بسم الله الرحمن الرحيم
تاملات في ايات الصيام بين يدي شهر الصيام
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)البقرة).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ..نداء لكافة المؤمنين عابر للزمان والمكان شامل لجنس اهل الايمان الحق باحب الاسماء والاوصاف لهم ببلاغهم بكتابة الصيام عليهم وفرضه كما كتبه سبحانه على من امن من الاقوام قبلهم ممن سبق.رجاء ان تتحقق لديهم بتربية الصوم تقوى الله تعالى ودوام مراقبته في السر والعلن ويتعود الانسان التزام امر الله تعالى وتعظيمه فلا ياكل او يشرب الا باذن ويمتنع بامر ربه العظيم مرتبطا ذلك الامر والاذن وذاك المنع بالزمن الذي هو مقياس العمر والحياة ليحقق معنى ان حياتي ومماتي لله رب العالمين فلا يشذ عن امر ربه وهداه ساعة او قيد انملة منسجما في ذلك مع معالم مفردات الوجود التي اسلمت امرها لله تعالى فاستقامت بنظامه سبحانه في وجودها مؤدية غاية خالقها التي من اجلها اوجدها.ففي قوله سبحانه و تعالى: يا أيها الذين آمنوا ...، فالإتيان بهذا الخطاب لتذكيرهم بوصف فيهم و هو الإيمان، يجب عليهم إذا التفتوا إليه أن يقبلوا ما يواجههم ربهم به من الحكم و إن كان على خلاف مشتهياتهم و عاداتهم .....و الصيام و الصوم في اللغة مصدران بمعنى الكف عن الفعل: كالصيام عن الأكل و الشرب و المباشرة و الكلام و المشي و غير ذلك، و ربما يقال: إنه الكف عما تشتهيه النفس و تتوق إليه خاصة ثم غلب استعماله في الشرع في الكف عن أمور مخصوصة، من طلوع الفجر إلى المغرب بالنية.
أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ
للتقليل وتهوين الامر على النفوس فالسنة 360 يوم وايام الشهر اما 29 واما 30 فايام الصوم المفروض قياسا الى ايام السنة فتكون اقل من العشر اي تساوي 1من 12.فقوله تعالى: أياما معدودات، منصوب على الظرفية بتقدير، في، و متعلق بقوله: الصيام، و ان تنكير أيام و اتصافه بالعدد للدلالة على تهوين التكليف من حيث الكلفة و المشقة تشجيعا للمكلف، و بذلك يكون قولهتعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن «إلخ»، بيان للأيام فالمراد بالأيام المعدودات شهر رمضان.حيث قال في الاية الاخرى ولتكملوا العدة فبين بذلك ان اياما معدودات بالاضافة الى انها اعطت معنى تهوين الامر والتكليف على النفس الا انها ايام معتبر فيها العدد على حسب الشهر 29 او 30 يوما .
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.
ان التشريع مشتمل على الرحمة بالمكلفين كيف لا وهو صادر عن ارحم الراحمين فعقب هنا بعد الفرض والكتابة بالرخص لمستحقهاكالمريض والمسافر والشيخ الكبير والمراة المسنة الذين يطيقون صيامه بمشقة بالغة فيفطر المسافر وكذا المريض ويقضي ويترتب على الذين يطيقونه من المسنين الفدية وقد نقل عن ابن عباس ان الذين يطيقونه نزلت في المراة الكبيرة والشيخ الكبير .والإطاقة كما ذكره بعضهم صرف تمام الطاقة في الفعل، و لازمه وقوع الفعل بجهد و مشقة، و الفدية هي البدل و هي هنا بدل مالي و هو طعام مسكين أي طعام يشبع مسكينا جائعا من أوسط ما يطعم الإنسان، و حكم الفدية أيضا فرض كحكم القضاء في المريض و المسافر. وندب بعد ان رخص لهم بالاعذار ان يتطوعوا بالصوم مع وجود العذرالمرخص لهم بالفطر.. فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ...و ربما يقال: إن الجملة أعني قوله تعالى: فمن تطوع خيرا فهو خير له، مرتبطة بالجملة التي تتلوها أعني قوله: و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، و المعنى أن من تطوع خيرا من فدية طعام مسكين بأن يؤدي ما يزيد على طعام مسكين واحد بما يعادل فديتين لمسكينين أو لمسكين واحد كان خيرا له.والظاهر والله تعالى اعلم ان الجملة أعني قوله: و أن تصوموا خير لكم، خطاب للمعذورين دون عموم المؤمنين المخاطبين بالفرض و الكتابة فإن ظاهرها رجحان فعل الصوم غير المانع من الترك فيناسب الاستحباب دون الوجوب، و يحمل على رجحان الصوم و استحبابه على أصحاب الرخصة: من المريض و المسافر فيستحب عليهم اختيار الصوم على الإفطار و القضاء.
قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى....، شهر رمضان هو الشهر التاسع من الشهور القمرية العربية بين شعبان و شوال و لم يذكر اسم شيء من الشهور في القرآن إلا شهر رمضان. وهو بيان للايام المعدودات وتفصيل لها وتحديد .
و النزول هو الورود على المحل من العلو، و الفرق بين الإنزال و التنزيل أن الإنزال دفعي و التنزيل تدريجي، و القرآن اسم للكتاب المنزل على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتبار كونه مقروا كما قال تعالى: «إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون»: الزخرف - 3، و يطلق على مجموع الكتاب و على أبعاضه.
و الآية تدل على نزول القرآن في شهر رمضان، و قد قال تعالى: «و قرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث و نزلناه تنزيلا:، الإسراء - 106، و هو ظاهر في نزوله تدريجا في مجموع مدة الدعوة و هي ثلاث و عشرون سنة تقريبا، و المتواتر من التاريخ يدل على ذلك.
والقرآن بينات و شواهد من الهدى و الفرقان في حقهم فهو يهديهم إليه و يميز لهم الحق و يبين لهم كيف يميز، قال تعالى: «يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور و يهديهم إلى صراط مستقيم:» المائدة - 16.
قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه...، الشهادة هي الحضورمع العلم التام وهذا المعنى
اشار اليه البقاعي رحمه الله في تفسيرهفبعد ان وطأ سبحانه بلين الخطاب فرضية الصوم وعبر عن مدته بايام معدودات مهونا التكليف على انفس المكلفين ثم بين انها اي الايام المعدودات شهر رمضان وذكر من فضله اختصاصه بتنزيل القران فيه طلب مؤكدا فرضيته للشهر المعروف بثبوت رؤيته لمن حضره وشهده حيا صحيحا وكان المريض او المسافر واصحاب الاعذار خارج دائرة الحضور بمسببات رخصهم بالافطار فكانهم خارج نطاق التكليف بصومه فعبر ب فمن شهد الشهر فليصمه...وشهود الشهر يكون بدخوله وبثبوت مشاهدة هلاله وهنا مسالتان مهمتان فالشهر يثبت برؤية المسلم العدل لصيامه وبرؤية العدلين لفطره كما هي السنة المنقولة والالزام بالصيام يكون لكل من علم بثبوت الشهر والا كان القضاء متوجبا على من جهل فالاصل اذا وحدة صيام الامة كون المسلمين يشغل ذمتهم ويبرؤها ادناهم.
قوله تعالى: و من كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر...تيسير على المكلفين ورحمة بهم من رب العالمين فلذلك قال بعدها : يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة..، كأنه بيان لمجموع حكم الاستثناء: و هو الإفطار في شهر رمضان لمكان نفي العسر، و صيام عدة من أيام أخر لمكان وجوب إكمال العدة، و اللام في قوله: لتكملوا العدة، للغاية، و هو عطف على قوله: يريد، لكونه مشتملا على معنى الغاية، و التقدير و إنما أمرناكم بالإفطار و القضاء لنخفف عنكم و لتكملوا العدة...
واما قوله تعالى: و لتكبروا الله على ما هديكم و لعلكم تشكرون، ظاهر الجملتين على ما يشعر به لام الغاية أنهما لبيان الغاية غاية أصل الصيام دون حكم الاستثناء فإن تقييد قوله: شهر رمضان بقوله: الذي أنزل فيه القرآن إلى آخره مشعر بنوع من العلية و ارتباط فرض صيام شهر رمضان بنزول القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان فيعود معنى الغاية إلى أن التلبس بالصوم لإظهار كبريائه تعالى بما نزل عليهم القرآن و أعلن ربوبيته و عبوديتهم، و شكر له بما هداهم إلى الحق، و فرق لهم بكتابه بين الحق و الباطل.
و لما كان الصوم إنما يتصف بكونه شكرا لنعمه إذا كان مشتملا على حقيقة معنى الصوم و هو الإخلاص لله سبحانه في التنزه عن ألواث الطبيعة و الكف عن أعظم مشتهيات النفس بخلاف اتصافه بالتكبير لله فإن صورة الصوم و الكف سواء اشتمل على إخلاص النية أو لم يشتمل يدل على تكبيره تعالى و تعظيمه فرق بين التكبير و الشكر فقرن الشكر بكلمة الترجي دون التكبير فقال: و لتكبروا الله على ما هداكم و لعلكم تشكرون كما قال: في أول الآيات: لعلكم تتقون.لك الحمد والشكر ربنا كما ينبغي لجلالك ولك ربنا التكبير والتعظيم وارزقنا اللهم ذكرك وشكرك وحسن عبادتك والبسنا دوما ثوب تقواك يا من ليس لنا رب سواك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعجبنيإظهار مزيد من التفاعلاتتعليق
تاملات في ايات الصيام بين يدي شهر الصيام
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)البقرة).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ..نداء لكافة المؤمنين عابر للزمان والمكان شامل لجنس اهل الايمان الحق باحب الاسماء والاوصاف لهم ببلاغهم بكتابة الصيام عليهم وفرضه كما كتبه سبحانه على من امن من الاقوام قبلهم ممن سبق.رجاء ان تتحقق لديهم بتربية الصوم تقوى الله تعالى ودوام مراقبته في السر والعلن ويتعود الانسان التزام امر الله تعالى وتعظيمه فلا ياكل او يشرب الا باذن ويمتنع بامر ربه العظيم مرتبطا ذلك الامر والاذن وذاك المنع بالزمن الذي هو مقياس العمر والحياة ليحقق معنى ان حياتي ومماتي لله رب العالمين فلا يشذ عن امر ربه وهداه ساعة او قيد انملة منسجما في ذلك مع معالم مفردات الوجود التي اسلمت امرها لله تعالى فاستقامت بنظامه سبحانه في وجودها مؤدية غاية خالقها التي من اجلها اوجدها.ففي قوله سبحانه و تعالى: يا أيها الذين آمنوا ...، فالإتيان بهذا الخطاب لتذكيرهم بوصف فيهم و هو الإيمان، يجب عليهم إذا التفتوا إليه أن يقبلوا ما يواجههم ربهم به من الحكم و إن كان على خلاف مشتهياتهم و عاداتهم .....و الصيام و الصوم في اللغة مصدران بمعنى الكف عن الفعل: كالصيام عن الأكل و الشرب و المباشرة و الكلام و المشي و غير ذلك، و ربما يقال: إنه الكف عما تشتهيه النفس و تتوق إليه خاصة ثم غلب استعماله في الشرع في الكف عن أمور مخصوصة، من طلوع الفجر إلى المغرب بالنية.
أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ
للتقليل وتهوين الامر على النفوس فالسنة 360 يوم وايام الشهر اما 29 واما 30 فايام الصوم المفروض قياسا الى ايام السنة فتكون اقل من العشر اي تساوي 1من 12.فقوله تعالى: أياما معدودات، منصوب على الظرفية بتقدير، في، و متعلق بقوله: الصيام، و ان تنكير أيام و اتصافه بالعدد للدلالة على تهوين التكليف من حيث الكلفة و المشقة تشجيعا للمكلف، و بذلك يكون قولهتعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن «إلخ»، بيان للأيام فالمراد بالأيام المعدودات شهر رمضان.حيث قال في الاية الاخرى ولتكملوا العدة فبين بذلك ان اياما معدودات بالاضافة الى انها اعطت معنى تهوين الامر والتكليف على النفس الا انها ايام معتبر فيها العدد على حسب الشهر 29 او 30 يوما .
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.
ان التشريع مشتمل على الرحمة بالمكلفين كيف لا وهو صادر عن ارحم الراحمين فعقب هنا بعد الفرض والكتابة بالرخص لمستحقهاكالمريض والمسافر والشيخ الكبير والمراة المسنة الذين يطيقون صيامه بمشقة بالغة فيفطر المسافر وكذا المريض ويقضي ويترتب على الذين يطيقونه من المسنين الفدية وقد نقل عن ابن عباس ان الذين يطيقونه نزلت في المراة الكبيرة والشيخ الكبير .والإطاقة كما ذكره بعضهم صرف تمام الطاقة في الفعل، و لازمه وقوع الفعل بجهد و مشقة، و الفدية هي البدل و هي هنا بدل مالي و هو طعام مسكين أي طعام يشبع مسكينا جائعا من أوسط ما يطعم الإنسان، و حكم الفدية أيضا فرض كحكم القضاء في المريض و المسافر. وندب بعد ان رخص لهم بالاعذار ان يتطوعوا بالصوم مع وجود العذرالمرخص لهم بالفطر.. فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ...و ربما يقال: إن الجملة أعني قوله تعالى: فمن تطوع خيرا فهو خير له، مرتبطة بالجملة التي تتلوها أعني قوله: و على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، و المعنى أن من تطوع خيرا من فدية طعام مسكين بأن يؤدي ما يزيد على طعام مسكين واحد بما يعادل فديتين لمسكينين أو لمسكين واحد كان خيرا له.والظاهر والله تعالى اعلم ان الجملة أعني قوله: و أن تصوموا خير لكم، خطاب للمعذورين دون عموم المؤمنين المخاطبين بالفرض و الكتابة فإن ظاهرها رجحان فعل الصوم غير المانع من الترك فيناسب الاستحباب دون الوجوب، و يحمل على رجحان الصوم و استحبابه على أصحاب الرخصة: من المريض و المسافر فيستحب عليهم اختيار الصوم على الإفطار و القضاء.
قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى....، شهر رمضان هو الشهر التاسع من الشهور القمرية العربية بين شعبان و شوال و لم يذكر اسم شيء من الشهور في القرآن إلا شهر رمضان. وهو بيان للايام المعدودات وتفصيل لها وتحديد .
و النزول هو الورود على المحل من العلو، و الفرق بين الإنزال و التنزيل أن الإنزال دفعي و التنزيل تدريجي، و القرآن اسم للكتاب المنزل على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) باعتبار كونه مقروا كما قال تعالى: «إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون»: الزخرف - 3، و يطلق على مجموع الكتاب و على أبعاضه.
و الآية تدل على نزول القرآن في شهر رمضان، و قد قال تعالى: «و قرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث و نزلناه تنزيلا:، الإسراء - 106، و هو ظاهر في نزوله تدريجا في مجموع مدة الدعوة و هي ثلاث و عشرون سنة تقريبا، و المتواتر من التاريخ يدل على ذلك.
والقرآن بينات و شواهد من الهدى و الفرقان في حقهم فهو يهديهم إليه و يميز لهم الحق و يبين لهم كيف يميز، قال تعالى: «يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور و يهديهم إلى صراط مستقيم:» المائدة - 16.
قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه...، الشهادة هي الحضورمع العلم التام وهذا المعنى
اشار اليه البقاعي رحمه الله في تفسيرهفبعد ان وطأ سبحانه بلين الخطاب فرضية الصوم وعبر عن مدته بايام معدودات مهونا التكليف على انفس المكلفين ثم بين انها اي الايام المعدودات شهر رمضان وذكر من فضله اختصاصه بتنزيل القران فيه طلب مؤكدا فرضيته للشهر المعروف بثبوت رؤيته لمن حضره وشهده حيا صحيحا وكان المريض او المسافر واصحاب الاعذار خارج دائرة الحضور بمسببات رخصهم بالافطار فكانهم خارج نطاق التكليف بصومه فعبر ب فمن شهد الشهر فليصمه...وشهود الشهر يكون بدخوله وبثبوت مشاهدة هلاله وهنا مسالتان مهمتان فالشهر يثبت برؤية المسلم العدل لصيامه وبرؤية العدلين لفطره كما هي السنة المنقولة والالزام بالصيام يكون لكل من علم بثبوت الشهر والا كان القضاء متوجبا على من جهل فالاصل اذا وحدة صيام الامة كون المسلمين يشغل ذمتهم ويبرؤها ادناهم.
قوله تعالى: و من كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر...تيسير على المكلفين ورحمة بهم من رب العالمين فلذلك قال بعدها : يريد الله بكم اليسر و لا يريد بكم العسر و لتكملوا العدة..، كأنه بيان لمجموع حكم الاستثناء: و هو الإفطار في شهر رمضان لمكان نفي العسر، و صيام عدة من أيام أخر لمكان وجوب إكمال العدة، و اللام في قوله: لتكملوا العدة، للغاية، و هو عطف على قوله: يريد، لكونه مشتملا على معنى الغاية، و التقدير و إنما أمرناكم بالإفطار و القضاء لنخفف عنكم و لتكملوا العدة...
واما قوله تعالى: و لتكبروا الله على ما هديكم و لعلكم تشكرون، ظاهر الجملتين على ما يشعر به لام الغاية أنهما لبيان الغاية غاية أصل الصيام دون حكم الاستثناء فإن تقييد قوله: شهر رمضان بقوله: الذي أنزل فيه القرآن إلى آخره مشعر بنوع من العلية و ارتباط فرض صيام شهر رمضان بنزول القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان فيعود معنى الغاية إلى أن التلبس بالصوم لإظهار كبريائه تعالى بما نزل عليهم القرآن و أعلن ربوبيته و عبوديتهم، و شكر له بما هداهم إلى الحق، و فرق لهم بكتابه بين الحق و الباطل.
و لما كان الصوم إنما يتصف بكونه شكرا لنعمه إذا كان مشتملا على حقيقة معنى الصوم و هو الإخلاص لله سبحانه في التنزه عن ألواث الطبيعة و الكف عن أعظم مشتهيات النفس بخلاف اتصافه بالتكبير لله فإن صورة الصوم و الكف سواء اشتمل على إخلاص النية أو لم يشتمل يدل على تكبيره تعالى و تعظيمه فرق بين التكبير و الشكر فقرن الشكر بكلمة الترجي دون التكبير فقال: و لتكبروا الله على ما هداكم و لعلكم تشكرون كما قال: في أول الآيات: لعلكم تتقون.لك الحمد والشكر ربنا كما ينبغي لجلالك ولك ربنا التكبير والتعظيم وارزقنا اللهم ذكرك وشكرك وحسن عبادتك والبسنا دوما ثوب تقواك يا من ليس لنا رب سواك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعجبنيإظهار مزيد من التفاعلاتتعليق