(2)(نظرة قرآنية لدراسة النفس الانسانية(2)
بسم الله الرحمن الرحيم
اعزائي القراء الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
بدانا امس الكتابة للحلقة الاولى من هذه السلسلة على صفحتكم هذه ومقصدنا من هذه الدراسة القاء الضوء على طباع هذه النفس التي خلقها الله في احسن تقويم واسباب انحرافها وزيغها عن منهج الفطرة والانحدار والسفول بصاحبها، حيث ان دراسة السلوك الانساني والنفس الانسانية ، ومعرفة خباياها، وطباعها، من الامور الهامة لكل داع يحمل فكرا تغييريا، ولكل حامل لمشروع نهضوي يريد ان ينهض امته، ولازم لكل مفكر يريد ان يعالج ويبحث الانسان وقضاياه المصيرية والحياتية. ويلزم كل باحث يريد ان يحلل ويهتدي الى السنن الحياتية الربانية، من خلال دراسة سجل احداث البشرية-التاريخ- والذي هو سجل وقائع سلوك الانسان في الحياة.
وقد ابدع ابن خلدون رحمه الله- والذي انصح كل متصدر للعمل في مجال التغيير وحمل لواء الدعوة، قراءة مقدمته- في مقدمته المشهورة وتحليله لطبائع الشعوب والامم، وكذلك الشيخ المرحوم تقي الدين النبهاني احسن الله اليه في كتابه نظرات سياسية ، حيث ان الطباع انما هي مفاهيم وقيم انطبعت في النفس، فتمكنت منها واصبحت توجهها بما يشبه التوجيه العفوي او التلقائي.
وللوصول الى معرفة مجاهيل النفس البشرية وتعقيداتها ، ليس هناك من يخبرك عنها ويجلي لك غموض اعماقها، مثل من خلقها وسواها فالهمها فجورها وتقواها، وجعل لها الارادة للاختيار بين قوتين تتنازعان تلك النفس ، بصراع محتدم بينهما ويتجسد ذلك الصراع بين القوتين ايضا على ارض الواقع،حين يترجم الى سلوك وتصرف، بين من غلبت على نفسه قوة الشر والفجور وبين من غلبت على نفسه قوة االهدى والتقى الخيرة فانتقل الصراع الى حلبة الحياة ليبسط كل فريق سلطانه ونفوذه وليطوع كل الخلق لاتباع نهجه. ولا ينبئك مثل خبير - الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير - .
واية اليوم على صلة باية الامس التي تحدثت عن طغيان الانسان الذي يسببه الوهم والغرور فاذا استغنى الانسان بماله او علمه او جاهه او سلطانه او قدراته ،وغرته وقادته ليكفر ربه الذي خلقه فسواه فعدله في اي صورة ماشاء ركبه.
يقول الله عز وجل في مقطع حواري بين اهل الجنة من المؤمنين وبين المنافقين في دركهم الاسفل من النار الذين مرضت نفوسهم فانحرفت عن فطرة الايمان بالغرور اعاذنا الله منه (بنادونهم الم نكن معكم.قالوا بلى.ولكنكم فتنتم انفسكموتربصتم وارتبتم وغرتكم الاماني.حتى جاء امر الله وغركم بالله الغرور).
والغرور والتغرير كما قال عنه صاحب القاموس المحيط هو الخداع وغره اي اطمعه بالباطل.
وهو كل ما يغر الانسان ، من مال او منصب او سلطان اوجاه او شهوة...او زينة وزخرف الدنيا، او الشيطان وما يغرربهويمني النفس، او طول امل يؤمل النفس بالخلود وينسيها الموت وما بعده.
ان الغرور من اخطر الحالات المرضية التي تفتك بالنفس البشرية وتخرجها عن طبيعتها الانسانية وتحولها الى نفسية اجرامية عدوانية .لان الغرور يقود ضحاياه
الى الاستهانة بالاخرين واحتقار الحقوق والاستهتار بالواجبات والتفلت من الالتزامات
وعدم احترام الحق وعدم اداء الحقوق والاستخفاف بقيم الحياة ومفاهيمها فيحوله الى عاق عاقر لانسانيته والى كلب عقور يعقر بني جنسه وينهش لحوم ابناء جلدته منحطا بذلك عن طباع وحوش الغاب..﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ سورة الأعراف: 175-176 ]
ان داء الغرور خطير ويسعر نار الحرب والمعركة ويلهب اوارها بين قوى الشر التي اعماها الغرور، وقوى الايمان التي عرفت حقيقة الامور، في الدنيا لعيشها بطاعة الله والمال لله مكنهم فيه استخلافا لكسبه وانفاقه في ما امر الرازق الوهاب وكيفما امر، وانه خادم للانسان وقيمه وليس العكس،فهو وسيلة وليس غاية ولا يصح ان يكون منطلقا للتشريع وضابطا للتقنين . والسلطان للامة تولية من الامة لمن ينوب فيه عنها لقياد امرها الى ربها وتدبير امورها ورعايتها بما شرع، فهو مكانة ومنصب عبادة ورعاية وخدمة ومحاسبة في الدنيا والاخرة.ويابوا ان يسلموا سلطانهم الا لمن اقامهم على هدى الله ونوره والا رفضوه واقالوه. كما وان السيادة في الامة لشرع الله فهو الذي ينقاد اليه الناس بالرضى والحب والتسليم .. - فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما - . وعلموا ان الجاه كرامة من الله ، لمن اقام الدين وحفظ نفسه وامته به. فلا جاه عند المؤمنين لاهل الفسوق والضلال . ولا جاه ولا مكانة لمن يرضى لدينه المهانة او يرضى ان يعطي فيه الدنية، ولا لمن يبيع دينه بعرض زائل من اعراض الدنيا الفانية ، ولالمن يبيعه بلقيمات عيش او عظيمات يتكسبها بدينه. ففي ذلك السقوط والنذالة والخسة وليس الجاه والوجاهة والوقار ، وفي ذلك المهانة وليس المكانة.
ان الذين اصابهم وباء الغرور وضعوا انفسهم في مقام الخصومة المباشرة مع الله تعالى والله قاصم لكل متكبر متجبر مغرور واسمع ماذا يقول لمن سلم قياد نفسه للغرور:
(يا ايها الانسان ما غرك بريك الكريم) مذكرا له بمكارمه التي لا تحصى ولا تعد عليه والتي من شانها ان تقابلها بالاحسان وليس بالخصومة والكفران=وهل جزاء الاحسان الا الاحسان=
جعلنا الله واياكم من المحسنين واعاذنا الله واياكم من الغرور واهله والى لقاء جديد يطيب بكم استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم
اعزائي القراء الكرام ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :-
بدانا امس الكتابة للحلقة الاولى من هذه السلسلة على صفحتكم هذه ومقصدنا من هذه الدراسة القاء الضوء على طباع هذه النفس التي خلقها الله في احسن تقويم واسباب انحرافها وزيغها عن منهج الفطرة والانحدار والسفول بصاحبها، حيث ان دراسة السلوك الانساني والنفس الانسانية ، ومعرفة خباياها، وطباعها، من الامور الهامة لكل داع يحمل فكرا تغييريا، ولكل حامل لمشروع نهضوي يريد ان ينهض امته، ولازم لكل مفكر يريد ان يعالج ويبحث الانسان وقضاياه المصيرية والحياتية. ويلزم كل باحث يريد ان يحلل ويهتدي الى السنن الحياتية الربانية، من خلال دراسة سجل احداث البشرية-التاريخ- والذي هو سجل وقائع سلوك الانسان في الحياة.
وقد ابدع ابن خلدون رحمه الله- والذي انصح كل متصدر للعمل في مجال التغيير وحمل لواء الدعوة، قراءة مقدمته- في مقدمته المشهورة وتحليله لطبائع الشعوب والامم، وكذلك الشيخ المرحوم تقي الدين النبهاني احسن الله اليه في كتابه نظرات سياسية ، حيث ان الطباع انما هي مفاهيم وقيم انطبعت في النفس، فتمكنت منها واصبحت توجهها بما يشبه التوجيه العفوي او التلقائي.
وللوصول الى معرفة مجاهيل النفس البشرية وتعقيداتها ، ليس هناك من يخبرك عنها ويجلي لك غموض اعماقها، مثل من خلقها وسواها فالهمها فجورها وتقواها، وجعل لها الارادة للاختيار بين قوتين تتنازعان تلك النفس ، بصراع محتدم بينهما ويتجسد ذلك الصراع بين القوتين ايضا على ارض الواقع،حين يترجم الى سلوك وتصرف، بين من غلبت على نفسه قوة الشر والفجور وبين من غلبت على نفسه قوة االهدى والتقى الخيرة فانتقل الصراع الى حلبة الحياة ليبسط كل فريق سلطانه ونفوذه وليطوع كل الخلق لاتباع نهجه. ولا ينبئك مثل خبير - الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير - .
واية اليوم على صلة باية الامس التي تحدثت عن طغيان الانسان الذي يسببه الوهم والغرور فاذا استغنى الانسان بماله او علمه او جاهه او سلطانه او قدراته ،وغرته وقادته ليكفر ربه الذي خلقه فسواه فعدله في اي صورة ماشاء ركبه.
يقول الله عز وجل في مقطع حواري بين اهل الجنة من المؤمنين وبين المنافقين في دركهم الاسفل من النار الذين مرضت نفوسهم فانحرفت عن فطرة الايمان بالغرور اعاذنا الله منه (بنادونهم الم نكن معكم.قالوا بلى.ولكنكم فتنتم انفسكموتربصتم وارتبتم وغرتكم الاماني.حتى جاء امر الله وغركم بالله الغرور).
والغرور والتغرير كما قال عنه صاحب القاموس المحيط هو الخداع وغره اي اطمعه بالباطل.
وهو كل ما يغر الانسان ، من مال او منصب او سلطان اوجاه او شهوة...او زينة وزخرف الدنيا، او الشيطان وما يغرربهويمني النفس، او طول امل يؤمل النفس بالخلود وينسيها الموت وما بعده.
ان الغرور من اخطر الحالات المرضية التي تفتك بالنفس البشرية وتخرجها عن طبيعتها الانسانية وتحولها الى نفسية اجرامية عدوانية .لان الغرور يقود ضحاياه
الى الاستهانة بالاخرين واحتقار الحقوق والاستهتار بالواجبات والتفلت من الالتزامات
وعدم احترام الحق وعدم اداء الحقوق والاستخفاف بقيم الحياة ومفاهيمها فيحوله الى عاق عاقر لانسانيته والى كلب عقور يعقر بني جنسه وينهش لحوم ابناء جلدته منحطا بذلك عن طباع وحوش الغاب..﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ سورة الأعراف: 175-176 ]
ان داء الغرور خطير ويسعر نار الحرب والمعركة ويلهب اوارها بين قوى الشر التي اعماها الغرور، وقوى الايمان التي عرفت حقيقة الامور، في الدنيا لعيشها بطاعة الله والمال لله مكنهم فيه استخلافا لكسبه وانفاقه في ما امر الرازق الوهاب وكيفما امر، وانه خادم للانسان وقيمه وليس العكس،فهو وسيلة وليس غاية ولا يصح ان يكون منطلقا للتشريع وضابطا للتقنين . والسلطان للامة تولية من الامة لمن ينوب فيه عنها لقياد امرها الى ربها وتدبير امورها ورعايتها بما شرع، فهو مكانة ومنصب عبادة ورعاية وخدمة ومحاسبة في الدنيا والاخرة.ويابوا ان يسلموا سلطانهم الا لمن اقامهم على هدى الله ونوره والا رفضوه واقالوه. كما وان السيادة في الامة لشرع الله فهو الذي ينقاد اليه الناس بالرضى والحب والتسليم .. - فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما - . وعلموا ان الجاه كرامة من الله ، لمن اقام الدين وحفظ نفسه وامته به. فلا جاه عند المؤمنين لاهل الفسوق والضلال . ولا جاه ولا مكانة لمن يرضى لدينه المهانة او يرضى ان يعطي فيه الدنية، ولا لمن يبيع دينه بعرض زائل من اعراض الدنيا الفانية ، ولالمن يبيعه بلقيمات عيش او عظيمات يتكسبها بدينه. ففي ذلك السقوط والنذالة والخسة وليس الجاه والوجاهة والوقار ، وفي ذلك المهانة وليس المكانة.
ان الذين اصابهم وباء الغرور وضعوا انفسهم في مقام الخصومة المباشرة مع الله تعالى والله قاصم لكل متكبر متجبر مغرور واسمع ماذا يقول لمن سلم قياد نفسه للغرور:
(يا ايها الانسان ما غرك بريك الكريم) مذكرا له بمكارمه التي لا تحصى ولا تعد عليه والتي من شانها ان تقابلها بالاحسان وليس بالخصومة والكفران=وهل جزاء الاحسان الا الاحسان=
جعلنا الله واياكم من المحسنين واعاذنا الله واياكم من الغرور واهله والى لقاء جديد يطيب بكم استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.