سهرة رمضانية مع سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم
في دليل النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في هجرته إِلى المدينة وما ظهر في ذلك من معجزاته قال مالك: كان اسم الدليل رقيط، وكانوا أربعة، النَّبي عليه السلام، وأبو بكر، وعامر بن فهيرة مولي أبي بكر، والدليل.
قال محمد بن رشد: كذا وقع في بعض الكتب: رُقيط، وفي بعضها: أُريقط. وقال ابن عبد البر في الدرر له: إِن اسمه عبد الله بن أرقط. ويقال: أريقط. وكان النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر قد استأجراه حين خروجهما من مكة ليدل بهما إلى المدينة، وكان معهما عامر بن فهيرة، مولى أبي بكر، فكانوا في مسيرتهم إلى المدينة أربعة كما قال، وذلك أن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ لما بايَع أهل المدينة الأنصار، ودخلوا في الِإسلام، وهاجر إليها من هاجر من المسلمين، شق ذلك على قريش، وقالوا: هذا شيء شاغل لا يطاق، فأجمعوا أَمرهم على قتل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فبيّتوه ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج، فأمر النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه، ودعا الله عزَّ وجلّ أن يعمي عليهم أثره فطمس اللَّه تعالى على أبصارهم، وخرج وقد غشيهم النوم فوضع على رؤوسهم تراباً ونهض فلما أصبحوا خرج عليهم علي وأخبرهم أن ليس في الدار دَيار، فعلموا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد فات ونجا وتواعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أَبي بكر الصدِّيق للهجرة، ودفعا راحلتيهما إلى الدليل المذكور، وكان كافراً لكنهما وَثقا به، فاستأْجراه ليدل بهما إلى المدينة، ثم نهضا حتى دخلا الغار بجبَل ثور، وكانت أسماء بنت أَبي بكر تأتيهما بالطعام، ويأتيهما عبد الله بن أبي بكر بالأخبار ثم يتلوهما عامر بن فهيرة بالغنم، فيعفي آثارهما، فلما فقدته قريش جعلت تطلبه بقائف معروف فقفا الأثر حتى وقف على الغار، فقال: هاهنا انقطع الأثر، فانظروا، فنظروا فإِذا بالعنكبوت قد نسج على فم الغار من ساعته، وأمر الله تعالى حمامة فباضت على نسج العنكبوت، وجعلت ترقد على بيضها، فلما نظر الكفار إلى ذلك أيقنوا أن ليس في الغار أحد، فرجعوا، «فقال أبو بكر للنَّبيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ عِنْدَ قَدَمَيْهِ لأبْصَرَنا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا».
فلما مضت لبقائهما في الغار ثلاثة أيام أتاهما الدليل براحِلتيهما وأسماء بسُفرتهما، وكانت قد شقًت نِطاقها، فربطتَ بنصفه السُفرة، وانتطقت النصف الآخر ولهذا سميّت أم النطاقين فركبا راحلتيهما وأردف أبو بكر عامر بن فُهيرة، وتقدمهم الدليل، فصاروا أربعة كما قال في الحكاية، حتى وصلوا إلى المدينة. وروي عن النبيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أنه قال: «خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ». وقد وصف أصحاب السير مراحله في طريقه مرحلة مرحلة، وما كان منه فيها من أعلام نبوَته المعجزات، من ذلك خبره مع سراقة بن مالك بن جعشم وذلك أنهم مروا في مسيرهم بناحية موضع سراقة بن جعشم، فلما رآهم علم أنهم الذين جعلت فيهم قريش ما جعلت لمن أتى بهم، فركب وتبعهم ليردهم بزعمه، فدعا عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فساخت يدا فرسه في الأرض، ثم استقلَّت فأتبعها دخان، فعلما أنها آية فناداهم قفوِا علي وأنتم آمنون فوقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فهم به فساخت يدا فرسه، فقال: ادع الله لي فلن تر مني ما تَكره، وأنا أَنصرف عنك الطلب فدعا له فاستقلت فرسه، وسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يكتب له كتاباً فأمر أبا بكر فكتب له وانصرف، وجعل يرد كل من لقي يقول لهم: قد كفيتكم هذه الناحية فكان أَول النهار طالباً لرسول الله وآخره معه راداً للطالبين عنه. وخبره مع أُم معبد حين مروا بها في خيمتها في شاتها الحائل على ما هو مشهور معلوم بنقل الثقات وساروا على غير الطريق المعهودة حتى وصلوا إلى المدينة فنزلوا بقباء ضحى يوم الاثنين، وقيل: عند استواء الشمس، لاثنتي عشرة ليلة خلت لربيع الأول، وأول من رآه رجل من اليهود وكان أكثر أهل المدينة قد خرجوا ينظرون إليه، فلما ارتفع النهار وقلصت الظلال، واشتدَّ الحَر يَئِسوا منه وانصرفوا ورآه رجل من اليهود كان في نخل له، فصَاح: يا بني قيلة، هذا جدّكم قد جاء، يعني حظكم، فخرجوا وتلقوه، فقيل: إنَّه دخل معهم المدينة، فقيل: إنًه نزل على سعد بن خيثمة، وقيل: إنَّه نزل على كلثوم بن هرم، وكان فيمن خرج إليه قوم من اليهود كان فيهم عبد الله بن سلام، قال: فلما نظرت إلى وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما سمعت منه: «أَيها النًاسُ أفْشُوا السَّلامَ وَأَطْعِموا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الَأرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللًيْل وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنًةَ بِسَلاَمٍ».
عن كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل... لمحمد بن أحمد ابن رشد، أبو الوليد: قاضي الجماعة بقرطبة، من أعيان المالكية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في دليل النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ في هجرته إِلى المدينة وما ظهر في ذلك من معجزاته قال مالك: كان اسم الدليل رقيط، وكانوا أربعة، النَّبي عليه السلام، وأبو بكر، وعامر بن فهيرة مولي أبي بكر، والدليل.
قال محمد بن رشد: كذا وقع في بعض الكتب: رُقيط، وفي بعضها: أُريقط. وقال ابن عبد البر في الدرر له: إِن اسمه عبد الله بن أرقط. ويقال: أريقط. وكان النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر قد استأجراه حين خروجهما من مكة ليدل بهما إلى المدينة، وكان معهما عامر بن فهيرة، مولى أبي بكر، فكانوا في مسيرتهم إلى المدينة أربعة كما قال، وذلك أن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ لما بايَع أهل المدينة الأنصار، ودخلوا في الِإسلام، وهاجر إليها من هاجر من المسلمين، شق ذلك على قريش، وقالوا: هذا شيء شاغل لا يطاق، فأجمعوا أَمرهم على قتل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فبيّتوه ورصدوه على باب منزله طول ليلتهم ليقتلوه إذا خرج، فأمر النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه، ودعا الله عزَّ وجلّ أن يعمي عليهم أثره فطمس اللَّه تعالى على أبصارهم، وخرج وقد غشيهم النوم فوضع على رؤوسهم تراباً ونهض فلما أصبحوا خرج عليهم علي وأخبرهم أن ليس في الدار دَيار، فعلموا أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد فات ونجا وتواعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أَبي بكر الصدِّيق للهجرة، ودفعا راحلتيهما إلى الدليل المذكور، وكان كافراً لكنهما وَثقا به، فاستأْجراه ليدل بهما إلى المدينة، ثم نهضا حتى دخلا الغار بجبَل ثور، وكانت أسماء بنت أَبي بكر تأتيهما بالطعام، ويأتيهما عبد الله بن أبي بكر بالأخبار ثم يتلوهما عامر بن فهيرة بالغنم، فيعفي آثارهما، فلما فقدته قريش جعلت تطلبه بقائف معروف فقفا الأثر حتى وقف على الغار، فقال: هاهنا انقطع الأثر، فانظروا، فنظروا فإِذا بالعنكبوت قد نسج على فم الغار من ساعته، وأمر الله تعالى حمامة فباضت على نسج العنكبوت، وجعلت ترقد على بيضها، فلما نظر الكفار إلى ذلك أيقنوا أن ليس في الغار أحد، فرجعوا، «فقال أبو بكر للنَّبيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ عِنْدَ قَدَمَيْهِ لأبْصَرَنا تَحْتَ قَدَمَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا».
فلما مضت لبقائهما في الغار ثلاثة أيام أتاهما الدليل براحِلتيهما وأسماء بسُفرتهما، وكانت قد شقًت نِطاقها، فربطتَ بنصفه السُفرة، وانتطقت النصف الآخر ولهذا سميّت أم النطاقين فركبا راحلتيهما وأردف أبو بكر عامر بن فُهيرة، وتقدمهم الدليل، فصاروا أربعة كما قال في الحكاية، حتى وصلوا إلى المدينة. وروي عن النبيّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أنه قال: «خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ». وقد وصف أصحاب السير مراحله في طريقه مرحلة مرحلة، وما كان منه فيها من أعلام نبوَته المعجزات، من ذلك خبره مع سراقة بن مالك بن جعشم وذلك أنهم مروا في مسيرهم بناحية موضع سراقة بن جعشم، فلما رآهم علم أنهم الذين جعلت فيهم قريش ما جعلت لمن أتى بهم، فركب وتبعهم ليردهم بزعمه، فدعا عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فساخت يدا فرسه في الأرض، ثم استقلَّت فأتبعها دخان، فعلما أنها آية فناداهم قفوِا علي وأنتم آمنون فوقف رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فهم به فساخت يدا فرسه، فقال: ادع الله لي فلن تر مني ما تَكره، وأنا أَنصرف عنك الطلب فدعا له فاستقلت فرسه، وسأل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَن يكتب له كتاباً فأمر أبا بكر فكتب له وانصرف، وجعل يرد كل من لقي يقول لهم: قد كفيتكم هذه الناحية فكان أَول النهار طالباً لرسول الله وآخره معه راداً للطالبين عنه. وخبره مع أُم معبد حين مروا بها في خيمتها في شاتها الحائل على ما هو مشهور معلوم بنقل الثقات وساروا على غير الطريق المعهودة حتى وصلوا إلى المدينة فنزلوا بقباء ضحى يوم الاثنين، وقيل: عند استواء الشمس، لاثنتي عشرة ليلة خلت لربيع الأول، وأول من رآه رجل من اليهود وكان أكثر أهل المدينة قد خرجوا ينظرون إليه، فلما ارتفع النهار وقلصت الظلال، واشتدَّ الحَر يَئِسوا منه وانصرفوا ورآه رجل من اليهود كان في نخل له، فصَاح: يا بني قيلة، هذا جدّكم قد جاء، يعني حظكم، فخرجوا وتلقوه، فقيل: إنَّه دخل معهم المدينة، فقيل: إنًه نزل على سعد بن خيثمة، وقيل: إنَّه نزل على كلثوم بن هرم، وكان فيمن خرج إليه قوم من اليهود كان فيهم عبد الله بن سلام، قال: فلما نظرت إلى وجهه، عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما سمعت منه: «أَيها النًاسُ أفْشُوا السَّلامَ وَأَطْعِموا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الَأرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللًيْل وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنًةَ بِسَلاَمٍ».
عن كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل... لمحمد بن أحمد ابن رشد، أبو الوليد: قاضي الجماعة بقرطبة، من أعيان المالكية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.