هل الانسان هو خليفة الله ؟!
قد يتبادرهذا المعنى الى الذهن من خلال النص القرءاني: (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة )، وخاصة اذا اقترن هذا الفهم بالموروث الفكري لمن قبلنا، حيث قالوا بان الانسان (ظل الله في الارض )، وقالوا (بان السلطان خليفة الله في ملكه)، ونشأ هذا الفهم من ان نظرة البابا في اوروبا في يوم من الايام وما زالت اثارها باقية، انه نائب عن الله تعالى ،ووصف نفسه بالقداسة واعطى نفسه صلاحيات الغفران .وهذا كان الخطا الفادح.
وللتدقيق في هذا المفهوم الخطير الذي يجعل من البشر ءالهة ، سواء من خلال لباس ثوب الدين ، او من خلال لباس ثوب السلطان ، فاننا نجده مفهوما مغالطا لمفاهيم عقيدتنا وافكار شريعتنا وديننا العظيم، فلا بد اذا من الوقوف مع هذا المصطلح طويلا والتفكير فيه وما يحتويه من معان، لطالما الفهم الخاطئ لها اضر بالبشرية، وكان عمادا لاسترقاقها لافراد من بني جنسها، ولعل ما يزيد في ايهام الناس وتوجيههم نحو الفهم الخاطئ ظهور مصطلح (خليفة الله ) واستعماله من قبل كتاب امتنا الاسلامية في بعض العصور المتأخرة عن عصور الصحابة، والمتقدمة بالنسبة لنا في بعض كتاباتهم، حيث ان هذا اللفظ لا نجده لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله مصدري التشريع الرئيسيين، ومستندي الفكر الاسلامي الرئيسيين، ولا في تعابير الصحابة المؤيدة لفهم مصادر التشريع واسس التفكير الشرعي (الكتاب والسنة)، بل وجدناهم يطلقون تسمية (خليفة رسول الله ) على اميرهم وسلطانهم الذي اختاروه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .. ولما بايعوا عمر من بعد ابي بكر رضي الله عنهم قالوا له (يا خليفة خليفة رسول الله )، وبنظره الثاقب رضي الله عنه رد عليهم فقال لهم: اذا الامر يطول، اولستم انتم المؤمنين؟ قالوا: بلى ..قال: الست انا اميركم ؟ قالوا :بلى، قال فقولوا :يا امير المؤمنين.
والشاهد المعني هنا لمفهوم (الخليفة والاستخلاف) هو المفهوم اللغوي المعتاد في استعمالهم .. فخليفة فلان هو من جاء بعده او حل مكانه، او اقامه وانابه مكانه عنه.ومن ذلك قوله عزوجل (وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي ) وذلك لانه سيغادر ويغيب، فطلب من اخيه ان يخلفه، اي يحل مكانه في مهام قيادة قومه والنيابة عنه في ذلك فترة غيابه.
وتأتي بمعنى اقامه واختاره وصيره ، كما في قوله تعالى ( يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض )، بمعنى جعله سلطانا عظيما يلي امور اهل الارض او جزء منهم لكي يقيم لهم نموذج المسير .
ومن هذا المعنى تنصيب الخليفة في امة الاسلام بمعنى توليته الامارة العظمى للامة وفقا لمنهج الرسالة والنبوة.
وتأتي بمعنى السلالات والتناسل الذين يرثون من قبلهم ، كما في قوله تعالى ( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ )، وتطلق الخلائف على الذرية والسلالات والتناسل سواء كانت ذرية خيرة صالحةام ذرية شريرة فاسدة، كما في قوله تعالى (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب)..وقوله(فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة ).
وبالرجوع الى سؤالنا (هل الانسان هو خليفة الله) في بداية الموضوع فان البحث يقتضي ان ندرك هل يصح في حق الله عزوجل ان يكون له من مخلوقاته خليفة بمعنى نائبا عنه سبحانه ؟ .. خاصة ونحن نعتقد في حقه جل وعلا الاحدية والفردية ونفي الشبه والمثلية والمكافئة ؟ فالله تعالى لا مثيل له ولا شبيه ولم يكن له كفوا احد، وهو احد لا جنس له ولا نوع ولم يلد ولم يولد، فلا بد ان يستقيم الفهم اذا مع الاصول الثابتة في الفكر والمعتقد ..
اذا تعالوا لنفهم معا قوله تعالى (واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة) لينتفي الالتباس وليستقيم الفهم وفق المعتقد الصحيح والخط الفكري العقائدي المستقيم بالمنظور العقائدي السحيح ...
الله عزوجل قال :اني جاعل ..وجاعل ..الجعل يشمل الخلق والتصيير كما قال لداوود (يا داوود اني جاعلك في الارض خليفة) اي مصيرك ، والخليفة الامير الذي يملك السلطان ، وتستجيب له بالطاعة والاتباع الرعية، التي بدورها تطوع معطيات الحياة ومستلزماتها وتعمل على استغلال الكون المسخر وفق المنهج المستخلف الخليفة على اساسه لتنفيذه ... اذا هواستخلاف اعمار لها كما يفهم من نص اخر (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)، وليس استخلاف انابة. فالاستخلاف اذا هنا هو تكليف لمن اقامه الله عزوجل خليفة، فهو اذا امير في الارض محاسب على اساس منهج مطالب باقامته في الحياة، يخلف جنسه من خلال سللاتهم وانسالهم بعضم بعضا، فهو تكليف رباني استمراري منذ بدء الخليقة الى انتهاءها . وعلى اساس هذا الفهم فان الانسان لا يكون خليفة لله، لان الله اولا لا يغيب، وهو حي لا يموت، فلا يخلفه احد ولا يرثه، وهو احد لا نوع له ولا جنس له، فبالتالي لا والد ولا ولد، فكيف يستسيغ العقل الايماني ان يقوم مقامه او ينوب عنه احد ؟ وهو ليس له كفوا احد لا في كلية الكون والوجود ولا في جزئية من اجزاءه ؟.
ومن هنا يظهر لنا ويبدو جليا واضحا خطأ يهود وكذبهم على الله زورا وبهتانا يوم قالوا (نحن ابناء الله واحباؤه) وعليه يثبت ايضا بطلان مقولة( ان الانسان ابن الله ) كما في النصرانية .
وبناءا على كل ما سبق فالانسان اقامه الله خليفة في الارض ، مستخلف في جنسه ، بنظام رباني اختاره الله للارض وعمارتها ومسيرة اهلها، وجعل الجنس البشري هذا خلائف في الارض، يخلف بعضهم بعضا في مهمة اعمارها بمنهج الله الذي اختاره لهم وكلفهم بتنفيذه .. فانت خليفة في حمل الرسالة والمنهج الرباني لجنس الانسان والبشرية ، ومستعبد لربك بهذه المهمة العظيمة التي بمدى قيامك بها تسمو وترتقي لتحصل الدرجات العلا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2022-10-19, 5:59 am عدل 2 مرات