بسم الله الرحمن الرحيم
الحلقة الرابعة =4= من سلسلة كيف نعقل ؟
رأينا فيما سبق كيف تاه العقل البشري باستعماله قياس الغائب على الحاضر، واتخاذه للواقع مقياسا للفكر، والحكم على ما هو فوق الواقع من خلال الواقع ، فأنتج اوهاما وضلالات سبح فيها الخيال ، وانتكس العقل لمرحلة الوثنية .
فالقياس حقيقة لا يكون الا بين متماثلين ومتشابهين يحملان نفس الصفات ، او توجد بينهما اوجه شبه متقاربة ، فيقاس الجنس بجنسه ، والنوع بنوعه ، والشبيه بشبيهه ، فكان من الخطأ الفظيع قياس الخالق على المخلوق ، فالخالق المبدع قطعا لا يقاس بالمخلوق العاجز الناقص المحدود ، لانه لا جنس له ولا نوع ( قل هو الله احد ) وبالتالي ( لم يكن له كفوا احد ) اي ( ليس كمثله شئ ) ، فصفات الخالق كمالية ، وصفات المخلوق عجزية ناقصة نسبية ( عجزية محدودة ) .
فالبحث في امر الوجود الاعظم واجب الوجود ، والاستدلال على وجوب وجوده -نعم يتم بالعقل ليصل العقل الى هذه الحقيقة العظمى ، وهي وجوب وجود الخالق المدبر من خلال آثاره في الوجود ، التي هي واقع مدرك محسوس ، فان وصل العقل الى هذه الحقيقة وجب عليه التوقف عندها ، منتظراً الاجابة عن صاحب الذات العلية منه تعالى ، فلا يتألى عليه بقول ولا بفعل ، فمنه نعرف عن ذاته ، ومنه ننتظر الخبر عن صفاته ، ومنه ننتظر الخبر عن مراده منا ، لماذا خلقنا ؟ وماذا هو فاعل بنا ؟ .
ومن هنا كان ضرورة الوحي وارسال الرسل والانبياء ، الذين يتلقون الوحي من الله عز وجل ، مبينا للعقل هداه ولصاحبه مساره ومنهاجه ، فلما كانت البشرية متمثلة في ابي البشر ءادم عليه السلام ، كان هو بذاته نبيا ورسولا لنفسه ولذريته ، ولما تكاثرت البشرية واختلفت وتنوعت وتعددت ألسنتها واماكن تواجدها ، كان من سنة الله عز وجل ان يرسل لكل قوم رسولا بلسانهم ..﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ ﴾ .(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمه لِيُبَيِّن لَهُمْ )
ولما نضجت البشرية ، وتقارب الزمان والمكان ، واصبح بالامكان تناقل الاخبار والمعارف بين البشر اختتم الله لهم الرسالات والنبوات بنبي ورسول آخر الزمان محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ما كَانَ مُحَمَّدٌ أبا أحَد مِنْ رِجالِكُم وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيينَ﴾(الاحزاب:40) .
وكان من سنة الله عز وجل ان يأييد انبيائه ورسله بآيات معجزات وبراهين بينات ، تقنع العقل بصدق نبوة النبي ورسالة الرسول ، وكانت كل آيات الرسل وبيناتهم المعجزة حسيةً ، تبهر من يراها وتولد عنده القطع واليقين بخرقها للعادة ، فتثبت نبوة الانبياء والمرسلين، ولما كان النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم -آخر الانبياء والرسل وخاتمهم ، وهو نبي آخر الزمان ، كانت معجزته وآية اثبات نبوته ورسالته معجزة عقلية ، تحمل معنى الديمومة لتبقى خالدة الى قيام الساعة ، فكان القرءان الكريم المعجز في نظمه ولفظه وبيانه ، المتكفل بحفظه من قبل رب العزة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، يعجز الفكر ويحار العقل امام تأليف كلماته وقوة بلاغتها واعجاز بيانها (الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) ، وحكمة تشريعاته ، فعجز اهل البلاغة والبيان عن معارضته والاتيان ولو بشئ منه على مدار الزمن ، مع تحديه للبشر ان يأتوا ولو بسورة من مثله ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ، وما زال التحدي قائماً ، وما زال يسقط كل من نهض لمجاراته ومحاكاته .
فثبت بذلك نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم - وقامت به الحجة على البشرية جمعاء ، فيكون ثبوت اعجازه وبالتالي الشهادة له انه من عند الله ثبت بالعقل ، حيث عجز العقل عن النهوض للاتيان بمثله من ناحية ، مع قدرته على ادراك فهمه ومعانيه ، فكان من الاعجاز ان تدرك فهمه وتدرك معانيه ولكن تقف عاجزاً امام نظمه ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) .
وبناءً على ما سبق فان العقل اثبت وما زال يثبت ليس حجية القرءان فحسب ، بل ووجوب مرجعيته للعقل - كونه كلام الله تعالى الموحى به الى رسوله صلى الله عليه وسلم ، خطاباً هادياً للبشرية بأكملها بين يدي الساعة ، بشيراً بالسعادة لمن تبعه واهتدى بهداه ، ونذيراً بالشقاء والتعاسة لمن خالفه وانتهج نهجاً سواه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) .
هنا يقف دور العقل امام هذا الاعجاز المعجز الباهر، فينتقل في نقطة تحول في تاريخ البشرية والحياة الانسانية ..اسمها الاسلام ، فاذا ما سلم العقل بهذا الاعجاز العظيم ، اصبح دوره الفهم والانقياد والاذعان والاستسلام لمراد الله المبين في هذا الوحي العظيم ، ويترتب على ذلك ان يتخذ الانسان القرءان وعقيدته اساساً ومنطلقاً للتفكير ، فبعقيدته يبنى العقل ، ومنها ينبثق التشريع والاحكام التي واجب العقل ادراكها وفهمها وفقهها فهما صحيحاً لتكون مقياس السلوك ومنطلقه ، كونها احكام الله المتعلقة بالواقع ومعالجته ، فشريعة الله المنبثقة من عقيدة الاسلام - القاعدة الفكرية الربانية الصانعة للعقل البشري المسلم ، هي منهاج الله الذي ارتضاه لاقامة حياة اهل الارض على اساسه (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) .
فلاسلام عقيدة النهضة الانسانية وشريعتها ومنهاجها ، ولن يكون للبشرية منهاج تسعد به غير الاسلام مهما حاولت ..قال تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) . فلن تجد البشرية طريقاً ومنهجاً للنهضة سوى هذا الدين العظيم الذي تكفل الله عز وجل بظهوره واظهاره على الدين كله ، والمستند في منظومته الفكرية الى الكتاب المحفوظ الذي انزله الله ليكون مهيمنا على الكتاب كله .
ونتوقف هنا في هذه الحلقة ولنا لقاء آخر بعون الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الحلقة الرابعة =4= من سلسلة كيف نعقل ؟
رأينا فيما سبق كيف تاه العقل البشري باستعماله قياس الغائب على الحاضر، واتخاذه للواقع مقياسا للفكر، والحكم على ما هو فوق الواقع من خلال الواقع ، فأنتج اوهاما وضلالات سبح فيها الخيال ، وانتكس العقل لمرحلة الوثنية .
فالقياس حقيقة لا يكون الا بين متماثلين ومتشابهين يحملان نفس الصفات ، او توجد بينهما اوجه شبه متقاربة ، فيقاس الجنس بجنسه ، والنوع بنوعه ، والشبيه بشبيهه ، فكان من الخطأ الفظيع قياس الخالق على المخلوق ، فالخالق المبدع قطعا لا يقاس بالمخلوق العاجز الناقص المحدود ، لانه لا جنس له ولا نوع ( قل هو الله احد ) وبالتالي ( لم يكن له كفوا احد ) اي ( ليس كمثله شئ ) ، فصفات الخالق كمالية ، وصفات المخلوق عجزية ناقصة نسبية ( عجزية محدودة ) .
فالبحث في امر الوجود الاعظم واجب الوجود ، والاستدلال على وجوب وجوده -نعم يتم بالعقل ليصل العقل الى هذه الحقيقة العظمى ، وهي وجوب وجود الخالق المدبر من خلال آثاره في الوجود ، التي هي واقع مدرك محسوس ، فان وصل العقل الى هذه الحقيقة وجب عليه التوقف عندها ، منتظراً الاجابة عن صاحب الذات العلية منه تعالى ، فلا يتألى عليه بقول ولا بفعل ، فمنه نعرف عن ذاته ، ومنه ننتظر الخبر عن صفاته ، ومنه ننتظر الخبر عن مراده منا ، لماذا خلقنا ؟ وماذا هو فاعل بنا ؟ .
ومن هنا كان ضرورة الوحي وارسال الرسل والانبياء ، الذين يتلقون الوحي من الله عز وجل ، مبينا للعقل هداه ولصاحبه مساره ومنهاجه ، فلما كانت البشرية متمثلة في ابي البشر ءادم عليه السلام ، كان هو بذاته نبيا ورسولا لنفسه ولذريته ، ولما تكاثرت البشرية واختلفت وتنوعت وتعددت ألسنتها واماكن تواجدها ، كان من سنة الله عز وجل ان يرسل لكل قوم رسولا بلسانهم ..﴿ يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ ﴾ .(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُول إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمه لِيُبَيِّن لَهُمْ )
ولما نضجت البشرية ، وتقارب الزمان والمكان ، واصبح بالامكان تناقل الاخبار والمعارف بين البشر اختتم الله لهم الرسالات والنبوات بنبي ورسول آخر الزمان محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ما كَانَ مُحَمَّدٌ أبا أحَد مِنْ رِجالِكُم وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيينَ﴾(الاحزاب:40) .
وكان من سنة الله عز وجل ان يأييد انبيائه ورسله بآيات معجزات وبراهين بينات ، تقنع العقل بصدق نبوة النبي ورسالة الرسول ، وكانت كل آيات الرسل وبيناتهم المعجزة حسيةً ، تبهر من يراها وتولد عنده القطع واليقين بخرقها للعادة ، فتثبت نبوة الانبياء والمرسلين، ولما كان النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم -آخر الانبياء والرسل وخاتمهم ، وهو نبي آخر الزمان ، كانت معجزته وآية اثبات نبوته ورسالته معجزة عقلية ، تحمل معنى الديمومة لتبقى خالدة الى قيام الساعة ، فكان القرءان الكريم المعجز في نظمه ولفظه وبيانه ، المتكفل بحفظه من قبل رب العزة (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، يعجز الفكر ويحار العقل امام تأليف كلماته وقوة بلاغتها واعجاز بيانها (الر ۚ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) ، وحكمة تشريعاته ، فعجز اهل البلاغة والبيان عن معارضته والاتيان ولو بشئ منه على مدار الزمن ، مع تحديه للبشر ان يأتوا ولو بسورة من مثله ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) ، وما زال التحدي قائماً ، وما زال يسقط كل من نهض لمجاراته ومحاكاته .
فثبت بذلك نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم - وقامت به الحجة على البشرية جمعاء ، فيكون ثبوت اعجازه وبالتالي الشهادة له انه من عند الله ثبت بالعقل ، حيث عجز العقل عن النهوض للاتيان بمثله من ناحية ، مع قدرته على ادراك فهمه ومعانيه ، فكان من الاعجاز ان تدرك فهمه وتدرك معانيه ولكن تقف عاجزاً امام نظمه ( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) .
وبناءً على ما سبق فان العقل اثبت وما زال يثبت ليس حجية القرءان فحسب ، بل ووجوب مرجعيته للعقل - كونه كلام الله تعالى الموحى به الى رسوله صلى الله عليه وسلم ، خطاباً هادياً للبشرية بأكملها بين يدي الساعة ، بشيراً بالسعادة لمن تبعه واهتدى بهداه ، ونذيراً بالشقاء والتعاسة لمن خالفه وانتهج نهجاً سواه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) .
هنا يقف دور العقل امام هذا الاعجاز المعجز الباهر، فينتقل في نقطة تحول في تاريخ البشرية والحياة الانسانية ..اسمها الاسلام ، فاذا ما سلم العقل بهذا الاعجاز العظيم ، اصبح دوره الفهم والانقياد والاذعان والاستسلام لمراد الله المبين في هذا الوحي العظيم ، ويترتب على ذلك ان يتخذ الانسان القرءان وعقيدته اساساً ومنطلقاً للتفكير ، فبعقيدته يبنى العقل ، ومنها ينبثق التشريع والاحكام التي واجب العقل ادراكها وفهمها وفقهها فهما صحيحاً لتكون مقياس السلوك ومنطلقه ، كونها احكام الله المتعلقة بالواقع ومعالجته ، فشريعة الله المنبثقة من عقيدة الاسلام - القاعدة الفكرية الربانية الصانعة للعقل البشري المسلم ، هي منهاج الله الذي ارتضاه لاقامة حياة اهل الارض على اساسه (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) .
فلاسلام عقيدة النهضة الانسانية وشريعتها ومنهاجها ، ولن يكون للبشرية منهاج تسعد به غير الاسلام مهما حاولت ..قال تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) . فلن تجد البشرية طريقاً ومنهجاً للنهضة سوى هذا الدين العظيم الذي تكفل الله عز وجل بظهوره واظهاره على الدين كله ، والمستند في منظومته الفكرية الى الكتاب المحفوظ الذي انزله الله ليكون مهيمنا على الكتاب كله .
ونتوقف هنا في هذه الحلقة ولنا لقاء آخر بعون الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .