديث النزول "، ص (186).
(3) شفاء العليل، ص (112).
ولا عجب .. فإن هذا الكنز العظيم يَعْقِد لك معاقدَ توحيدِ الربوبيةِ الذي هو توحيد فعل الرب سبحانه، ومُلكيَّته، وتدبيره شأنَ مملكته.
كما أن (لا إله إلا الله) تعقد لك معاقدَ توحيد الإلهية والعبودية الذي هو توحيد أفعالك، فيبقى التوحيد الثالث .. وهو الذي يتضمن معرفة الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى.
إن مَن يعتقد استقلال الأسباب بالتأثير معطِّل، ومَن يعتقد أن الاستقلال بالتأثيِر في الكون ليس إلا لقدرة الإله - عز وجل - لكنه لا يذكره ولا ينقاد لطاعته فهو ضال.
لقد تتابعت آياتٌ من الزلازل والكسوفات والأعاصير والوباء والحروب ولا شيء يتغير إلا زيادة مبارزة الربّ بما يزيد غضبه، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
الأشياء التي يحصل بها اليقين، وأنواع التفكر والاعتبار
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - فيما يحصل به اليقين، وأنه بثلاثة أشياء:
(أحدها: تدبّر القرآن.
والثاني: تدبر الآيات التي يُحدثها الله في الأنفس والآفاق التي تبين أنه حق - يعني القرآن -.
والثالث: العمل بموجب العلم، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (1)، والضمير عائد على القرآن [يعني قوله تعالى: {أَنَّهُ الْحَقُّ}].
ثم قال: (فبيّن سبحانه أنه يُري الآيات المشهودة ليبيّن صِدق الآيات المسموعة مع أن شهادته بالآيات المسموعة كافية).
__________
(1) سورة فصلت، الآية: 53.
ثم قال: (وأما الآيات المشهودة فإنه ما يُشْهَد ويُعلَم بالتواتر من عقوبات مكذّبي الرسل ومَن عصاهم، ومِن نَصْرِ الرُّسل وأتباعهم على الوجه الذي وَقَع، وما عُلم مِن إكرام الله تعالى لأهل طاعته، وجَعْل العاقبة لهم، وانتقامه من أهل معصيته، وجَعْل الدائرة عليهم .. فيه عبرة تُبين أمره ونهيه وَوَعْدَه ووعيده، وغير ذلك مما يوافق القرآن) انتهى (1).
وأنا أسُوق هذا عِظَة إلى مَن ظنوا أنهم قد شَبُّوا عن الطوق من قومنا بزعمهم، وفرحوا بما عندهم من العلم .. والله سبحانه يقول: {وَمَا تُغْنِي الآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} (2)، لأن الشأن في الانتفاع بالعِظَة، وهي - كما قال ابن القيم رحمه الله -: (نوعان: عِظة بالمسموع، وعظة بالمشهود.
فالعِظَة بالمسموع: الانتفاع بما يسمعه من الهدى والرشد والنصائح التي جاءت على لسان الرسل وما أوحي إليهم، وكذلك الانتفاع بالعظة من كل ناصح ومرشد في مصالح الدين والدنيا.
والعِظَة بالمشهود: الانتفاع بما يراه ويشهده في العالَم من مواقع العِبَر، وأحكام القَدَر ومجاريه، وما يشاهده من آيات الله الدالة على
__________
(1) مجموع الفتاوى، 3/ 331 - 332.
(2) سورة يونس، الآية: 101.
صدق رسله) انتهى (1).
فهذه الزلازل والأعاصير وسائر الكوارث التي يُحْدثها الله في الكون عظة بالمشهود، واعتبار لمن يعتبر.
فتفكر الآن بما أحلَّ بِمَن أشبهوا الذين قالوا: {مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} (2) وتشابه صفاتهم؛ قال ابن تيمية - رحمه الله -: (وأما عَاد [قوم هود – عليه السلام -] فذَكَر الله عن عادٍ التجبّر وعِمارة الدنيا) (3).
ولقد كان السلف تُفيدهم الآيات الرجوعَ إلى ربهم، والتوبة من ذنوبهم، وسأذكر في الباب التالي - إن شاء الله - أمثالاً لهذه الأحوال، وما الذي يُؤَمِّننا وقد تعدّى السيل الزُّبى؟!.
__________
(1) مدارج السالكين، 1/ 444.
(2) سورة فصلت، الآيات: 14 - 15.
(3) النبوات، ص (57).