أمريكا ومجازر إندونيسيا 1965: وردَت في عدد من البرقيات الرسمية التي رُفِعَتْ عنها السِّرِّية بيانات كانت معروفة ولكنها غير مُوثَّقَة بشأن درجة تورط الإمبريالية الأمريكية في تنفيذ المجازر الوحشية التي تَعَرّضَ لها الشيوعيون في إندونيسيا (وكذلك في ماليزيا) سنة 1965، وفي لجوء أمريكا المُسْتَمِر إلى العُنْف الدّموي والمجازر الجماعية كأداة رئيسة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وتُبَيِّنُ الوثائق المُفْرَجِ عنها تورّط السُّلُطات الرَّسْمِيّة الأمريكية في جرائم القتل الجماعي ودعم الدكتاتوريات العسكرية (في آسيا كما في أمريكا الجنوبية وغيرها)... تُعْتَبَرُ إندونيسيا رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وكان الحزب الشيوعي الإندونيسي ثالث أكبر حزب في العالم بعد الصين والاتحاد السوفيتي... التأمت في مدينة "باندونغ" بإندونيسيا الندوة التمهيدية لتأسيس حركة عدم الإنحياز (1955) وساهم أحمد سوكارنو، زعيم حركة استقلال إندونيسيا المناهض للاستعمار والرئيس الأول للبلاد في تحضير وانعقاد هذا المؤتمر، وفي تأسيس حركة عدم الإنحياز إلى جانب رئيس وزراء الهند "جواهرلال نهرو" وجمال عبد الناصر و"جوزيب بروز تيتو" وشوان لاي" وغيرهم من الزعماء، وحاولت الإمبريالية الإطاحة بالنظام الوطني في إندونيسيا (بقيادة أحمد سوكارنو) وتشويه صورة الرّئيس "سوكارنو" ودعمت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التمرد الإقليمي المسلح ضد الحكومة المركزية سنة 1958، إلى أن قبضت السلطات المحلية على الطيار الأمريكي (ألين بوب) الذي نَفَّذَ عمليات تفجير خَلَّفَتْ ضحايا من الجنود والمَدَنِيِّين الإندونيسيين، ثم تدهورت العلاقات في فترة إدارة الرئيس الأمريكي ليندون جونسون، وعزز سوكارنو التحالفات مع الأنظمة الإشتراكية وأصبَحَتْ تصريحاته مناهضة للولايات المتحدة بداية من العام 1964، وحاولت أمريكا الإطاحة بحكم "سوكارنو" عدة مرات وفشلت في ذلك، ولكن كان لها عدد من العُملاء داخل قيادة جيش إندونيسيا وفي الحكومة، وفي تشرين الأول/أكتوبر 1965، اتهم قائد الجيش الإندونيسي القوي ورجل أمريكا في قيادة الجيش "حاجي محمد سوهارتو"، الحزب الشيوعي في إندونيسيا بتنظيم محاولة انقلاب عقب اختطاف وقتل 6 من كبار ضباط الجيش، وبدأ الجيش تنفيذ عمليات إبادة منهجية لقرابة مليون إندونيسي سواء لانتمائهم إلى الحزب الشيوعي، أو لمجرد اتهامهم بإخفاء تعاطف أو ميول يسارية، ثم دَعمته الولايات المتحدة لتنفيذ انقلاب، فتولى السلطة وحكم كديكتاتور من 1965 إلى 1998، وبقيت أخبار هذه المجازر مَخْفِيّة، ولم تُنْشَرْ تفاصيلها في وسائل الإعلام وفي في منشورات مراكز البحث، ولكن الوثائق التي نشرتها مؤسسة أرشيف الأمن القومي (أمريكية، غير ربحية) والمركز الوطني لرفع السرية، تظهر فظاعة جريمة القتل الجماعي، وتكشفت مدى تورط السلطات الأمريكية في ارتكاب تلك المجازر، كما تبين الوثائق أن المسؤولين الأمريكيين كانوا يعرفون أن معظم ضحايا المجازر أبرياء، وساعدت أمريكا في قمع الصحافيين الذين حاولوا تغطية تلك الأحداث، وساهمت في نشر تقارير كاذبة، بتِعِلّة وقف انتشار الشيوعية، حيث شكلت إبادة الحزب الشيوعي الإندونيسي وصعود سوهارتو إلى السلطة نقطة تحول رئيسية في الحرب الباردة وانتصارًا هامًّا للإمبريالية الأمريكية، واعترف "روبرت مارتنز" أحد موظفي السفارة الأمريكية ( لصحيفة "واشنطن بوست" سنة 1990) أنه سلّم سنة 1965 قائمة بأسماء الشيوعيين إلى الجيش الإندونيسي، بهدف تغيير وجه التاريخ لصالح الإمبريالية الأمريكية في منطقة كانت الأفكار الشيوعية فيها مُنْتَشِرة في الأوساط الشعبية، وفق مقال نَشَرَتْهُ صحيفة "نيويورك تايمز" في حزيران/يونيو 1966 وبينت الوثائق تَعَرُّضَ تعرضت أعداد لا حصر لها من الأشخاص للتعذيب والاغتصاب والقتل بسبب اتهامهم بأنهم شيوعيون أو بالانتماء إلى أقلية عرقية، وقضى آلاف الأشخاص أكثر من عشر سنوات في السّجن دون توجيه تُهْمَةٍ لهم ودون مُحاكمة، وساعدت الولايات المتحدة حكومة "سوهارتو" في إنتاج شريط دعائي يقَدِّم صورًا مُزَيَّفَة لشيوعيين زائفين يُعذِبون ويقتلون ضباطا عسكريين (زائفين أيضًا)، ونشرت أمريكا الأساليب التي استخدمها "سوهارتو" لتُصبِحَ مصدر إلهام للاتجاهات اليمينية الأخرى المدعومة من واشنطن في جميع أنحاء العالم، وكانت مذابح إندونيسيا 1965 جزء من إستراتيجية أمريكية شاملة للإنتصار في الحرب الباردة... عن موقع"ذي أتلانتيك" 20/10/17
هذه مُجرَّد مُعاينة لتصميم تم اختياره من موقع Hitskin.com
تنصيب التصميم في منتداك • الرجوع الى صفحة بيانات التصميم