قانون نفي النفي
يعتبر قانون نفي النفي من قوانين الديالكتيك التي صاغها هيغل أيضا واقتبسها ماركس عنه.
الماركسية ادعت ان ماركس اوقف قوانين الديالكتيك على قدميها من منطلق ان هيغل صاغه في اطار مثالي (غير مادي) وطبقه على تطور الفكر (المعرفة) فقط. وان الماركسية ، حسب ما ادعته، كشفت مضمون هذا القانون في المقام الأول من خلال مفهوم النفي الديالكتيكي الملازم لتطور الطبيعة والمجتمع والفكر.
لن ندخل في معمعة التفسيرات وتناقضاتها لان القصد من السرد هنا اعطاء فكرة وليس اعادة المصادر الى تاريخها اذ ان الفلسفة الانساية منذ الفلسفة الإغريقية شهدت ايضا فكرا يمكن ان نرى به بدايات للمفاهيم الديالكتيكية .
احد المفكرين العرب نوه في حوار سابق معي الى موضوع هام وهو خطأ اطلاق صفة علم science)) على قوانين الديالكتيك ، وان التسمية الصحيحة حسب المصادر الأوروبية هو اسلوب تفكير، مسار ( Process)لحل او دمج المتناقضات . وان هناك خطأ شائع بالقول ان هيغل هو مكتشف الديالكتيك ، فقد سبقة الفيلسوف الكبير كانط وفلاسفة آخرين.
كانط والديالكتيك
في مقال فاتني اسم كاتبة جاء انه في العصور الحديثة كان للديالكتيك دوراً حيوياً في تقاليد الفلسفة الالمانية التي ابتدأت مع كانط. يعرّف كانط الديالكتيك بطريقة مرتبطة بإحكام بتعريف الفيلسوف الأغريقي ارسطو، الذي كان يرى ان الديالكتيك يستلزم الخداع والوهم في المعرفة بطريقة مشابهة للسفسطة. بمعنى اخر ديالكتيك كانط لم يوفر اي قواعد لإيجاد احكام مقنعة، انما فقط يعلّمنا كيف نكتشف الاحكام التي تحمل مظهرا للحقيقة لكنه في الحقيقة مظهر خادع. ديالكتيك كانط يمكن اعتباره وسيط للابستميلوجيا / أي نظرية المعرفة (Epistemology) وهي فرع من فروع الفلسفة تهتم بطبيعة ومجال المعرفة . لكن فضل هيجل الكبير هو تأسيس المنطق الديالكتيكي على انقاض المنطق التقليدي الصوري وعلى انقاض منطق كانط. وماركس، حسب المصادر الماركسية.. تجاوز هيجل بالمفهوم المادي للديالكتيك والذي في مركزه الإنسان..رغم ان لينين قال ان "هيغل في ديالكتيكه كان ماديا اكثر منه مثاليا".
امل اني اعطيت فكرة مبسطة عن الشكل الذي تطور فيه مفهوم الديالكتيك، وصولا الى ما بات يعرف بالديالكتيك الماركسي ، الذي هو زبدة المسيرة الفكرية للإنسانية واهمية ماركس ، ربط الديالكتيك بالطبيعة والعلوم والمجتمع البشري. من المواقف التي طرحها الديالكتيك الماركسي انه "ليس وعي الانسان هو الذي يقرر وجوده، بل بالعكس، وجود الناس الاجتماعي هو الذي يقرر وعيهم".
يعتبر قانون نفي النفي (الى جانب القانونين السابقين: صراع ووحدة الأضداد، وتحول الكم الى كيف) قانونا اساسيا من قوانين الديالكتيك. وهو قانون صاغه هيغل واتخذه نهجا لبناء منظومته الفلسفية كلها.من رؤيته ان التطور الموضوعي بمجمله ينطوي يقع تحت سيادة هذا القانون.
يمكن القول ان اضافة ماركس تميزت برؤية هذا القانون ملازمة لتطور المجتمع البشري والطبيعة والفكر.
خلاصة نفي النفي الديالكتيكية ان لا شيء يبقى على ثابته في الكون وفي الحياة او الفكر، التطور متواصل بلا توقف، تبقى المادة فقط حيث لان المادة لا تفنى ولا تستحدث. الصراع والتفاعل يؤدي الى النفي، تسر الماركسية دور هذا القانون في التطور التاريخي للمجتمع البشري ، مع تطور المجتمع ساد ما يعرف بمجتمع المشاعية البدائية التطور نقل المجامع الى مرحلة أعلى المجتمع العبودي نافيا المجتمع المشاعي، العبوديه،ثم كانت نقله نوعية اخرى ارقى نحو المجتمع الاقطاعي بنفي المجتمع العبودي. ثم جاءت الثورة البرجوازية لتنفي المجتمع الاقطاعي، حسب المفاهيم الماركسية الصارع يتواصل بين الطبفة البرجوازية وطبيقة العمال التي ستنفي البرجوازية وتبني مجتمعها الشيوعي ( المشاعي الراقي). طبعا التطور ليس بهذه الحدة القاتلة، حتى اليوم ما زلت انطمة اقطاعية وشبه اقطاعية تسود بعض المجتمعات البشرية وحتى العبودية لم تتلاشى تماما من عالمنا. انما تنوعت واختلفت أشكالها.
افضل نموذج قد يشرح بوضوح فكرة هذا القانون ، موضوع "حبة الشعير" (كما شرحها "فريدريك انجلز" زميل كارل ماركس) تزرع حبة الشعير فتتحول الى نبتة، النبته تنفي حبة الشعير، لكن النبتة تنتج مئات من حبات الشعير التي تنفي النبتة. النبتة نفت الحبة والحبوب قامت بنفي النبتة التي نفت الحبة.
يوضِّح هيجل أمراً في منتهى الأهمية حول هذا النوذج وهو "تساوي الأطوار الثلاثة جميعاً لجهة أهميتها وضرورتها"، فلو لم يُوْجَد طور "الزهرة"، لَمَا ظهرت "الثمرة" إلى الوجود، ومن الخطأ النظر إلى "الثمرة"، على أنَّها "الحقيقة"، وكأنَّ طور "الزهرة" عديم الأهمية أو قليلها.
طبعا النموذج هنا مبسط جدا، امل انه يفتح المجال لفهم طريقة عمله في المجتمع والفكر والحياة.
وملاحظة لا بد منها، القانون لا يبرز لوحده بل بتفاعل مع القانونين السابقين.
ان وحدة صراع الأضداد هو القاعدة لوجود حبة الشعير وسبب بقائها ، وتحول الكم الى كيف بارز أيضا بنفي حبة الشعير وجني مئات الحبات مكانها.
الطب يفسر مثلا كيف تموت وتتجدد الخلايا في جسم الانسان ، العمليتان تسيران معا في وحده واحده موت خلايا وانتاج خلايا جديدة ، بدونهما لا يبقى الانسان انسانا .
النفي ليس تدميرا للظاهرة انما فتح آفاق امام تطورها الى الأمام، لذلك النفي هو جانب من التطور يحافظ على المضمون الايجابي من المراحل التي سبقته.. وهذا يبرز في التوارث والتواصل في الحياة ، في المجتمع ، في التاريخ والفكر والثقافة الانسانية.. أي في المجالين المادي والروحي.
مثلا تتطور العلوم عبر ظاهرة النفي لما هو سابق والوصول الى حقائق جديدة وقد يكون نفي السابق أكثر من مرة... لا تحديد هنا للنفي كعملية لا تتكرر في الموضوع ذاته.
امل اني اعطيت رؤية مبسطة للموضوع رغم انه ليس من السهل تبسيطه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع