الكاتب:
هيثم قطب
تاريخ النشر:
الاثنين 09 مارس / آذار 2015
في تقرير نُشر على موقع ساسة بوست يلفت نظرنا إلى مسألة مهمة تسقط من حساباتنا عادة في التفكر في أسباب الصراع واندلاع الحروب وتداعياته في العالم أجمع. ويطرح التقرير جملة من الأسئلة الأساسية لفهم جوهر العلاقات بين الدول، كان أهمها ما الذي يربط بين الدول العربية والولايات المتحدة وإيران وروسيا والصين وإسرائيل والمعارضة السورية المسلحة ونظام الأسد وتنظيم "الدولة الإسلامية" والحركات الانفصالية في الدول الإفريقية وعصابات شرق أوروبا والاتحاد الأوروبي...؟ إنه ببساطة السلاح وصفقات التسليح!
فالتقرير الذي بين أيدينا "يحاول إلقاء نظرة سريعة على عالم تتعاون إسرائيل من خلاله مع إيران، وتنشر فيه الولايات المتحدة (السلام) عن طريق صفقات (تسليح) مليارية، وتتنافس فيه الصين على إشعال الحروب الأهلية، ويتورط فيه الساسة بأخذ رشاوي بالملايين؛ عالم أباطرة السلاح".
السلاح، التجارة الأقوى عالمياً:
أغلب التقديرات الموثوق بها تجمع على إنفاق سنوي يتأرجح ما بين التريليون ونصف والاثنين تريليون دولار، وهو رقم بجانبه اثنا عشر صفراً ويساوي تقريباً 3% من كامل الناتج المحلي العالمي، والرقم الموثق لـ 2013 والذي أعلن منذ ثلاثة أشهر في ديسمبر الماضي هو 1.75 تريليون دولار، كدلالة قاطعة على أنها التجارة الأقوى عالمياً متخطية تجارة المخدرات صاحبة المركز الثاني.
صناعة السلاح لا تقتصر على صناعات الشركات الكبرى التي تغذي الجيوش النظامية فقط، وإنما تمتد لأبحاث عسكرية ودعم لوجيستي وصناعات الأسلحة المتوسطة والصغيرة وآلية تهريب السلاح وعمولات الساسة والسماسرة والجنرالات لتسهيل الشراء أو إرساء المناقصات على شركات بعينها.
أكثر الدول تصديراً للسلاح هي الولايات المتحدة، روسيا، الصين. وأكبر أربع دول في الاتحاد الأوروبي في صناعة السلاح: فرنسا، إنجلترا، ألمانيا، إيطاليا، ثم إسرائيل.
المركز الأول لاستيراد الأسلحة الهند، ثم الإمارات، الصين، السعودية، باكستان، الولايات المتحدة في المركز العاشر، ومصر في المركز الثاني عشر.ومن ضمن أكبر عشر شركات عالمية لصناعة السلاح تمتلك الولايات المتحدة سبعاً منها، على رأس قائمة الشركات العالمية تأتي لوكهيد مارتن (Lockheed Martin) الأمريكية بمبيعات سنوية تتجاوز الـ 36 مليار دولار، تتبعها عملاق صناعة الطائرات (Boeing) بـ 32 مليار دولار تقريباً وهي أمريكية أيضاً، ثم الشركة البريطانية للصناعات الدفاعية والطيران(BAE Systems) وهي المنافس الأوروبي الأقوى للولايات المتحدة بما يزيد عن 29 ملياراً، ثم جنرال داينامكس (General Dynamics) بـ 24 ملياراً تقريباً فـ(رايثيون Raytheon ) بـ 22.5 مليار دولار.
فعالية السلاح في تجريبه!
يعرف العالم تجارة الأسلحة من خلال مبدأين أساسيين: أولهما أن السلاح خلق ليستعمل؛ فكلما زادت الحروب زاد الربح وراجت الصناعة، وكلما قلت الحروب والصراعات كان ذلك في غاية الضرر بالصناعات الدفاعية وصناعة السلاح عموماً. لذلك وبغض النظر عن صفقات الجيوش النظامية فإن العالم لا بد وأن يحتوي على بؤر معينة مشتعلة باستمرار ولا تنطفئ أو تهدأ لضمان استمرار الأرباح المليارية.
أما المبدأ الثاني فهو: تجريب السلاح؛ هناك أسلحة تصنع ولا بد من تجربتها في مكان ما لضمان فاعليتها ولضمان استمرار مشروع تصنيعه وبالتالي تسويقه على نطاق واسع، وفي هذا الشأن لا يوجد أفضل من قصتين، أولاهما في مجال الأسلحة غير التقليدية؛ عندما أرادت الولايات المتحدة تجربة قنبلتيها الذريتين بنوعيهما ألقت واحدة على هيروشيما وأخرى على ناجازاكي، والأولى هي Little Boy ذات نظير اليورانيوم (يو 235) والثانية Fat Man وهي من البلوتونيوم 239. كانت الإبادة جماعية تسببت في وفاة مباشرة لربع مليون ياباني لتجربة السلاح لا أكثر، لأن الحرب العالمية حينها كانت انتهت إكلينيكياً بانتصار الحلفاء!
أما القصة الثانية فهي قصة الأسلحة الإسرائيلية التي تسببت في تمزيق أفريقيا، وخصوصاً رواندا التي شهدت إحدى أكبر عمليات الإبادة في التاريخ أثناء الاقتتال الأهلي هناك.
أرقام ووقائع:
إجمالي ما أنفقته الولايات المتحدة على مدار أكثر من عشر سنوات على غزو العراق فقط وما تبعه يوازي 4.4 تريليون دولار، وهو الرقم الذي أعلن أوباما أنه تريليون دولار وقدره معهد واطسون للدراسات الدولية بجامعة براون بأربعة أضعاف هذا الرقم، في 2012 فقط. بلغ ما ضخت الحكومة الأمريكية لتمويل العمليات الجارية في العراق وأفغانستان 1.38 تريليون دولار، نصف هذه التكاليف على الأقل كانت أرباحاً ونفقات صناعات دفاعية وأسلحة، وهي أرقام كفيلة بالقضاء التام على الفقر في العالم لأنه – بحسب تقديرات جولدمان ساكس – فإن الفقر يمكن أن ينتهي من العالم بإنفاق 175 مليار دولار سنوياً لمدة عشرين عاماً قادمة، وهو رقم يوازي الميزانيات الدفاعية للخمس دول الكبرى في العالم لثلاث سنوات قادمة فقط. إجمالي إنفاق الشرق الأوسط على الأسلحة والصفقات العسكرية بكافة أنواعها اقترب من الـ 91 مليار دولار، وهو رقم مرشح للزيادة في 2015 ليصل إلى 118.2 مليار دولار بحسب تقرير للـCNBC.
عندما ظهر تنظيم "الدولة الإسلامية" على الساحة قررت الولايات المتحدة تشكيل تحالف دولي لمحاربته، كان هذا إيذاناً بفترة رفاهية وأرباح رائعة لشركات الأسلحة الأمريكية. مثلاً، وفي الفترة من يوليو / تموز إلى أغسطس / آب من العام الماضي ارتفعت أسهم لوكهيد مارتن بنسبة 9.3%، وارتفعت أسهم جنرال داينامكس بنسبة 4.3%، أما رايثيون ونورثروب فبنسبة 3.8%..
ومع قرار الولايات المتحدة بتوسيع ضربات التحالف في سورية فازت رايثيون بعقد قيمته 251 مليون دولار لتوريد أكثر من مائة وخمسين صاروخاً للبحرية الأمريكية، في 23 سبتمبر/ أيلول أطلقت البحرية سبعة وأربعين صاروخاً على مواقع مستهدفة للتنظيم، تكلفة الصاروخ التوماهوك الواحد (1.4) مليون دولار، أي أن بحرية الولايات المتحدة أنفقت في ليلة واحدة في مكان واحد محدود ما يقارب الـ 66 مليون دولار على طراز واحد من نوع واحد من الأسلحة!
شبكة "ماتريكس" حقيقية في عالم صناعة الأسلحة:
المجمع الصناعي العسكري (military – industrial complex) يضم القوات المسلحة الأمريكية، المشرعين القانونيين (مجالس النواب)، ومتعاقدي الدفاع (شركات الأسلحة/ السماسرة/ رجال أعمال ومستثمرين.
ثم أضاف أن هذا المجمع يضم سياسيين مرتشين فسدة وسماسرة عسكريين جشعين ومسؤولين حكوميين يفتقدون للكفاءة، ينفق قرابة الـ 20 مليون دولار في الساعة الواحدة عسكرياً على الحروب الخارجية بما يقارب الخمسة عشر مليار دولار شهريًا، هذا الرقم لا يشمل أي تكاليف تشغيل ودعم لوجستي لأي من القواعد العسكرية خارج الولايات المتحدة التي تنتشر في دول العالم ويزيد عددها عن الألف قاعدة، والبنتاجون نفسه ينفق ما يزيد على ما تنفقه الخمسون ولاية أمريكية مجتمعة على بنود (الصحة/ التعليم/ الأمن/ الرفاهية)!
المجمع له أيادٍ بيضاء في كل العالم، فمثلًا أنفقت الولايات المتحدة ما يقارب الـ 4 مليون دولار يومياً على خدمة الاقتتال الأهلي في ليبيا، وتريليون ونصف التريليون على غزو العراق وأفغانستان، وفعلياً أربعة تريليونات ونصف.
لا يقتصر الأمر على مجمع الولايات المتحدة؛ فروسيا لا تبخل بصناعاتها العسكرية في تأجيج الصراع في منطقة الشرق الأوسط بصفته أحد أهم أماكن ربحية بتجارة الحروب، واستثمارها في نظام بشار الأسد ومدها له بالأسلحة على مدار الأربع سنوات.