بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الحرية! فأين حدود الله؟!
الإسرافُ في الكلامِ على الحريات - في الإعلامِ ومؤسساتِ المجتمعِ المدنيّ والتواصلِ الاجتماعيّ - يُخْشَى معَه - إنْ لمْ يُضبَطْ - أن يجدَ الناسُ أنفسَهُم يواجهونَ طُغيانَ حرِّياتٍ وإلحادٍ، بعدَ أنْ كانوا يعَانونَ طُغيانَ قمعٍ واستبدادٍ.
آثارُ طغيانِ الحرياتِ المُنفلتةِ صارتْ محْسوسَةً ملْموسَةً؛ يراها الناسُ تدُوسُ وتطْحَنُ كلَّ شيءٍ.....
لا قيودَ، ولا حدودَ، لا قيم، ولا إنسانية، يتحيَّرُ الناسُ من هولِ الصّدْمةِ، ولا يدرونَ ماذا يصنعونَ...
يستطيعُ أيُّ أحدٍ - باسمِ حريَّةِ التعبيرِ أوْ غيرِها - أنْ يفتَحَ صفحةً علَى شبَكةِ التواصل، ويُسمِّيها إنْ شاءَ (ليبُّونَ لا دينيُّون)، يُسيئُ فيها إلَى النبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، ويطعنُ في القرآنِ، ولا يؤمنُ باللهِ؛ ولا أحَدَ يُتابِعُهُ أو يُسَائِلُه !!!
لماذا قامَ الناسُ على سفاراتِ الدانمارك وايطاليا- في ليبيا في 17 فبراير 2006 وما بعدها وكذلك في العالم الإسلامي - عندما نشَرَ إعلامُها صورًا تسيئُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؟
لقد كان من وقود الثورة الليبية ما كان يجاهر به القذافي من الكفر البواح والتحدي لدين الله والإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم وإنكار السنة فصار – ويا لَلعجب - بعد الخلاص منه أمرا مقبولا من بعض الليبين !!
ليبيا الحرية اليوم... هي التي تصْدُرُ منها الإساءَةُ، تَصريحًا لا تَلمِيحًا!!
تستطيعُ أن تفتَحَ قناةً فضائيَّةً تسمِّيها (الدَّولية) - إن شئت - وتستَضيفَ أدْعياءَ الدعوةِ ليطْعنوا في الإسْلامِ، ويسبُّوا أصْحابَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ويُرَوّجوا للمَذهبِ الشِّيعيِّ الرَّافضِيّ المُلحِدِ، بأموالٍ ليبيَّةٍ!!
تستطيعُ أيُّ جماعَةٍ باسمِ الحريَّةِ - إذا أرادَتْ - أنْ تنْتزِعَ مطالبَهَا مِن المؤتمرِ الوطنيِّ العامِّ بالقوَّةِ، وأن تُعرْقِلَ أعْمالَهُ لأسابِيعَ، وأن يتِمَّ افْتعالُ مشكلةٍ كانَ على الحكومَةِ أن تحلَّها بعيدًا عن قاعةِ المؤتمَرِ بكلِّ سهولَةٍ ويسر، فليستْ معضِلةً..
تستطيعُ أن تعطّلَ منشأةً نفطيةً، أو تقفلَ الطريقَ العام، وتمنَعَ السَّيرَ فيهِ..
يستطيعُ المسؤولُ وهو يتمتعُ بالحريةِ أنْ يسرقَ المالَ العامَّ، وينهَبَ المؤَسَّسةَ، ويبْقَى عليها مديرًا بالقوّةِ، حتّى لو عَزَلَتْهُ، لأَنَّه يرى أَنّهُ أوْلى بِها مِن غيرِهِ..
يستطيعُ مَن عندَه السلاحُ أن يُنزِلَ أحدًا مِن سيَّارتِهِ، أو يأخذَهُ مِن بيتِهِ، ويقتادَهُ إلى مكانٍ مجهولٍ، أو يدخُلَ إلَى سوقٍ شعبِيٍّ للخضارِ، ويصيحَ بأعْلَى صوتِهِ علَى البائِعِينَ غيرِ اللّيبيّينَ: ( كلّ واحدٍ 5 ديناراتٍ بدونِ تأخيرٍ)، ولا يملكونَ الاعتراضَ، لأنَّ من يتضجَّرُ سيدفَعُ الثَّمَنَ، والسلاحُ هوَ الذِي يتكلَّمُ،
جريمةُ حِرابَةٍ وقطْعِ طريقٍ توفَّرَتْ أرْكانُها تُرتَكَبُ فِي وَضحِ النَّهارِ؛ لأنَّنا لا نُريدُ أنْ نمَسَّ الحُريَّةَ..
يستطيعُ مَن يُمارِسُ حريَّتَه اليومَ أنْ يتكلَّم في أيِّ علمٍ بدونِ عِلمٍ!!
وأن يُحِلَّ ما حَرَّمَهُ اللهُ، ويتقوَّل على اللهِ ما لَمْ يَقُلْهُ، فيُنكِرُ الثابِتَ ويُثْبتُ المُنكَرَ.... في الرِّبا أو في حِجَابِ المَرْأةِ، مِن أصغَرِ مسألَةٍ إلَى أكْبَرِهَا...( قُلْ إِنّمَا حَرّمَ ربّي الفَواحِشَ ما ظهر وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون ....).
تستطيعُ في عصرِ الحريَّةِ أن تستخِفَّ بمَن تُريدُ، وتَرمِيه بالغَباءِ والجَهلِ، وأنَّه لَا يُحسِنُ أنْ يُقيمَ جُملَةً واحِدةً، حتَّى لو كانَ ذلكَ عُمومَ الشعْبِ الليبيِّ بأكمَلِه..
الإسرافُ في الكلامِ علَى الحرّيَّاتِ والحقوقِ، دونَ الكلامِ عَلَى الواجِباتِ والمسْؤُوليَّاتِ، وعنِ الضَّوابِطِ الشرعيَّةِ للْحريَّةِ، يُدمِّرُ الحرِّيّةَ ويُدمّرُ الأُمّةَ....
لا تفرحْ بالحُريَّةِ المُنفَلتَةِ، لأنَّك مَعها لَا تَستطِيعُ أن تَلومَ أحَدًا على أَن يفْعَلَ ما يُرِيدُ...
ما ذُكِرَ قليلٌ مِن كَثيرٍ مِمَّا يُنشَرُ الآنَ، يسيئُ إلى القِيَمِ وثَوابِتِ الدِّينِ، فهلِ المَسؤُولونَ في المُؤتمَرِ الوطنِيّ، رئيسهُ وأعضاءهُ، وفي الحكومَةِ، رئيسُها ووزراءُها، على عِلمٍ بمَا يَجرِي؟
فَليُعِدَّ كلُّ واحِدٍ منّا الجَوابَ، فإنّ اللهَ تَعالَى سائِلٌ كلَّ راعٍ عَمَّا اسْتَرعاهُ.
الصادق الغرياني
الأربعاء 17 ربيع الثاني 1434 هـ
الموافق 27 فبراير 2013