الدور البريطاني بإقامة جامعة الدول العربية
بقلم: عوني فرسخ
لقد اعتادت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين اولبرايت على مطالبة العرب بتجاوز ماضي الصراع الصهيوني – العربي ، متجاهلة ما إعتاده الأمريكان من قياس الحاضر على الماضي . وفي أول لقاء بين هيرشفيلد ممثل اسرائيل وبين أحمد قريع في أوسلو طالبه بعدم الوقوف عند "عقد التاريخ" ، متجاهلا أنه يمثل كيانا عنصريا أُسس على أساطير توراتية تعود لأكثر من ألف سنة قبل الميلاد . ويغلب لدى الباحثين في "إتفاق أوسلو" القول بأن المفاوض الفلسطيني بقبوله الطلب الاسرائيلي خسر قضية شعبه ، وذلك لأن التاريخ مستودع تجارب الشعوب والأمم عميقة الـتأثير في حاضرها ومستقبلها . ويبدو لي أن في مقدمة أسباب واقعنا المأزوم تجاهل النخب السياسية تجارب الأمس ، الإيجابية والسلبية على السواء . ما يستدعي تقديم قراءة تاريخية لأبرز صفحات التاريخ العربي الحديث ، خاصة وغالبية المواطنين العرب المعاصرين لم يعيشوها
وفي البدء نذكر بالدور البريطاني في إقامة جامعة الدول العربية ، إذ في مايو / آيار 1941 أعلن وزير الخارجية انتوني إيدين أن الحكومة البريطانية تعطف على إستقلال سوريا وتؤيد مبدأ الوحدة العربية . وفي 24/2/1943 قال في مجلس العموم إن حكومته تؤيد إنشاء حلف عربي ، وأن الخطوة الأولى يجب ان تأتي من العرب أنفسهم . وفي الشهر التالي دعا مصطفى النحاس ، في مجلس الشيوخ المصري لعقد مؤتمر عربي في مصر "لإكمال بحث الموضوع واتخاذ ما نراه مناسبا" .
وعندما تقرر عقد مؤتمر الاسكندرية كلف الرئيس شكري القوتلي أحمد الشقيري ليكون قريبا من المباحثات ويبعث له بتقاريره عما يجري . وقد أتيح للشقيري ، بإعتباره موفد الرئيس السوري التزود بالمعلومات الوافية من عضو الوفد المصري د. محمد صلاح الدين . ما امكنه من تقديم تقارير وافية .
وكان نوري السعيد قد أكد في مباحثاته مع النحاس على استبعاد مشروع إقامة حكومة مركزية عربية وذلك ما لقي تأييد النحاس . بينما قال رئيس وزراء سورية سعد الله الجابري : "إن سورية تؤثر الحكومة المركزية ، فإن تعذر ذلك فإننا نرضى أي إتحاد أو إتفاق أو حلف " . فيما لم يضم وفد لبنان أي وزير ، وكان يحمل مذكرة تؤكد فيها الحكومة اللبنانية حرصها على استقلال لبنان وضمان سيادته . وذلك ما أكد عليه الوفد اللبناني في محادثاته مع النحاس . فيما ورد في محضر اجتماع ممثل إمام اليمن القول : "إن اليمن ترحب بفكرة التعاون الثقافي والاقتصادي بين الدول العربية ، بشرط أن تحتفظ كل دولة بسيادتها وحقوقها " . وعاد الشقيري الى دمشق يحمل للقوتلي تقريرا من عشرين صفحة ختمه بقوله : "وهكذا ترون فخامتكم ان مشاورات الوحدة العربية قد تناولت كل شيء إلا الوحدة العربية " .
وفي 7 نوفمبر /تشرين اول 1944 وقع مندوبو : مصر وسورية والعراق والسعودية والاردن ولبنان بروتوكول الاسكندرية . وقد اتسم بوضوح الموقف تجاه الصراع العربي – الصهيوني بالنص على أن "فلسطين جزء مهم من البلدان العربية ، ولا يمكن ان يلحق بحقوق العرب في فلسطين أي اعتداء بدون أن يعًرض سلام العالم العربي واستقراره للخطر . وتشكل التعهدات التي التزمت بها بريطانيا العظمى بوقف الهجرة اليهودية ، وصون الاراضي العائدة للعرب ، والسير بفلسطين نحو الاستقلال حقوقا مكتسبة ... وإن المشكلة اليهودية يجب عدم خلطها بالمسألة الصهيونية ، لأنه لن يكون هناك ظلم أكبر من تسوية مشكلة يهود أوروبا بظلم جديد لعرب فلسطين , وتؤيد اللجنة بالتالي تعهد بريطانيا العظمى بوضع حد للهجرة اليهودية – "د. بشارة خضر : أوروبا وفلسطين ، من الحروب الصليبية الى اليوم ص 216 و 217 .
وكان النحاس قد طلب من بريطانيا إطلاق سراح جمال الحسيني أو رفيق التميمي من المنفى في روديسيا ليشارك كممثل لفلسطين فلم يُستجب لطلبه . وحين جاءه موسى العلمي يحمل تفويضا من قادة أحزاب فلسطين طلب اليه الذهاب للسفارة البريطانية لأخذ موافقة الجنرال كلايتون ممثل المخابرات البريطانية في المنطقة . وقد عاد إليه يحمل قصاصة بخط كلايتون تنص : "لا مانع من ان يمثل السيد العلمي فلسطين بشرط أن يكون مراقبا ليس له حق التصويت " – جميل عارف : الوثائق السرية لدور مصر وسوريا والسعودية.
واحتدم النقاش في مباحثات القاهرة حول مشاركة العلمي ، إذ عارض مشاركته هنري فرعون وزير خارجية لبنان بحجة أن فلسطين غير مستقلة ، وتحسبا من دعوة ممثلي الجزائر ومراكش مستقبلا . وبعد جدل سمح للعلمي الحضور بلا صفة ولا عنوان . ويلاحظ الشقيري إن القرار صدر بعد أن أكدت بقية الوفود لوزير خارجية لبنان بأن هذا الاستثناء لا ينطبق على الجزائر ومراكش . وهكذا تم الاطمئنان على المخاوف الفرنسية والمصالح الفرنسية .
وعندما أشار فارس الخوري ، رئيس وزراء سورية الجديد ، إلى أن مشروع الميثاق لم يتحدث عن تنسيق التشريع وتوحيده بين البلاد العربية ، عارضه حافظ رمضان ، ومكرم عبيد وعبدالحميد بدوي ، ومحمد حسين هيكل من مصر ، وراشد العمري من العراق ، ولم تثن مداخلاتهم فارس الخوري عن تساؤله ، ولماذا لا نسعى لنتحد في التشريع ؟ وحيث لم يلق تساؤله جوابا عقب الشقيري في تقريره قائلا : "وانهزمت آخر محاولة ضئيلة للوحدة ".
ولأن الصراع العربي – الصهيوني لم يكن مستطاعا تجاهله أرٌفق بميثاق الجامعة ملحق خاص شكل تراجعا عما جاء في بروتوكول الاسكندرية بالنص على ان تتولى الجامعة أمر اختيار مندوب عربي من فلسطين . ما يعني استجابة دول الجامعة للتعليمات البريطانية بأن يكون الجامعة المسؤلة الاولى عن صناعة القرارات الفلسطينية .
ويلاحظ عدم مشاركة العسكريين العرب في مباحثات الجامعة العربية ، ولا في صياغة ميثاقها ، وأنه لم يكن للشؤون العسكرية أو الدفاعية ، أو الأمن القومي ، أي ذكر في ميثاق الجامعة لا تلميحا ولا تصريحا ، ما يدل على ضعف إدراك معظم الزعماء العرب الذين شاركوا في صياغة الميثاق أهمية الجانب العسكري في الميثاق . وانهم لم يولوا الشؤون العسكرية اهتماما في إطار التعاون العربي . كما يقرر هيثم الكيلاني – في كتابه الاستراتيجيات العسكرية للحروب العربية – الاسرائيلية 1948- 1988 ، ص104 .
وأقر ميثاق جامعة الدول العربية في 25/3/1945 ، وقد جاء يكرس التجزئة . إذ كانت كل نصوصه قائمة على اساس سيادة الدول الاعضاء واستقلالها ، اي على أساس التجزئة والانفصال . والقرارات إذا صدرت يقبلها من يشاء ويرفضها من يشاء . ويقرر الشقيري :"ولا أظن أن الانجليز يريدون جامعة خيرا من هذه لهم ، وشراً من هذه علينا – "أحمد الشقيري : حوار واسرار مع الملوك والرؤساء ، ص 100 .
بقلم: عوني فرسخ
لقد اعتادت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين اولبرايت على مطالبة العرب بتجاوز ماضي الصراع الصهيوني – العربي ، متجاهلة ما إعتاده الأمريكان من قياس الحاضر على الماضي . وفي أول لقاء بين هيرشفيلد ممثل اسرائيل وبين أحمد قريع في أوسلو طالبه بعدم الوقوف عند "عقد التاريخ" ، متجاهلا أنه يمثل كيانا عنصريا أُسس على أساطير توراتية تعود لأكثر من ألف سنة قبل الميلاد . ويغلب لدى الباحثين في "إتفاق أوسلو" القول بأن المفاوض الفلسطيني بقبوله الطلب الاسرائيلي خسر قضية شعبه ، وذلك لأن التاريخ مستودع تجارب الشعوب والأمم عميقة الـتأثير في حاضرها ومستقبلها . ويبدو لي أن في مقدمة أسباب واقعنا المأزوم تجاهل النخب السياسية تجارب الأمس ، الإيجابية والسلبية على السواء . ما يستدعي تقديم قراءة تاريخية لأبرز صفحات التاريخ العربي الحديث ، خاصة وغالبية المواطنين العرب المعاصرين لم يعيشوها
وفي البدء نذكر بالدور البريطاني في إقامة جامعة الدول العربية ، إذ في مايو / آيار 1941 أعلن وزير الخارجية انتوني إيدين أن الحكومة البريطانية تعطف على إستقلال سوريا وتؤيد مبدأ الوحدة العربية . وفي 24/2/1943 قال في مجلس العموم إن حكومته تؤيد إنشاء حلف عربي ، وأن الخطوة الأولى يجب ان تأتي من العرب أنفسهم . وفي الشهر التالي دعا مصطفى النحاس ، في مجلس الشيوخ المصري لعقد مؤتمر عربي في مصر "لإكمال بحث الموضوع واتخاذ ما نراه مناسبا" .
وعندما تقرر عقد مؤتمر الاسكندرية كلف الرئيس شكري القوتلي أحمد الشقيري ليكون قريبا من المباحثات ويبعث له بتقاريره عما يجري . وقد أتيح للشقيري ، بإعتباره موفد الرئيس السوري التزود بالمعلومات الوافية من عضو الوفد المصري د. محمد صلاح الدين . ما امكنه من تقديم تقارير وافية .
وكان نوري السعيد قد أكد في مباحثاته مع النحاس على استبعاد مشروع إقامة حكومة مركزية عربية وذلك ما لقي تأييد النحاس . بينما قال رئيس وزراء سورية سعد الله الجابري : "إن سورية تؤثر الحكومة المركزية ، فإن تعذر ذلك فإننا نرضى أي إتحاد أو إتفاق أو حلف " . فيما لم يضم وفد لبنان أي وزير ، وكان يحمل مذكرة تؤكد فيها الحكومة اللبنانية حرصها على استقلال لبنان وضمان سيادته . وذلك ما أكد عليه الوفد اللبناني في محادثاته مع النحاس . فيما ورد في محضر اجتماع ممثل إمام اليمن القول : "إن اليمن ترحب بفكرة التعاون الثقافي والاقتصادي بين الدول العربية ، بشرط أن تحتفظ كل دولة بسيادتها وحقوقها " . وعاد الشقيري الى دمشق يحمل للقوتلي تقريرا من عشرين صفحة ختمه بقوله : "وهكذا ترون فخامتكم ان مشاورات الوحدة العربية قد تناولت كل شيء إلا الوحدة العربية " .
وفي 7 نوفمبر /تشرين اول 1944 وقع مندوبو : مصر وسورية والعراق والسعودية والاردن ولبنان بروتوكول الاسكندرية . وقد اتسم بوضوح الموقف تجاه الصراع العربي – الصهيوني بالنص على أن "فلسطين جزء مهم من البلدان العربية ، ولا يمكن ان يلحق بحقوق العرب في فلسطين أي اعتداء بدون أن يعًرض سلام العالم العربي واستقراره للخطر . وتشكل التعهدات التي التزمت بها بريطانيا العظمى بوقف الهجرة اليهودية ، وصون الاراضي العائدة للعرب ، والسير بفلسطين نحو الاستقلال حقوقا مكتسبة ... وإن المشكلة اليهودية يجب عدم خلطها بالمسألة الصهيونية ، لأنه لن يكون هناك ظلم أكبر من تسوية مشكلة يهود أوروبا بظلم جديد لعرب فلسطين , وتؤيد اللجنة بالتالي تعهد بريطانيا العظمى بوضع حد للهجرة اليهودية – "د. بشارة خضر : أوروبا وفلسطين ، من الحروب الصليبية الى اليوم ص 216 و 217 .
وكان النحاس قد طلب من بريطانيا إطلاق سراح جمال الحسيني أو رفيق التميمي من المنفى في روديسيا ليشارك كممثل لفلسطين فلم يُستجب لطلبه . وحين جاءه موسى العلمي يحمل تفويضا من قادة أحزاب فلسطين طلب اليه الذهاب للسفارة البريطانية لأخذ موافقة الجنرال كلايتون ممثل المخابرات البريطانية في المنطقة . وقد عاد إليه يحمل قصاصة بخط كلايتون تنص : "لا مانع من ان يمثل السيد العلمي فلسطين بشرط أن يكون مراقبا ليس له حق التصويت " – جميل عارف : الوثائق السرية لدور مصر وسوريا والسعودية.
واحتدم النقاش في مباحثات القاهرة حول مشاركة العلمي ، إذ عارض مشاركته هنري فرعون وزير خارجية لبنان بحجة أن فلسطين غير مستقلة ، وتحسبا من دعوة ممثلي الجزائر ومراكش مستقبلا . وبعد جدل سمح للعلمي الحضور بلا صفة ولا عنوان . ويلاحظ الشقيري إن القرار صدر بعد أن أكدت بقية الوفود لوزير خارجية لبنان بأن هذا الاستثناء لا ينطبق على الجزائر ومراكش . وهكذا تم الاطمئنان على المخاوف الفرنسية والمصالح الفرنسية .
وعندما أشار فارس الخوري ، رئيس وزراء سورية الجديد ، إلى أن مشروع الميثاق لم يتحدث عن تنسيق التشريع وتوحيده بين البلاد العربية ، عارضه حافظ رمضان ، ومكرم عبيد وعبدالحميد بدوي ، ومحمد حسين هيكل من مصر ، وراشد العمري من العراق ، ولم تثن مداخلاتهم فارس الخوري عن تساؤله ، ولماذا لا نسعى لنتحد في التشريع ؟ وحيث لم يلق تساؤله جوابا عقب الشقيري في تقريره قائلا : "وانهزمت آخر محاولة ضئيلة للوحدة ".
ولأن الصراع العربي – الصهيوني لم يكن مستطاعا تجاهله أرٌفق بميثاق الجامعة ملحق خاص شكل تراجعا عما جاء في بروتوكول الاسكندرية بالنص على ان تتولى الجامعة أمر اختيار مندوب عربي من فلسطين . ما يعني استجابة دول الجامعة للتعليمات البريطانية بأن يكون الجامعة المسؤلة الاولى عن صناعة القرارات الفلسطينية .
ويلاحظ عدم مشاركة العسكريين العرب في مباحثات الجامعة العربية ، ولا في صياغة ميثاقها ، وأنه لم يكن للشؤون العسكرية أو الدفاعية ، أو الأمن القومي ، أي ذكر في ميثاق الجامعة لا تلميحا ولا تصريحا ، ما يدل على ضعف إدراك معظم الزعماء العرب الذين شاركوا في صياغة الميثاق أهمية الجانب العسكري في الميثاق . وانهم لم يولوا الشؤون العسكرية اهتماما في إطار التعاون العربي . كما يقرر هيثم الكيلاني – في كتابه الاستراتيجيات العسكرية للحروب العربية – الاسرائيلية 1948- 1988 ، ص104 .
وأقر ميثاق جامعة الدول العربية في 25/3/1945 ، وقد جاء يكرس التجزئة . إذ كانت كل نصوصه قائمة على اساس سيادة الدول الاعضاء واستقلالها ، اي على أساس التجزئة والانفصال . والقرارات إذا صدرت يقبلها من يشاء ويرفضها من يشاء . ويقرر الشقيري :"ولا أظن أن الانجليز يريدون جامعة خيرا من هذه لهم ، وشراً من هذه علينا – "أحمد الشقيري : حوار واسرار مع الملوك والرؤساء ، ص 100 .