بسم الله الرحمن الرحيم
((يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (﴾. [سورة الانفطار].
في هذه الآيات الكريمة يذكِّر المولى عز وجل عقل الإنسان ووجدانه بنعمة الله الأولى عليه ؛ نعمة خلقه في هذه الصورة السوية ويلمس قلبه لمسة فيه عتاب على غفلته وتقصيره: ( يا أيها الإنسان ) ينادي في الإنسان أكرم ما في كيانه ، وهو "إنسانيته" التي بها تميز عن سائر الأحياء .. ثم يعقبه ذلك العتاب الجميل الجليل : ( ما غرك بربك الكريم ؟ ).. يا أيها الإنسان ما الذي غرك بربك ، فجعلك تقصر في حقه ، وتتهاون في أمره ويسوء أدبك في جانبه ؟ وهو ربك الكريم ، الذي أغدق عليك من كرمه وفضله وبره.
ويستوقفني هنا هبة الله تعالى الصورة للانسان ولمخلوقات..فتخيل معي ان البشر كلهم نسخة واحدة رجالا ونساءا..فكيف تميز الذكر من الانثى!!وهب ان الرجال كلهم كانوا على صورة واحدة فكيف سنميز بعضنا بعضا وكيف ستعرف زميلك من مديرك وعاملك او موظفك من غيره من البشر!!وكيف سنميز ازواجنا عن بناتنا او اخواتنا او امهاتنا او ازواج وبنات الجيران..وكيف ستميز الزوجة زوجها من ابنها او اخيها واخيه..!!
ان نعمة الصورة للخلق نعمة عظمى من خالق عظيم سمى نفسه المصور..اي الذي وهب كل مخلوق صورته المميزة له عن غيره كفرد من جنسه في ذلك الجنس..فراعي الاغنام يميز غنمه وصورة كل واحدة عن الاخرى ويفتقدها بملامحها الدقيقة المميزة لها عن الالف شاة الاخرى وصاحب الشجر يميز اشجاره وان تعددت من نفس الصنف ونفس النوع..فالصورة ضرورية لحركة الحياة فلو كان الخلق على نسخة واحدة لتجمدت الحياة ووقف الاداء فيها لعدم التمييز فينعدم التكليف وبالتالي المحاسبة والجزاء والمكافئة..
صور الصورة اطارا عاما لخلق الاجناس والانواع فاعطاها بالصورة الهيكل اللائق لاداء مهامها ووظائفها (( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) 45النور))ثم ميز افراد تلك الاجناس بصور فردية بحيث يرى المدقق والمميز الفروق في كل فرد من افراد الجنس المميزة له عن غيره وكانها هوية شخصية للذات تميزها وتعرف بها فسبحان الله العظيم وتبارك ربي احسن الخالقين ( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) الحشر.. فتامل عظمة مولاك وعظمة قدرته وسبح باسم ربك العظيم...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته