عبد الغفار العطوي
التاريخ و السرد يلتقيان في أنهما مرويان ، و يشكلان الخلفية البارزة للحكايات و الحوادث و يتم الفصل بينهما لاحقا عندما يوضعان في إطارهما المنهجي ، لكنهما يتبادلان مواقعهما كما في تاريخ علم السرد (2) و نكاد لا نميز بينهما بوجود المشتركات، اللغة و الخيال و المؤلف ( الفاعل )و العالم ، و في حالة الرواية تكون الرواية هي البديل للعالم ( 3) بل يظهر انها ليست استبدالا للعالم فحسب و إنما هي إعادة تكوين له و بناء ، و ما كان ذلك إلا لأنها(تصف العالم المتحول ) كما رأى تودورف (4) و ان الرواية فعلان ، فعل سردي و فعل معرفي ، أما الفعل السردي فيتمثل في الكلام الذي يصنع كل صغيرة و كبيرة في الرواية ، و أما الفعل المعرفي فيتمثل في كل الكشوف التي يقدمها الكلام (5) لهذا تحسس الروائي عبد الرضا صالح محمد الفعلين الروائيين ، و اتجه نحو الكلام الخفي الذي يجمع ما بين القص و التاريخ فيما يسمى ما وراء القص التاريخي (6) حيث نجد التهكم على تناصية القص مع التاريخ من خلال التعامل مع الواقعات التاريخية بوصفها واقعات سردية
1-سبايا دولة الخرافة اعتمدت على الجمع بين الكتابة السردية و الكتابة التاريخية باعتبارهما نظرة قائمة على التحيز الايديولوجي ، و هذا هو الاساس في السخرية من التاريخ حين التماهي فيه و نقده عن طريق الرواية ما بعد الحداثي التي ادعي القدرة على انتاج جمالية القص التهكمي ، المتمثلة في العتبات الخارجية المؤدلجة ( في العنوان ) و الداخلية التي تبدأ من شعر السياب ( الشمس اجمل ) و الـ( إشارة ) التي تؤكد ان هذه رواية عن مدينة الموصل بعد احتلالها من قبل ما يسمى بعناصر دولة الخلافة في الشام و العراق الخ و انتهاء بتعليقات المؤلف و هو يتتبع حركة الحوادث السردية تبعا لحركة القمر في تحولاته ، كي نفهم ان الكتابة السردية هي كتابة تاريخية ، اتخذت من نكبة الاقليات العرقية ( المسيح و الايزيدية ) موضوعة لها ، و صنعت من البطل السردي (اسحاق حنا دانيال ) بطلا تاريخيا ، أي حولت البطل الزماني الى بطل دلالي ، من اجل تمرير السخرية السردية الى تهكم في التاريخ ، حيث طغيان الاقلية على الاكثرية ( المسيح على المسلمين ) و الجنوب على الشمال ، و تضخيم الصراع الهوياتي على حساب النزاع الجيوبوليتيكي بتبعيض الغايات و التشديد على التاريخانية، لأن المؤلف هنا عزل الإشكالية في الهوية التي يعاني منها المسيحيون في الشرق الاوسط و الحقها بالصراع بين المركز و الهوامش ، لهذا اختار الميتا سرد تاريخي لمواجهة الارتباك المنهجي في تجنيس ( الرواية ) و الاعتراف المسبق ان حضور العتبات و الوثائق التاريخية تصب في صلب الكتابة الروائية مابعد الحداثية ، أي ان المؤلف اراد القول ان هذه الرواية لا تعني بالتاريخ السردي ( نظرية لوكاش) انما في السرد في التاريخ ( نظرية باختين )
2-لماذا اختار المؤلف الهامش ( عائلة اسحاق حنا المسيحية ) التي نمت في الهامش ( الشيعة في الجنوب ــ العمارة ) و انتقلت الى الموصل ( المركز) مع ذلك ظلت هامشاً ، لأن ( داعش) في الاصل متغير في المركز العروبي الطارد للهوامش ، بينما جميع الطوائف و الاقليات هي هوامش مزاحة، و التآلف بينها هو من دفعها لخلق مراكز بديلة ، لهذا حينما قرر( اسحاق) إنقاذ عمته ( ميريام) من قبضة ( داعش) إنما كان يهدف الى إقامة بؤرة ارتكاز دلالية مناكفة للمركز ،بتضافر الهوامش التي تمثلها الشخصيات السردية ( دانيال – حنا- كاتي نفين –وليد – حيدر – ديلما ، سوزان، ليليان، جورج الحاج رمضان ابو آمنة الكاكا سعد العم توم الفيرا الخ) و نجاحه الهوليودي ينم عن تهكم السرد بالتاريخ و السخرية منه برغم التناص معه ، لأن بدت العوائق التي صاحبت الانقاذ من الهشاشة لدرجة عجيبة ، و تعليل ذلك خدعة الايديولوجيا التي اضفت على ( الاكشن) الذي رسمه المؤلف لبطله الإشكالي هالة من الامتياز و التعاطف جراء ما نقلته وسائل الميديا عن الفظائع و الجرائم التي قام بها التنظيم الوحشي مع الاقليات ، ليثبت ان الصراع الثقافي هو في الاصل صراع ايديولوجي و عمليات إزاحة عن الثوابت و تداخل في النصوص التي يؤسسها التاريخ و ينفيها السرد بالتحول الى نصوص مغايرة ،حيث يقول رولان بارت باستحالة العيش خارج النص اللانهائي (7)
إحالات
1- سبايا دولة الخرافة رواية عبد الرضا صالح محمد الطبعة الاولى 2017 دار امل الجديدة .
2- الرفيق الى النظرية السردية الجزء الاول تحرير جيمز فيلان ، بيتر رابينوفيتز ترجمة محمد عيتاني المركز القومي للترجمة القاهرة الطبعة الاولى 2016 ص 75 .
3- قراءة على هوامش السرد مساهمة في انشاء المعرفة الروائية د- منذر عياشي الطبعة الاولى 2017 دار نينوى سوريا ص 10 .
4- المصدر نفسه ص 14.
5- المصدر نفسه ص 89.
6- جماليات ما وراء القص دراسات في رواية ما بعد الحداثة مجموعة مؤلفين ترجمة اماني ابو رحمة دار نينوى سوريا 2010 ص 93 .
7- المصدر نفسه ص 99.