..........
حتى نستطيع اصلاح أي شيء كان، فلا بد لنا ابتداء من معرفة الشئ المراد اصلاحه،والا اصلحنا شيئا اخر، ونحن نظن اننا اصلحنا المطلوب، فكنا كالاخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم ،وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا!!وعلى افتراض اننا متفقون حول ما المقصود بالاصلاح، وحول كون المطلوب هو الاصلاح وليس التغيير-مع افتراض هذا- فلا بد لنا من تحديد ما المقصود بالافراد، وما المقصود بالمجتمع، لنر ان كان اصلاح الافراد يؤدي الى اصلاح المجتمع ام لا !!
وابتداء اقول ان استعمال كلمة افراد في المقولة خطأ، لان الفرد هو الانسان في الحالة التي لايكون له علاقة بالاخرين، كوجوده نائما او في الحمام وما شابه. ..ووجود مليون فرد على هذا الحال، لا يجعل من الافراد،لا جماعة ولا مجتمعا..والصواب ان نقول اصلح الانسان، وليس اصلح الافراد…فالفرد لايكون انسانا، الا اذا كان في حالة تواصل مع الاخرين، اما في حالة الانعزال او الانقطاع، فلا اجتماع ولا جماعة ولا مجتمعا. وهذا ماتوحي به المعاني المختلفة لكلمة انسان وانسي...
وننتقل الان الى الاهم وهي كلمة المجتمع …الذي تزعم المقولة ان اصلاح الناس يؤدي الى اصلاحه. فنقول:ان التدقيق في واقع المجتمع يبين ان المجتمع ليس مجموعة من من الناس فحسب..لان مجرد وجود مجموعة من الناس- دون أي شيء اخر -لايؤدي الى وجود مجتمع …لان للمجتمع مكونات اخرى غير الناس … والحق ان النظرة الى المجتمع بصفته مجموعة من الافراد او الناس فحسب وجد عند المسلمين بعد سيطرة الراسمالية العَلمانية عليهم منذ سقوط دولة الاسلام فالرأسمالية تنظر إلى المجتمع على أنه مجموعة من الأفراد يعيشون معاً، ومن هنا أطلقوا على كل تجمع من الناس اسم مجتمع فقالوا عن طائرة الجامبو جت – أثناء طيرانها الذي لا يستغرق أكثر من خمس ساعات – أنها مجتمع، وهذا نابع من النظرة الفردية في الرأسمالية،ولهذا تنتقل نظرتها من الفرد إلى الأسرة،ثم إلى الجماعة، فالمجتمع،وبناء” على هذه النظرة وضعت الكثير من الحلول للمجتمعات،فنظرت إلى المجتمعات على أنها كيانات منفصلة وبالتالي فإن ما يصلح لمجتمع قد لا يصلح لمجتمع آخر.
وبالنظر إلى الأفراد في المجتمع ، يمكن تقسيم المجتمع الى طائفتين : طائفة الأفراد الصالحين،وطائفة الأفراد الفاسدين الذين يحتاجون الى إصلاح .
أما الصالحون فهم الطائعون العابدون الملتزمون لما احله الله، المبتعدون عن محرماته.وأما الفاسدون فهم الذين لايبالون بارتكاب ما حرم الله . فأصحاب دعوة إصلاح الفرد يرون ان العمل يجب ان ينصب في الطائفة الثانية،بإصلاحهم ، حيث انه اذا ما تم اصلاح هؤلاء الأفراد سوف يتجه المجتمع في إتجاه ما يجعل الصلاح سائدا ً ومنتشرا ً في المجتمع،إذ سوف تصبح توجهات وميول غالبية أفراد المجتع في إتجاه الصلاح . هذا هو بإختصار ما يقصده وما تعنيه هذه الدعوة وهذه الفكرة . وبالتدقيق فيها،فإن هذه الفكرة ثابت ٌ فشلها فكرياً، وثابت ٌ فشلها بشهادة الواقع المحسوس،وثابت ٌ خطئها أيضا بمناقضتها ومخالفتها لمجموعة كبيرة من الأحكام الشرعية الثابتة .
أما فكريا،فالرجل المصاب في يده،والمصاب في رجله،والمصاب في كتفه ، لابد حتى تتم معالجته، من تضميد جراح يده ،ورجله ، وكتفه، ولايكفي القول ان تضميد الكتف سوف يعالج ويصلح جراح اليد والرجل . وهكذا المجتمع ، فالأفكار السائدة في المجتمع ، والمشاعر ، والأنظمة التي تسير بحسبها العلاقات في المجتمع ، كلها عناصر لهذا المجتمع،وكلها مصابة كما ان الفرد مصاب . والعمل على إصلاح الفرد بجعله طائعا عابدا ملتزما بحلال الله وحرامه،لن يؤدي ابدا الى اصلاح المجتمع طالما بقيت الافكاروالأنظمة والمشاعر السائدة مصابة . حتى وان لوكان كل أفراد هذا المجتمع صالحون،وليس غالبيتهم فقط . ولزيادة الايضاح نقول انه لدى البحث العقلي بطريقة التفكير المستنير في المجتمع نجد أن النظرة الصحيحة للمجتمع تُري أنه ليس مكوناً من أفراد بل هو مكون من عدة أشياء هي الإنسان – لا الفرد – والعلاقات والأنظمة. ولبيان هذانقول أن كلمة مجتمع مشتقة من الفعل اجتمع وهي تعني وجود شخصين أو أكثر ضمن مكان ما، فإن كان ذلك الاجتماع بناء” على اتفاق مسبق بين الأطراف ونتيجة لحاجة أو رغبة الأطراف في ذلك، كالاجتماع في جلسة نقاش أو زواج أو بيع أو لهو، فإن مثل هذا الاجتماع من شأنه الدوام والثبات، أما إذا كان الاجتماع قد تم رغماً عن الموجودين فإن من شأنه الزوال بمجرد زوال المؤثر الخارجي،والنوع الأول من الاجتماع هو الذي يعطي للمجتمع شكله الاجتماعي،أما النوع الثاني فمن شأنه عدم إيجاد مجتمع، إذ لا مجتمع بلا اجتماع للناس،ومن هنا كان النوع الأول أي وجود الناس في مكان واحد بناء” على علاقات دائمية مشتركة هو المجتمع، أما النوع الثاني فلا يدل على وجود المجتمع،بل يدل على وجود جماعة فحسب،فركاب سفينةعددهم بالالاف لايشكل مجتمعا وسكان قرية بالمئات يشكل مجتمعا.
ومن هنا نفهم أنه ليس كل تجمع يشكل مجتمعاً بل يشكل جماعة، أما المجتمع فهو بحاجة إلى أكثر من وجود الناس فهو بحاجة إلى وجود علاقات بين الناس. ومكونات المجتمع أربع هي أناس وأفكار ومشاعر وأنظمة، ولبيان كيفية تكوّن المجتمع على أساسها نقول: إنه لحصول علاقة بين الناس، فإنه لا بد من وجود مصلحة أو هدف مشترك بين الطرفين، وبدون وجود تلك المصلحة المشتركة أو الهدف المشترك، فإنه لا يحصل الاجتماع بين الناس، وتنتفي الصفة المجتمعية عن الناس.
ولوجود المصلحة المشتركة فلا بد من وجود فكرة تحدد تلك المصلحة، ذلك أن سلوك الإنسان ناتج عن الأفكار والمفاهيم التي يقتنع بها، ومن هنا كان لا بد من وجود فكرة تحدد للإنسان المصلحة والهدف، إلا أن الفكرة المشتركة بين الطرفين حول المصلحة المشتركة لا تكفي لاجتماع الناس حولها، بل لا بد بالإضافة لاتحاد الفكرة من اتحاد الشعور حول المصلحة، فإذا كان احد الطرفين يحس بالفرح لوجود تلك المصلحة بينما يحس الطرف الآخر بعدم الفرح أو بالسخط وعدم الرضى-ومصائب قوم عند قوم فوائد والعكس- لم يكتب لهما الاجتماع، إلا أن وجود الفكرة والشعور المشترك بين الطرفين لا يؤدي إلا إلى وجود الرغبة في الاجتماع وفي إقامة العلاقة ..
ولكن إقامة العلاقة بين الطرفين على أساس الفكرة والشعور المشترك ستنسجم أو تصطدم مع النظام القائم في المجتمع–" نظام الحكم هو جزء من مبدأ أو فكرة عامة "-، فإن انسجمت كُتب للعلاقة والاجتماع على أساسها أن ترى النور،وإلا – أي في حالة الاصطدام – لم يكتب لها ذلك. …وينتج من تلك الافكار الموجودة في المجتمع مشاعر خاصة لذلك المجتمع. فنجد المسلم في أندونيسيا مثلاً يتألم لأحوال المسلمين في فلسطين أو العراق أوافغانستان او دمشق.فنتيجة لوجود الفكر الواحد المستمد من العقيدة الاسلامية نجد ان مشاعر المسلمين واحدة . ومن هنا فإنه لا يوجد مجتمع إذا لم تتوفر فيه الأركان الأربعة المذكورة سابقاً. فاختلاف الفكرة أو الشعور حول المصلحة المشتركة يمنع الاجتماع، ووجود نظام مخالف للعلاقة التي يتم بموجبها الاجتماع يمنع الاجتماع.وهذه العلاقات "السلوكيات" الذي يفرزها إنما هي الافكار, لأن الفكر هو الذي يؤثر على سلوك الانسان في الحياة حتى في انتعال الحذاءاو الدخول الى الخلاء.
ومن هذه العلاقات النظام الذي ينظم تلك السلوكيات ويرتبها ويحافظ على استمرارها . والنظام هنا هو الذي يتحكم في تلك العلاقات فيجعل من تلك العلاقات علاقات اسلامية أو رأسمالية أو شيوعية…فالنظام "الدولة" هي التي تسمح للافراد بأن يقيموا علاقات اسلامية او اشتراكية…او عَلمانية..الخ . وبالتالي فالعيب ليس في الافراد وانما في الدولة التي سمحت لتلك للافكارالفاسدة ان تغزو عقول المسلمين وبالتالي جعلت سلوكياتهم "علاقاتهم" جشعة محتكرة نتنة …فإذا أردنا ان نغير الواقع فلا بد من تغيير الافكار بأفكار فيها النهضة – حيث أنه لا بد من بيان زيف تلك الافكار المنحطة القائمة في المجتمع بأفكار صحيحة- وايضا العمل في تغيير النظام القائم المتمثل في الانظمة القائمة في العالم الاسلامي التي سمحت بدخول الافكار المنحطة وسمحت لبيوت الدعارة وللبنوك وللفضائيات وللاختلاط …… أن تقام عند المسلمين.
ومن هنا يتضح فساد مقولة " أصلح الأفراد يصلح المجتمع " وذلك لأن المجتمع ليس مكوناً من أفراد بل من أناس – لا أفراد – إضافة إلى العلاقات الدائمية بين الناس والأنظمة التي ترعى تلك العلاقات، أما إصلاح الأفراد فلا يؤدي إلا إلى إصلاح الأفراد فيما هو من صفاتهم الخاصة،لا في ما هو عام في المجتمع. ومن هنا كان على دعاة التغيير والنهضة أن يعوا على واقع المجتمع الوعي الكافي، وأن يفهموا حقيقة العلاقات السائدة ومصادرها، وذلك تمهيداً لضربها وتغييرها بالعلاقات الصحيحة من اجل الوصول إلى إنهاض المجتمع النهضة الصحيحة، وذلك بعد إزالة النظام الذي يزرع ويحمي العلاقات الفاسدة. واعجبني تشبيه ذكره احد الاخوة لوصف حال دعاة الاصلاح مع خصومهم فدعاة اصلاح الافراد هم كرجل يقف في الاسفل حاملا بيد شمعة وفي اليد الاخرى علبة ثقاب وكلما اراد اشعال الشمعة امطره الرجال الواقفون اعلى منه بدلاء ماء تتسطيع اطفاء مليون شمعة فانّى لهذا المصلح ان ينجح في اشعال الشمعة؟؟!!