بسم الله الرحمن الرحيم
نظرة في آيات الشفاعة في القران العظيم
الشفاعة فضل من الله تعالى يكرم به بعض عباده يوم القيامة فيأذن لهم أن يشفعوا لمن شاء من خلقه ممن لم يقترف كفراً أو شركاً، والشفاعة هي طلب الشافع الرحمة والمغفرة والتجاوز عن المشفوع له من المشفوع منه. قال تعالى: { قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون } الزمر (آية:44)، وهذه الآية ترد أمر الشفاعة جميعا لله تعالى، فهو الذي يأذن للشافع أن يشفع، وهو الذي أراد للمشفوع أن يُشفع فيه، وهو القادر على منع الشافع والمشفوع، كما أنه هو القادر على إعطاءها، فالأمر كله بيده منعاً وإعطاءاً .وقال تعالى: { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } مريم (آية:87) وهذه الآية دليل على إثبات الشفاعة، وأنها ليست منفية بإطلاق، بل هي مشروط بالإيمان وهو المقصود بالعهد في الآية، يقول الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: " لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد، يوم يحشر الله المتقين إليه وفداً الشفاعة، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله، فيشفع بعضهم لبعض { إِلا مَنِ اتَّخَذَ مِنْهُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ } في الدنيا { عَهْدًا } بالإيمان به، وتصديق رسوله، والإقرار بما جاء به، والعمل بما أمر به " أ.هـ .
ويقول تعالى: { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } طه (آية:109) وهذه الآية تثبت الشفاعة وتشترط لها شرطين إذن الله ورضاه عن قول المشفوع، وقوله هو شهادة التوحيد، فهذه الآية تتسق مع ما سبقها من أن الشفاعة لا تنال كافرا لكفره . ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } سبأ (آية:23) .
والمدقق والمتتبع لنصوص القران يجد انه قد ورد ذكر الشفاعة في الكتاب الحكيم في سور مختلفة لمناسبات شتى.ولأهمية الشفاعة فقد ورد ذكرها في العديد من الآيات، ولكن هذه الآيات ترددت في ذكرها بين النفي المطلق، والإثبات المقيد، ونحن نذكر جميع هذه الآيات ونبين معانيها، ونشرح كيف أن هذه الآيات – مع اختلاف ظاهرها - تتفق ولا تختلف، وتجتمع ولا تفترق .. ولا يظهر المراد من المجموع إلّا بعرض بعضها على بعض ، وتفسير الكل بالكل ، والآيات الواردة في الشفاعة تندرج تحت الأصناف التالية :
الصنف الأوّل : ما ينفي الشفاعة في بادئ الأمر.
يقول سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) ( سورة البقرة : الآية ۲٥٤.).
وهذا الصنف من الآيات هو المستمسك لمَن اعتقد بأنّ الشفاعة عقيدة اختلقها الكهّان . وسيتبين لك أنّ المنفي انما هو قسم خاص منها لا جميع أقسامها بقرينة أنّ المنفي قسم من أواصر الخلة لا جميعها ، وذلك بشهادة قوله سبحانه وتعالى : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) (سورة الزخرف : الآية ٦۷.).
الصنف الثاني : ما يرد الشفاعة المزعومة والمدعاة عند اليهود.
فيقول سبحانه : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) (سورة البقرة : الآية ٤۸.).
والآية جاءت في معرض خطابه سبحانه لليهود ، وهي تهدف إلى نفي الشفاعة المزعومة عندهم ، حيث كانوا يدعون ويقولون نحن أولاد الأنبياء ، وآباؤنا يشفعون لنا ، فصار ذلك ذريعة لارتكاب الموبقات والمعاصي وكبائر الاثم، وترك الفرائض ، فآيسهم الله من ذلك. قال الإمام الطبري في تفسيره: " إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها، لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل، وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه، وسيشفع لنا عنده آباؤنا. فأخبرهم الله جل وعز أن نفساً لا تجزي عن نفس شيئاً في القيامة، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه .. فآيسهم الله - جل ذكره - مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله - مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق، وخلافهم أمر الله في إتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - وما جاءهم به من عنده - بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم؛ وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم، وجعل ما سن فيهم من ذلك إماماً لكل من كان على مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله " أ.هـ .
الصنف الثالث : ما ينفي شمول الشفاعة للكفار.
يقول سبحانه ـ حاكياً عن الكفّار ـ : ( وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ) (سورة المدثر : الآيات ٤٦ ـ ٤۸.).
وهذ الصنف ناظر إلى نفي وجود شفيع ـ يوم القيامة ـ للكفّار الذين انقطعت علاقتهم بالله لكفرهم به وبرسله وكتبه ، كما انقطعت علاقتهم الروحيّة بالشفعاء الصالحين ، فلم يبق بينهم وبين الشفاعة أية صلة وعلاقة.
الصنف الرابع : ما ينفي صلاحية الأصنام للشفاعة.
يقول سبحانه : ( وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) (سورة الأنعام : الآية ۹٤ : ولاخط يونس : ۱۸ ، الروم : ۱۳ ، الزمر : ٤۳ ، يس : ۲۳.).
وهذا الصنف يرمي إلى نفي صلاحية الأصنام للشفاعة ؛ وذلك لأنّ العرب الجاهليين كانوا يعبدون الأصنام لاعتقادهم بشفاعتهم عند الله.
الصنف الخامس : ما يخصُّ الشفاعة بالله سبحانه.
يقول سبحانه : ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) ( سورة الأنعام : الآية ٥۱ ، ولاحظ الأنعام : ۷ ، السجدة : ٤ ، الزمر : ٤٤.).
وكون الشفاعة مختصة بالله لا ينافي ثبوتها لغيره بإذنه كما يعرب عنه آيات الصنف السادس التالية:-
الصنف السادس : ما يثبت الشفاعة لغيره بإذنه سبحانه.
يقول سبحانه : ( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) (سورة طه : الآية ۱۰۹.).
ويقول سبحانه : ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) (سوره البقرة : الآية ۲٥٥ ، ولاحظ يونس : ۳ ، مريم : ۸۷ ، سبأ : ۲۳ ، الزخرف : ۸٦.).
والجمع بين هذا الصنف وما سبقه واضح ، و انّ مقتضى التوحيد في الخلق والايجاد أنّه لا مؤثر في الكون إلّا اللّه ، وأن تأثير سائر العلل إنّما هو على وجه التبعية لإرادته سبحانه ومشيئته جل وعلا.
الصنف السابع : ما يسمّي مَن تُقْبل شفاعته.
ويتضمّن هذا الصنف أسماء بعض من تقبل شفاعتهم يوم القيامة.
يقوله سبحانه : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) (سورة الأنبياء : الآيات ۲٦ ـ ۲۸ ، ولاحظ النجم : ۲٦ ، غافر : ۷.). فصرح بأنّ الملائكة وحملة العرش تقبل شفاعتهم.
ويتحصّل من جمع الآيات أنّ الشفاعة تنقسم إلى شفاعة مرفوضة ، كالشفاعة التّي يعتقد بها اليهود ، وشفاعة الأصنام والاوثان وما في معناها، والشفاعة في حق الكفار، وإلى مقبولة ، وهي شفاعة الله سبحانه ، وشفاعة من أذن له ، وشفاعة الملائكة وحملة العرش ، وبالاحاطة بالأصناف السبعة ، تقدر على تمييز المرفوضة عن المقبولة. هذه جملة ما ورد في الشفاعة من آيات القرآن وهي تؤكد معنى واحدا أن الشفاعة ملك لله تعالى، وأنه سبحانه قد حرمها الكفار فلا يشفعون ولا يشفع لهم، وأنه سبحانه قد امتن على بعض عباده من الملائكة والأنبياء والشهداء والعلماء بالشفاعة تكريما لهم ورحمة بمن يشفعون .
وينبغي التنبيه هنا أن الشفاعة وإن كانت مثبتة بأدلة الكتاب والسنة إلا أن على المؤمن أن لا يركن على ذلك، فيصيب المعاصي ويأتي المنكرات أملاً أن ينالها، فالشفاعة جائزة وليست واجبة،فعلى المسلم أن يركن لرحمة الله وتوفيقه ثم أن يركن إلى الإيمان والعمل الصالح فهما أعظم شفيع يوم القيامة .
اللهم لا تحرمنا شفاعة نبيك ولا شفاعة الشافعين وارحمنا واسترنا فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض عليك يا ارحم الراحمين.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نظرة في آيات الشفاعة في القران العظيم
الشفاعة فضل من الله تعالى يكرم به بعض عباده يوم القيامة فيأذن لهم أن يشفعوا لمن شاء من خلقه ممن لم يقترف كفراً أو شركاً، والشفاعة هي طلب الشافع الرحمة والمغفرة والتجاوز عن المشفوع له من المشفوع منه. قال تعالى: { قل لله الشفاعة جميعاً له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون } الزمر (آية:44)، وهذه الآية ترد أمر الشفاعة جميعا لله تعالى، فهو الذي يأذن للشافع أن يشفع، وهو الذي أراد للمشفوع أن يُشفع فيه، وهو القادر على منع الشافع والمشفوع، كما أنه هو القادر على إعطاءها، فالأمر كله بيده منعاً وإعطاءاً .وقال تعالى: { لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً } مريم (آية:87) وهذه الآية دليل على إثبات الشفاعة، وأنها ليست منفية بإطلاق، بل هي مشروط بالإيمان وهو المقصود بالعهد في الآية، يقول الإمام الطبري في تفسير هذه الآية: " لا يملك هؤلاء الكافرون بربهم يا محمد، يوم يحشر الله المتقين إليه وفداً الشفاعة، حين يشفع أهل الإيمان بعضهم لبعض عند الله، فيشفع بعضهم لبعض { إِلا مَنِ اتَّخَذَ مِنْهُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ } في الدنيا { عَهْدًا } بالإيمان به، وتصديق رسوله، والإقرار بما جاء به، والعمل بما أمر به " أ.هـ .
ويقول تعالى: { يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا } طه (آية:109) وهذه الآية تثبت الشفاعة وتشترط لها شرطين إذن الله ورضاه عن قول المشفوع، وقوله هو شهادة التوحيد، فهذه الآية تتسق مع ما سبقها من أن الشفاعة لا تنال كافرا لكفره . ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى: { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } سبأ (آية:23) .
والمدقق والمتتبع لنصوص القران يجد انه قد ورد ذكر الشفاعة في الكتاب الحكيم في سور مختلفة لمناسبات شتى.ولأهمية الشفاعة فقد ورد ذكرها في العديد من الآيات، ولكن هذه الآيات ترددت في ذكرها بين النفي المطلق، والإثبات المقيد، ونحن نذكر جميع هذه الآيات ونبين معانيها، ونشرح كيف أن هذه الآيات – مع اختلاف ظاهرها - تتفق ولا تختلف، وتجتمع ولا تفترق .. ولا يظهر المراد من المجموع إلّا بعرض بعضها على بعض ، وتفسير الكل بالكل ، والآيات الواردة في الشفاعة تندرج تحت الأصناف التالية :
الصنف الأوّل : ما ينفي الشفاعة في بادئ الأمر.
يقول سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمْ الظَّالِمُونَ ) ( سورة البقرة : الآية ۲٥٤.).
وهذا الصنف من الآيات هو المستمسك لمَن اعتقد بأنّ الشفاعة عقيدة اختلقها الكهّان . وسيتبين لك أنّ المنفي انما هو قسم خاص منها لا جميع أقسامها بقرينة أنّ المنفي قسم من أواصر الخلة لا جميعها ، وذلك بشهادة قوله سبحانه وتعالى : ( الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ) (سورة الزخرف : الآية ٦۷.).
الصنف الثاني : ما يرد الشفاعة المزعومة والمدعاة عند اليهود.
فيقول سبحانه : ( وَاتَّقُوا يَوْمًا لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) (سورة البقرة : الآية ٤۸.).
والآية جاءت في معرض خطابه سبحانه لليهود ، وهي تهدف إلى نفي الشفاعة المزعومة عندهم ، حيث كانوا يدعون ويقولون نحن أولاد الأنبياء ، وآباؤنا يشفعون لنا ، فصار ذلك ذريعة لارتكاب الموبقات والمعاصي وكبائر الاثم، وترك الفرائض ، فآيسهم الله من ذلك. قال الإمام الطبري في تفسيره: " إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها، لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل، وكانوا يقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه، وسيشفع لنا عنده آباؤنا. فأخبرهم الله جل وعز أن نفساً لا تجزي عن نفس شيئاً في القيامة، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه .. فآيسهم الله - جل ذكره - مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله - مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق، وخلافهم أمر الله في إتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - وما جاءهم به من عنده - بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم؛ وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم، وجعل ما سن فيهم من ذلك إماماً لكل من كان على مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله " أ.هـ .
الصنف الثالث : ما ينفي شمول الشفاعة للكفار.
يقول سبحانه ـ حاكياً عن الكفّار ـ : ( وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّىٰ أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ) (سورة المدثر : الآيات ٤٦ ـ ٤۸.).
وهذ الصنف ناظر إلى نفي وجود شفيع ـ يوم القيامة ـ للكفّار الذين انقطعت علاقتهم بالله لكفرهم به وبرسله وكتبه ، كما انقطعت علاقتهم الروحيّة بالشفعاء الصالحين ، فلم يبق بينهم وبين الشفاعة أية صلة وعلاقة.
الصنف الرابع : ما ينفي صلاحية الأصنام للشفاعة.
يقول سبحانه : ( وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ) (سورة الأنعام : الآية ۹٤ : ولاخط يونس : ۱۸ ، الروم : ۱۳ ، الزمر : ٤۳ ، يس : ۲۳.).
وهذا الصنف يرمي إلى نفي صلاحية الأصنام للشفاعة ؛ وذلك لأنّ العرب الجاهليين كانوا يعبدون الأصنام لاعتقادهم بشفاعتهم عند الله.
الصنف الخامس : ما يخصُّ الشفاعة بالله سبحانه.
يقول سبحانه : ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) ( سورة الأنعام : الآية ٥۱ ، ولاحظ الأنعام : ۷ ، السجدة : ٤ ، الزمر : ٤٤.).
وكون الشفاعة مختصة بالله لا ينافي ثبوتها لغيره بإذنه كما يعرب عنه آيات الصنف السادس التالية:-
الصنف السادس : ما يثبت الشفاعة لغيره بإذنه سبحانه.
يقول سبحانه : ( يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ) (سورة طه : الآية ۱۰۹.).
ويقول سبحانه : ( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) (سوره البقرة : الآية ۲٥٥ ، ولاحظ يونس : ۳ ، مريم : ۸۷ ، سبأ : ۲۳ ، الزخرف : ۸٦.).
والجمع بين هذا الصنف وما سبقه واضح ، و انّ مقتضى التوحيد في الخلق والايجاد أنّه لا مؤثر في الكون إلّا اللّه ، وأن تأثير سائر العلل إنّما هو على وجه التبعية لإرادته سبحانه ومشيئته جل وعلا.
الصنف السابع : ما يسمّي مَن تُقْبل شفاعته.
ويتضمّن هذا الصنف أسماء بعض من تقبل شفاعتهم يوم القيامة.
يقوله سبحانه : ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) (سورة الأنبياء : الآيات ۲٦ ـ ۲۸ ، ولاحظ النجم : ۲٦ ، غافر : ۷.). فصرح بأنّ الملائكة وحملة العرش تقبل شفاعتهم.
ويتحصّل من جمع الآيات أنّ الشفاعة تنقسم إلى شفاعة مرفوضة ، كالشفاعة التّي يعتقد بها اليهود ، وشفاعة الأصنام والاوثان وما في معناها، والشفاعة في حق الكفار، وإلى مقبولة ، وهي شفاعة الله سبحانه ، وشفاعة من أذن له ، وشفاعة الملائكة وحملة العرش ، وبالاحاطة بالأصناف السبعة ، تقدر على تمييز المرفوضة عن المقبولة. هذه جملة ما ورد في الشفاعة من آيات القرآن وهي تؤكد معنى واحدا أن الشفاعة ملك لله تعالى، وأنه سبحانه قد حرمها الكفار فلا يشفعون ولا يشفع لهم، وأنه سبحانه قد امتن على بعض عباده من الملائكة والأنبياء والشهداء والعلماء بالشفاعة تكريما لهم ورحمة بمن يشفعون .
وينبغي التنبيه هنا أن الشفاعة وإن كانت مثبتة بأدلة الكتاب والسنة إلا أن على المؤمن أن لا يركن على ذلك، فيصيب المعاصي ويأتي المنكرات أملاً أن ينالها، فالشفاعة جائزة وليست واجبة،فعلى المسلم أن يركن لرحمة الله وتوفيقه ثم أن يركن إلى الإيمان والعمل الصالح فهما أعظم شفيع يوم القيامة .
اللهم لا تحرمنا شفاعة نبيك ولا شفاعة الشافعين وارحمنا واسترنا فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض عليك يا ارحم الراحمين.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.