السؤال :
ما معنى الاية التالية: (إِنِ الْحُكْمُ إِلّا لِلّه) ؟
الجواب وبالله المستعان:-
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:-
اخي السائل الكريم هذا النص الكريم الذي اوردته هو جملة من اية كريمة من سورة يوسف رقمها اربعون..والايةكاملة (( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يوسف).
الناظر في في هذا الوجود يجد ان هناك امرين يتعلقان بالحكم ..حكم متعلق بالخلق والتكوين وهو ما اودعه الله من سنن ونواميس في الكون والحياة والمخلوقات لا تملك ان تشذ عنها قيد انملة وهي ما يتعلق بوجودها واستمراره بها اوانعدامها وموت احيائها وفناء جمادها فالموجودات جميعا محكومة لنظام الخلق والايجاد والتكوين..وقسم متعلق بالتشريع والاحكام للانسان اشرف و اكرم الخلق على الله تعالى ان لم يسفل وينحط بنفسه عن مقام التكريم بمخالفته حكم ربه وشرعه سبحانه.ان كلمة الحكم ومادتها تأتي في القرآن على عدة معان منها : الفقه والحكمة والفصل والقضاء والموعظة والفهم والعلم النبوة وحسن التأويل وكذلك بمعنى التكليف الشرعي او الحكم الشرعي الذي نعرفه بانه خطاب الله تعالى المتعلق بافعال العباد.كقول الله تعالى : { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِين َ } [المائدة : 43] اي فيها اوامره ونواهيه وشرعه وكقوله تعالى : { ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }[الممتحنة: 10] .. بمعنى أمره وشريعته .ومن هذا القبيل كان استدلال يوسف – عليه السلام – بالحكم لإثبات الأمر في قوله : { إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاه } [يوسف : 40] .. بمعنى ، إن الأمر لله وحده ، وهو من يلزمكم بطاعته في أوامره ، لا طاعة غيره من الطواغيت .. وهذه الآية نظير قوله تعالى : { أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف : 54].إنّ معنى (إن الحكم إلاّ لله) واضح، أي إنّ كل أمر في عالم الخلق والتكوين وفي عالم الأحكام والتشريع بيد الله، وبناء على ذلك إذا كان لرسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يقوم بمهمّة فذلك أيضاً بأمر من الله.
فإذا أحيا المسيح (عليه السلام) ميتاً ـ مثلا ـ فهو بإذن الله، وكذلك كل منصب ـ بما في ذلك القيادة العامة فما دونها والتحكيم والقضاء ـ إذا أوكل إلى أحد، فإنّما هو واجب نصبه بأمر الله تعالى وعلى وبما شرع.
ولكنّ الذي يؤسف له أنّ هذه الآية الواضحة استغلت على مدى التّاريخ، فمرّة تمسك بها الخوارج في قضية «التحكيم» التي أرادوها هم وأمثالهم في حرب «صفين» فكانت «كلمة حق اُريد بها باطل» كما قال الإمام علي(رضي الله عنه وارضاه)، حتى أصبح شعارهم (لا حكم إلاّ لله).
لقد كانوا من الجهل والبلاهة إنّهم حسبوا أنّ من حكم بأمر الله والإسلام في أمر من الاُمور يكون قد خالف (إن الحكم إلاّ لله) بينما كانوا يقرأون القرآن كثيراً، ولكن لا يفهمونه ويفقهونه إلاّ قليلا، فالقرآن نفسه في موضوع الإحتكام الاسري بين الزوجين يصرّح بإختيار حكم من جانب الزوجة وحكم من جانب الزوج: (فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها)النساء 35.
و يقول الفخر الرازي في تفسيره ان البعض اعتبرها ـ دليلا على الجبرية، قائلين إنّنا إذا قبلنا بأنّ الأوامر في عالم الخلق بيد الله، فلا يبقى لأحد مجال للاختيار.
ولكنّنا نعلم أنّ حرية إرادة عباد الله وحرية اختيارهم هي أيضاً، بأمر من الله الذي شاء أن يكونوا أحراراً في اختيار ما يعملون من خير امرهم به ورغبهم فيه او شر نهاهم عنه ، لكي يتحمّلوا هم مسؤولية أعمالهم والتكاليف الملقاة على عواتقهم . ارجوا ان اكون وضحت ما استطعت جعلنا الله واياكم ممن يتدبرون القران فيتلوه في احكامه محلين حلاله ومحرمين حرامه ولطكم السلام ورحمة الله وبركاته.