الجمعة: 18 جمادى الثانية 1435هجري، الموافق لـ 18 أفريل 2014
مع مصطفى في سيرة المصطفى 4
معمر حبار
econo.pers@gmail.com
الحالات المختلفة لرسول الله: سيّدنا رسول الله بشر ويوحى إليه في نفس الوقت.. فهو القائد، والزوج، والأب، والقاضي، والصديق، فوجب التعامل مع كل حالة بما يناسبها ويناسب وضعية المتعامل.
فالمشكلة في هذه الحالة بالذات، ليست في النص، إنما في عدم فهم الظروف التي قيل فيها النص، وكذلك في الحالة التي كان عليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء ذكر النص.
رسول الله الحاكم والقاضي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضع الخاتم لضرورات يتطلبها القاضي والحاكم يومها، لأنه كان يختم بها المراسلات والعهود. فهي إذن سنة للقاضي والحاكم وكل من يمضي المراسلات والعهود، وليست سنة للإنسان للعادي. والآن بعد التطور الكبير الذي طرأ على وسائل الختم، يمكن للمجتهدين أن يجتهدوا في إطار هذا التطور، ويدلوا بما يناسب النص والوضع الجديد.
رسول الله الأب: إن استغلال حالة إنسانية تتعلّق بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفعلها كل البشر مع أبناء الأحباب وأبناء الأعداء، لأمر يتعلّق بالخلافة والملك، يسيء إلى الحالة بذاتها، وإلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكمثال على ذلك ..
إن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزل من المنبر لأجل سيّدنا الحسن والحسين، رضوان الله عليهما، وكان يطيل في السجود، حتى ينزل الحسن والحسين من على ظهره. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصرّف في هذه الحالة، كأب وجد يحب الأبناء والأحفاد، ولا يصبر على بكاء الأطفال. فهي حالة إنسانية، يعرفها كل أب، ومن الأفضل أن تبقى في إطارها الإنساني، دون تحميلها مالا تطيق.
قريش والإمامة: الذي يقرأ كتاب "الأحكام السلطانية" للماوردي، يجده يركز على أن الخليفة لابد أن يكون قريش. ويمكن للمتتبع أن يجد العذر للأوائل الذين تبنوا هذا الرأي. فكيف يعقل بالمعاصرين وهم يقولون هذا الكلام، لأن الخلفاء من قريش. وهذا وجه من أوجه تحميل الواقعة مالا تطيق. فلا يعقل وبعد مرور 14 قرنا تجد من ينادي ويطالب، بأن يكون الحاكم من قريش.
رسول الله الزوج: وماكان يفعله في بيته مع أزواجه، فإنه كان تصرف زوج وفي حالات معينة، ولكل يختار الحالة التي تناسبه وتناسب أهله، ولا يمكن إلزام الناس بحالات معينة، كطريقة الضحك مع الأهل، وحالات خاصة جدا مع الزوج.
قال العلماء: للسنة 3 شروط .. القيام بالفعل قصد العبادة. والعلانية . والمداومة. فالتراويح ليست سنة، لأنه لم يداوم عليها. وجلسة الاستراحة ليست سنة، لأنه لم يفعلها- إن فعلها- بقصد العبادة. وما يقوم به داخل بيته وبين أهله، يعتبر عمل خاص به، لأنه لم يعلنه أمام الملأ.
إذن المسألة ليست في النص، إنما في الاختلاف والتضارب في شرح هذا الحديث أو ذاك، وفي احتكار فهم الحديث، ورفض الآخر، وفرض فهم على آخر.
الطريقة المثلى للتعامل مع النص: بين يدي الآن كتاب: "معجز محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، للشيخ التونسي عبد العزيز الثعالبي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1406 هـ - 1986، من 286 صفحة، يقول صاحب الكتاب في صفحة 11، وهو يتحدّث عن الطريقة المثلى في التعامل مع النص والسيرة والأحاديث النبوية ..
"وقد سلكت في تخريج فصوله، وإثبات فرعه، وأصوله، على ماصح عندي من الرواية وتبينته من الدراية، سالكا في النقل مسلك الثقات المتقدمين، ومعتمدا في التخريج النّقاد المعاصرين، ليكون وسطا بين المذهبين، وجامعا لما تفرّق بين الموردين.".
مصيبة رفض فضائل الفضلاء والفضائل: إن رفض فضائل الأعمال، بحجة ضعف الأحاديث، حرم الأمة من فضائل، ونشر الغلظة والقسوة بين أفراد المجتمع، حتى أمسى الولد لايطيع الوالدين، لأن شيخه علّمه أن حديث: " الجنة تحت أقدام الأمهات" ضعيف، فلم يعد يكترث بطاعة الوالدين.
ونفس الكلام يقال بشأن كتاب "إحياء علوم الدين"، لأبي حامد الغزالي، رحمة الله عليه. فقد قرأه العلماء، ووجدوا فيه أحاديث موضوعة وضعيفة، وأعادوا كل حديث لزاويته الأصلية من حيث التخريج، وبقيت الأمة تستفيد من الكتاب والفضائل الحميدة التي تضمنها، حتى قالوا في شأنه ، من لم يقرأ الإحياء ، فليس من الأحياء.
والمتصفح لكتاب: " الروض الفائق في المواعظ والرقائق"، للشيخ شعيب بن سعد بن عبد الكافي المصري، المكي، الحريفيش، المتوفي سنة 810 هـ - 1407م، تحقيق خالد عبد الرحمن العك، دار صادر لبنان، ودار البشائر سورية، الطبعة الأولى 1425 هـ - 2004، من 537 صفحة. ويتحدث المحقق في مقدمته للكتاب عن كيفية التعامل مع النص الوارد في الكتاب، فيقول بشأنه ..
أنه كتاب يحتوي على كثير من الأحاديث المكذوبة ، والمنسوبة إلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصص خيالية ومكذوبة. وقال بعدها، انحصر عملي في تنقيح الكتاب من الأحاديث المكذوبة والموضوعة، والقصص الخالية التي لاتناسب رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه عيّنة من الكتب التي تحمل أحاديث مكذوبة، وعيّنة من كيفية تعامل العلماء معها.
تكمن المشكلة في رفض الأحاديث جملة وتفصيلا بحجج متعددة. فهذا يرفضها لأنها كتبت بعد قرنين، وفي العصر الأموي، وكانت لأغراض سياسية. وآخر يرفضها لأن الجهة التي يعاديها لاتعتمد على السند مثله، الذي لايعترف به الآخر، رغم أن كل فريق من هذا وذاك، يفتخر على الآخر بأنه صاحب السلسلة الذهبية، وفي نفس الوقت، لايعترف كل منهما للآخر بالسلسلة الذهبية.
مع العلم، يؤكد الأستاذ مصطفى في مداخلته الثالثة، أنه لايوجد سلسلة ذهبية لهذا ولا ذاك، لأنها كتبت بعد قرنين أو ثلاثة من الزمن. ويبقى المجال مفتوحا لمن يريد أن يناقشه في هذه النقطة.
في الحلقة الخامسة والأخيرة من سلسلة مقالات" مع مصطفى في سيرة المصطفى 5"، سيطرق صاحب الأسطر، بإذنه تعالى إلى علاقة النص بالسياسة.
مع مصطفى في سيرة المصطفى 4
معمر حبار
econo.pers@gmail.com
الحالات المختلفة لرسول الله: سيّدنا رسول الله بشر ويوحى إليه في نفس الوقت.. فهو القائد، والزوج، والأب، والقاضي، والصديق، فوجب التعامل مع كل حالة بما يناسبها ويناسب وضعية المتعامل.
فالمشكلة في هذه الحالة بالذات، ليست في النص، إنما في عدم فهم الظروف التي قيل فيها النص، وكذلك في الحالة التي كان عليها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء ذكر النص.
رسول الله الحاكم والقاضي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضع الخاتم لضرورات يتطلبها القاضي والحاكم يومها، لأنه كان يختم بها المراسلات والعهود. فهي إذن سنة للقاضي والحاكم وكل من يمضي المراسلات والعهود، وليست سنة للإنسان للعادي. والآن بعد التطور الكبير الذي طرأ على وسائل الختم، يمكن للمجتهدين أن يجتهدوا في إطار هذا التطور، ويدلوا بما يناسب النص والوضع الجديد.
رسول الله الأب: إن استغلال حالة إنسانية تتعلّق بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويفعلها كل البشر مع أبناء الأحباب وأبناء الأعداء، لأمر يتعلّق بالخلافة والملك، يسيء إلى الحالة بذاتها، وإلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكمثال على ذلك ..
إن سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزل من المنبر لأجل سيّدنا الحسن والحسين، رضوان الله عليهما، وكان يطيل في السجود، حتى ينزل الحسن والحسين من على ظهره. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، تصرّف في هذه الحالة، كأب وجد يحب الأبناء والأحفاد، ولا يصبر على بكاء الأطفال. فهي حالة إنسانية، يعرفها كل أب، ومن الأفضل أن تبقى في إطارها الإنساني، دون تحميلها مالا تطيق.
قريش والإمامة: الذي يقرأ كتاب "الأحكام السلطانية" للماوردي، يجده يركز على أن الخليفة لابد أن يكون قريش. ويمكن للمتتبع أن يجد العذر للأوائل الذين تبنوا هذا الرأي. فكيف يعقل بالمعاصرين وهم يقولون هذا الكلام، لأن الخلفاء من قريش. وهذا وجه من أوجه تحميل الواقعة مالا تطيق. فلا يعقل وبعد مرور 14 قرنا تجد من ينادي ويطالب، بأن يكون الحاكم من قريش.
رسول الله الزوج: وماكان يفعله في بيته مع أزواجه، فإنه كان تصرف زوج وفي حالات معينة، ولكل يختار الحالة التي تناسبه وتناسب أهله، ولا يمكن إلزام الناس بحالات معينة، كطريقة الضحك مع الأهل، وحالات خاصة جدا مع الزوج.
قال العلماء: للسنة 3 شروط .. القيام بالفعل قصد العبادة. والعلانية . والمداومة. فالتراويح ليست سنة، لأنه لم يداوم عليها. وجلسة الاستراحة ليست سنة، لأنه لم يفعلها- إن فعلها- بقصد العبادة. وما يقوم به داخل بيته وبين أهله، يعتبر عمل خاص به، لأنه لم يعلنه أمام الملأ.
إذن المسألة ليست في النص، إنما في الاختلاف والتضارب في شرح هذا الحديث أو ذاك، وفي احتكار فهم الحديث، ورفض الآخر، وفرض فهم على آخر.
الطريقة المثلى للتعامل مع النص: بين يدي الآن كتاب: "معجز محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم"، للشيخ التونسي عبد العزيز الثعالبي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، الطبعة الثالثة 1406 هـ - 1986، من 286 صفحة، يقول صاحب الكتاب في صفحة 11، وهو يتحدّث عن الطريقة المثلى في التعامل مع النص والسيرة والأحاديث النبوية ..
"وقد سلكت في تخريج فصوله، وإثبات فرعه، وأصوله، على ماصح عندي من الرواية وتبينته من الدراية، سالكا في النقل مسلك الثقات المتقدمين، ومعتمدا في التخريج النّقاد المعاصرين، ليكون وسطا بين المذهبين، وجامعا لما تفرّق بين الموردين.".
مصيبة رفض فضائل الفضلاء والفضائل: إن رفض فضائل الأعمال، بحجة ضعف الأحاديث، حرم الأمة من فضائل، ونشر الغلظة والقسوة بين أفراد المجتمع، حتى أمسى الولد لايطيع الوالدين، لأن شيخه علّمه أن حديث: " الجنة تحت أقدام الأمهات" ضعيف، فلم يعد يكترث بطاعة الوالدين.
ونفس الكلام يقال بشأن كتاب "إحياء علوم الدين"، لأبي حامد الغزالي، رحمة الله عليه. فقد قرأه العلماء، ووجدوا فيه أحاديث موضوعة وضعيفة، وأعادوا كل حديث لزاويته الأصلية من حيث التخريج، وبقيت الأمة تستفيد من الكتاب والفضائل الحميدة التي تضمنها، حتى قالوا في شأنه ، من لم يقرأ الإحياء ، فليس من الأحياء.
والمتصفح لكتاب: " الروض الفائق في المواعظ والرقائق"، للشيخ شعيب بن سعد بن عبد الكافي المصري، المكي، الحريفيش، المتوفي سنة 810 هـ - 1407م، تحقيق خالد عبد الرحمن العك، دار صادر لبنان، ودار البشائر سورية، الطبعة الأولى 1425 هـ - 2004، من 537 صفحة. ويتحدث المحقق في مقدمته للكتاب عن كيفية التعامل مع النص الوارد في الكتاب، فيقول بشأنه ..
أنه كتاب يحتوي على كثير من الأحاديث المكذوبة ، والمنسوبة إلى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقصص خيالية ومكذوبة. وقال بعدها، انحصر عملي في تنقيح الكتاب من الأحاديث المكذوبة والموضوعة، والقصص الخالية التي لاتناسب رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه عيّنة من الكتب التي تحمل أحاديث مكذوبة، وعيّنة من كيفية تعامل العلماء معها.
تكمن المشكلة في رفض الأحاديث جملة وتفصيلا بحجج متعددة. فهذا يرفضها لأنها كتبت بعد قرنين، وفي العصر الأموي، وكانت لأغراض سياسية. وآخر يرفضها لأن الجهة التي يعاديها لاتعتمد على السند مثله، الذي لايعترف به الآخر، رغم أن كل فريق من هذا وذاك، يفتخر على الآخر بأنه صاحب السلسلة الذهبية، وفي نفس الوقت، لايعترف كل منهما للآخر بالسلسلة الذهبية.
مع العلم، يؤكد الأستاذ مصطفى في مداخلته الثالثة، أنه لايوجد سلسلة ذهبية لهذا ولا ذاك، لأنها كتبت بعد قرنين أو ثلاثة من الزمن. ويبقى المجال مفتوحا لمن يريد أن يناقشه في هذه النقطة.
في الحلقة الخامسة والأخيرة من سلسلة مقالات" مع مصطفى في سيرة المصطفى 5"، سيطرق صاحب الأسطر، بإذنه تعالى إلى علاقة النص بالسياسة.