المضمون والشكل
لا يوجد المضمون والشكل بمعزل للواحد عن الآخر، بينهما ترابط عضوي ويؤلفان وحدة متماسكة لا يمكن الفصل بينهما. اذن يمكن القول ان هناك ترابطا ديالكتيكيا بينهما.
فلسفات عديدة تميز بين المضمون والشكل من منطلق يقول ان المضمون والشكل يعبر كل منهما عن جانب مختلف عن الآخر ويلعبان دورين مختلفين في تطورهما. الفلسفة المادية (خاصة الماركسية) نقضت هذا المنهج بسبب ميتافيزيائيته (بعده عن الواقع الطبيعي للتطور) وقالت ان المضمون والشكل بينهما ترابط عضوي ووحدة لا تنفصم، يلعب فيها المضمون الدور الحاسم، وللشكل استقلاليته النسبية التي قد تؤثر على تطور المضمون في مراحل تطور متقدمة فقط.
هذا يطرح تساؤل عن مبنى الواقع ، ما هي الصفات المحددة التي تجعل الشيء لما هو عليه؟ بعض الفلاسفة الاغريقيين ميزوا بين صفات جوهرية وبين صفات طارئة. الصفات الجوهرية هي التي لا يكون الشيء بدونها لما هو عليه. اما الصفات الطارئة فهي تحدد شكل (صورة) الشيء وليس مضمونه.
مثلا تقييم زعيم دولة لا يتم على اساس شكله ، مع ان للشكل تأثيره النسبي في قبول الجمهور له والتأثر حتى بفكره، انما التقييم الحاسم يجري بناء على فكره وما يقوم به من أعمال ملموسة.
خذوا طبيبا مشهورا، المئات لا يثقون الا به، شكله أيضا يوحي بالثقة، والشكل يتاثر نسبيا بناء على تطور المضمون وينعكس على شكل تصرفاته وتعامله، وهذا الموضوع يعالجه علم السلوك، هناك اخلاقيات تكتسب من العائلة، الحي، المدرسة الوسط الاجتماعي، وهناك أخلاقيات تكتسب من التربية، الثقافة والتطور الذاتي. لكن المضمون، العملي او المهني او الفكري ، هو الجوهري. لنفترض اننا اجرينا عملية استئصال للعقل، يبقى الشكل كما هو، لكن مضمون الإنسان يختلف.
اذن شخصيه الفرد هي شيء له نوع من الخصوصية التي لا يمكن مقارنتها بأي إنسان أخر مما يجعل من كل إنسان شخص مميز بتكوينه وبصفاته.لكن الشكل لا يقرر تكوينه وصفاته إلا بشكل نسبي وغير جوهري.
قس على ذلك مواضيع اكثر تعقيدا تتعلق بتطور المجتمع البشري ، حيث نلمس العلاقة المتناقضة (الديالكتيكية) بين المضمون والشكل . مثلا القوى المنتجة (المضمون) وعلاقات الانتاج (الشكل) هنا نلمس التناقض والصراع الديالكتيكي الذي يشكل قاعدة تطور المجتمع والانتقال من أسلوب إنتاج ، مثلا من إقطاعي الي رأسمالي او من رأسمالي إلى اشتراكي . ..
تنتشر اليوم ظاهرة بين الفنانات باجراء عمليات تجميل. هل تغير عملية التجميل من موهبة الفنانة ، من صوتها مثلا؟ الجواب بديهي التغيير يجري في شكلها فقط، لكن مضمونها، موهبتها، صوتها، تفكيرها وسلوكها يبقى كما هو. ربما يؤثر شكلها على زيادة جاذبيتها وارتفاع أجرها وعروض فنية اضافية ..لكنها تغييرات لا علاقة لها بمضمونها وبصوتها.
لجعل الموضع اكثر امتاعا ، ها هي قصة تعبر عن التغيير في الشكل، وهل يترك أثره على المضمون؟
***********
يتبع