الحرية بمفهومها العام ضد العبودية والرق، والتحرر هو التخلص من الاستعباد والذل والاسترقاق، وحرر الشيء خلصه من القيود واطلقه وفكه مما يقيد حركته...
والحر هو عكس العبد المملوك وكذا الحرة ضد الامة العبدة المملوكة...
وحر التصرف والسلوك هو الذي يتصرف دون ضوابط وقيود تضبط سلوكه و تقيد تصرفاته، فيكون طليقا لا قيد عليه ولا ضابط يضبط سلوكه وتصرفاته..وهذا المعنى يكذبه الواقع منذ نشاة الخليقة واجتماع الانسان كجنس مع بعضه البعض، لان من ضرورات الاجتماع توجيه السلوك وتقييد التصرف وتوجيهه، وفي حال ترك الناس احرارا منفلتين من كل قيد ينهار الاجتماع وتنهار كياناته وبنيانه ، والانسان لا يستطيع العيش الا بجنسه، ولو ترك الناس طلقاء منفلتين لكانت الفوضى والتعدي، و انتشر الظلم والجريمة، وانعدم الامن والامان.ومن هنا نرى ان القائلين بحرية الانسان وضعوا مضطرين قواعد مقيدة لحريته ، وقيودا تقيد ارادته وافعاله وتصرفاته ليتم ضبط سلوكه، فقالوا تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الاخرين... وقالوا انت حر ما لم تضر...ونسوا ان هذه حدود وقيود على حرية الناس بحد ذاتها، يتطلبها واقع الحياة وطبيعة العيش والاجتماع الذي لا تحياه وحدك، فانت في هذه الدنيا لا تحيا فردا ولا وحيدا، ولا يكون لك عيش الا ضمن مجموعة جنسك من البشر، فاذا تصرف كل على هواه لم تنتظم الحياة ولم تستقر، ويبقى الانسان متخوفا من حرية افعال الاخرين وخطرها عليه او على ما يعنيه ويهمه امره، فلذلك وضعت القوانين والشرائع لتنظم سلوك الانسان وتقيده وفق قواعد عامة وقيم ومنظومة مفاهيم يتوافق عليها عقلاء الناس... وارقاها ما كان وحيا من رب الناس الخبير اللطيف بمن خلق..
فيقيدوا سلوكهم وبالتالي اراداتهم ورغباتهم وفقها . فالناس اذا ليسوا احرارا في سلوكهم وتصرفاتهم كما يدعي البعض، ولن يكونوا كذلك لان الحرية بحرفية معناها انما هي انفلات وفوضى وانطلاق عن كل قيد.
والحقيقة المطلقة في هذا الجانب ان الانسان عبد وليس حر ... و قد تعجب من قولي هذا .. لكن هذه هي الحقيقة طالما انك تعيش في مجتمعات بشرية في هذا الكون..
ان قرار الانسان رهين لعدة امور حين يتخذه، اولها دوافعه الاشباعية من دوافع حاجات عضوية كحاجته للماء والغذاء والدواء والكساء الموسمي والمأوى...ودوافع غريزية كحاجته للزواج والولد وتملك ادوات الانتاج وعناصره وحاجته للتقديس والتعبد الذي يريح نفسه ويسعدها ..
ثم ان قرار الاشباع يتعلق بالواقع، هل يحتوي المشبعات ام لا..ويتعلق بالاخرين من نفس الجنس، وخاصة البيئة والمحيط هل يتركونك تصل بسهولة ويسر او بصعوبة ومعاناة لاتحصيل ما يشبع جوعتك، او لا يسمحون لك بذلك؟ وكما قلنا فانت لاتعيش فيها فردا، بل الناس جميعا يشتركون في الحياة على هذا الكوكب، وكل له نظرته و وجهته التي هو موليها..والعبد هو من يسير وفق ارادة مسير له، يسيره كما يشاء وهو ينفذ ارادة المسير الامر الذي لا يستطيع معصية امره..فمن هنا نجد من عبد النفس والهوى وعاش متبعا للشهوات، ونجد من عبد من استقوى عليه وتسلط بجبروته على الاخرين، فعاش مسيرا بارادتهم خادما محققا لشهواتهم ورغباتهم..
ونجد من عبد من استحوذ عليه فملكه بعد ان جرده من انسانيته وقيمها، فقبل لنفسه ان يباع ويشترى من الاسياد تجار اسواق النخاسة، فانعدمت حريته ولم يعد مالكا لنفسه، فاصبح مملوك العين والرقبة للسيد.... وهذه كانت صورة الرق القديم والتي طورها الاستعمار اليوم ليسترق شعوبا وامما باكملها وكامل ثرواتها ، وخيرات بلادها فاصبحت العبودية تشمل قطعان من الشعوب والامم، تملكها الدولة الكبرى الفلانية او العظمى الفلانية صاحبة النفوذ والامر والقرار السياسي في بلادهم. لان عقلية الرجل الغربي لم تتحرر لليوم من عقلية نظام الاقطاع القديم وقوانين السخرة والتسخير لخدمة الناس لمصالحهم، وينظرون للاخرين نظرتهم القديمة لعبيد الارض والاقنان.
الحرية بمعنى الانعتاق والانفلات من كل قيد لا ولن يكون لها وجود في الواقع لانها هي بهذا المفهوم من يعطي الحق لمن استطاع ان يملكها باستعباد الاخرين من بني جنسه، ولا تحمى الا بشريعة الغاب التي قاعدتها البقاء والسيادة للاقوى.
وبهذا الفهم ينهدم الركن الاساس الذي قامت عليه فكرة المبدأ الديمقراطي الرأسمالية التي نادت بها، وهي اطلاق الحريات الفكرية والشخصية والملكية واالاعتقادية، وجعلتها افكارا مقدسة لاتمس حسب زعمهم وايهامهم للاخرين ويسعى لتحقيقها بتبريق شعاراتها المتناقضة مع الواقع والمكذب لها، و بهذا التدقيق في الفهم والبحث نكشف عوارها وزيفها ويؤتى على بنيانهم الذي اسس على جرف هار من اساسه وقواعده.
اما في اسلامنا وديننا الحق الذي لم يقبل الله للانسانية غيره وارتضاه وحده فقط للبشرية كافة ولن يقبل من الناس غيره، فان الحرية عندنا تعني ضد العبودية و الاسترقاق ..اي تحرر الانسان من كل ما يوهم انه مسترق مملوك القرار والارادة لغيره من جنسه او ممن هو دونه. فلا تحكم ارادته ولا ترهن مشيئته الا بمشيئة خالقه ولا قيد على تصرفاته ورغباته الا لربه الذي خلقه واليه معاده ونشوره.. فلذلك لا يملك احد على وجه الارض سلطان على الانسان وتصرفاته الا ربه جل وعلا ..لذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلمته المشهورة لعمرو بن العاص وابنه يوم كان واليه على مصر : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا. وهو بذلك رضي الله عنه يوضح لنا مفهوم الحديث الشريف حيث روى البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ)،ولم يقل يسلمانه لان الاسلام هو الفطرة والفطرة هنا ان كل مولود يولد حرا منعتقا من التبعية والعبودية والانقياد لغيرالله تعالى وهذا هو حقيقة التحرر والانعتاق. اي ان تتحرر وتنعتق من كل تبعية وعبودية وانقياد واستسلام لغير الله تعالى .ومن هنا نفهم ايضا قوله تعالى في حق اهل الكتاب وضلالهم : (وقالت اليهود عزيرا بن الله .وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بافواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله انى يؤفكون 30 اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما امروا الا ليعبدوا الها واحدا لا اله الا هو سبحانه عما يشركون).(31التوبة).. فبذلك ارتضوا ان يحولوا انفسهم الى عبيد لمن اتخذوهم اسيادا لهم من البشر.
ومن هنا نقول الحر من كان عبدا لله وحده مخلصا له الدين، والعبد الذليل من اشرك به غيره، او عبد غيره، وطالما ان الانسان لا تستقيم حياته الا بحدود وضوابط تضبط عيشه وسلوكه وممارساته فليس له اهدى ولا اكرم ولا اعز من شرع الله وهداه، وهذا ما استعبدنا الله تعالى به، فعبوديتنا لله تعالى تقتضي ان نتحرر من عبودية غيره، لنؤهل لمهمة الاستخلاف حيث استخلفنا سبحانه في الارض لنعمرها بنوره وهداه.
اللهم اجعلنا من عبادك المخلصين الطائعين المتقين المتحررين من عبودية غيرك يارب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2020-05-18, 2:24 am عدل 1 مرات