------بسم الله الرحمن الرحيم :-
(وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) 206 البقرة .
***************************************
1- اللغة:- قال الزبيدي في تاج العروس:- العِزُّ: خلاف الذُلِّ. وهو في الأصل: القُوَّة والشِّدَّة والغَلَبَة والرِّفعة والامْتِنَاع. يقال: عَزَّ يَعَزُّ -بالفتح للمضارع-: إذا اشتَدَّ وقَوِيَ، وبالكسر للمضارع: إذا قَوِيَ وامتَنَع، وبالضَّم: إذا غَلَب وقَهَر. ويقال: عَزَّ فلانٌ، أي: صَار عَزِيزًا، أي: قَوِيَ بعد ذِلَّة. وأعَزَّهُ الله. وهو يَعْتَزُّ بفلان، ورَجُلٌ عَزِيزٌ: مَنِيعٌ، لَا يُغْلب، وَلَا يُقْهر. وعَزَّ الشَّيء: إذا لم يُقْدَر عليه، وعَزَّ الشَّخص: قَوِيَ وبَرِئ من الذُّل.
2- التفسير:- قال ا بن كثير رحمه الله في تفسيره
قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، جاء إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأظهر الإسلام، وفي باطنه خلاف ذلك، وعن ابن عباس أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعابوهم، وقيل: بل ذلك عام في المنافقين كلهم وفي المؤمنين كلهم وهو الصحيح، وروى ابن جرير قال: حدثني محمد بن أبي معشر، وأخبرني أبو معشر نجيح، قال: سمعت سعيداً المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي، فقال سعيد: إن في بعض الكتب: إن عباداً ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، لبسو للناس مسوك الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين، قال اللّه تعالى: عليّ تجترئون وبي تغترون؟ وعزتي لأبعثن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران، فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب اللّه، فقال سعيد: وأين هو من كتاب اللّه؟ قال، قوله اللّه: { ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا} الآية. فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية، فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد ".
وقال القرطبي رحمه الله في تفسيره الجامع لاحكام القران:- هذه صفة الكافر والمنافق الذاهب بنفسه زهوا، ويكره للمؤمن أن يوقعه الحرج في بعض هذا. وقال عبد الله : كفى بالمرء إثما أن يقول له أخوه : اتق الله، فيقول : عليك بنفسك، مثلك يوصيني! والعزة : القوة والغلبة، من عزه يعزه إذا غلبه. ومنه { وعزني في الخطاب} [ص : 23] وقيل : العزة هنا الحمية، ومنه قول الشاعر : أخذته عزة من جهله ** فتولى مغضبا فعل الضجر وقيل : العزة هنا المنعة وشدة النفس، أي اعتز في نفسه وانتحى فأوقعته تلك العزة في الإثم حين أخذته وألزمته إياه. وقال قتادة : المعنى إذا قيل له مهلا ازداد إقداما على المعصية، والمعنى حملته العزة على الإثم. وقيل : أخذته العزة بما يؤثمه، أي ارتكب الكفر للعزة وحمية الجاهلية. ونظيره { بل الذين كفروا في عزة وشقاق} وقيل : الباء في { بالإثم} بمعنى اللام، أي أخذته العزة والحمية عن قبول الوعظ للإثم الذي في قلبه، وهو النفاق، ومنه قول عنترة يصف عرق الناقة : وكأن رُبًّا أو كُحَيْلا معقدا ** حش الوقود به جوانب قمقم أي حَشَّ الوقود له وقيل : الباء بمعنى مع، أي أخذته العزة مع الإثم، فمعنى الباء يختلف بحسب التأويلات. وذكر أن يهوديا كانت له حاجة عند هارون الرشيد، فاختلف إلى بابه سنة، فلم يقض حاجته، فوقف يوما على الباب، فلما خرج هارون سعى حتى وقف بين يديه وقال : اتق الله يا أمير المؤمنين! فنزل هارون عن دابته وخر ساجدا، فلما رفع رأسه أمر بحاجته فقضيت، فلما رجع قيل له : يا أمير المؤمنين، نزلت عن دابتك لقول يهودي! قال : لا، ولكن تذكرت قول الله تعالى { وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} .
وبالطبع هذا هو ديدن الطغاة والمتكبرين خلال مسيرة الزمن عبر القرون، انهم قوم لا يحبون الناصحين، ولا يسمعون لهم، ولا يسمحون لغيرهم ان يسمع لهم، بل يحبون المزينين لهم سوء فعالهم واعمالهم ، انهم يحبون نصائح الشياطين من الانس والجن الذين يقسمون زورا انهم لهم ناصحين كما فعل ابليس من قبل مع ابوينا فدلاهما بغرور فاخرجهما مما كانوا فيه من نعيم : ( وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ﴿٢١ الأعراف﴾
نعم انهم لايحبون الناصحين وتاخذهم العزة بالاثم حتى لو رأوا بوادر نذر الدمار والعذاب والخراب واصروا على ماهم فيه من غي تكبرا وعنادا وتعنتا وتجبرا :
(فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (79 الاعراف)... (فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ ۖ فَكَيْفَ آسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَافِرِينَ ﴿٩٣ الأعراف﴾
وانصح هنا بتدبر سورة الاعراف، مستودع قصص الناصحين مع اقوامهم ، ومصير الاقوام التي تكره الناصحين وتتكبر عليم، وتتعنت وتاخذهم العزة بالاثم فكان مصيرهم الهلاك والدمار....
نسال الله لنا ولكم العفو والعافية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2022-12-23, 3:00 pm عدل 3 مرات