اثر الذنوب والمعاصي على العقل
العقل كما هو معلوم هو عملية تطلب عناصر عدة لتحصل وينتج عنها التفكير..فهو ليس قطعة او عضوا معينا في الجسم، وان تطلب وجود بعضها كالحواس والدماغ ..فهو ببساطة نقل للواقع المحسوس أي الذي يقع عليه الحس عن طريق احدى الحواس الى الدماغ، ويقوم الدماغ بربطه بما عنده من مخزون من المعلومات السابقة، فيحلله ويفسره ويصدر حكمه عليه، ويكون هذا الحكم الذي أصدره الدماغ على الواقع او فسره هو التفكير..فالتفكير اذا هو الحكم على واقع معين وقع عليه الحس فنقله للدماغ ففسره الدماغ بحسب ربطه بالمعلومات السابقة المخزنة في حجرات الدماغ.
ويظهر لنا هنا ان الواقع والحواس والدماغ ومخزونه من المعلومات السابقة هي عناصر اجراء العملية العقلية. فلذلك كلما اتسعت دائرة التخزين للمعلومات السابقة أي المفردات والاسماء التي تتطلبها عملية التفكير والعقل، كلما زادت قدرة الانسان على العقل والتفكير وكانت الفرصة مهياة لوجود سرعة البديهة لدى الانسان.
والانسان كرمه الله وفضله بما وهبه من العقل على سائر الخلق، فلذلك حرم الإسلام كل ما من شانه تشويه العقل او افساده، لان الانسان لا يستقيم امره وامر وجوده وحياته الا اذا استقام عقله وسلم من الافات والعلل، فلذلك حرم الخمر التي تخامر العقول وتغيبها وتستنزفها، وحرم الظلم والاضطهاد والاستعباد الذي يعتقل العقول ويدمرها وياسرها ...
واما الذنوب والمعاصي وهي مقارفة ما نهى الله تعالى عنه وحرمه من فعل او قول فان ادمانها ومقارفتها بلا شك مؤثر على العملية العقلية، ومؤثر على انتاجها من الفكر
قال الله تعالى : ((ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن)) الانعام151. ذلك ان تعود الفواحش والاثام واستمرائها بلا شك يؤثر على عملية العقل والفكر والاستجابات الانفعالية لها.. فتأثير الذنوب على العقل واضح للمتفطن النبيه حيث أنه كما أن المرآة تتسخ بسبب الغبار فلا يرى منها فكذلك العقل بسبب الذنوب تحصل فيه حجب وأغطية فلا يستطيع أن يتحرك في المجال السليم ولا يؤدي عمله المستقيم.. لان الذنوب وليدة الهوى والهوى مفسدة العقل, قال تعالى:- (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23 الجاثية). قال الإمام إبن القيم رحمه الله تعالى:- أن المعاصي تفسد العقل ، فإن للعقل نورا ، و المعصية تطفئ نور العقل و لابد، و إذا طفئ نوره ضعف و نقص. و قال بعض السلف عليهم رحمة الله: ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله ، و هذا ظاهر ، فإنه لو حضره عقله لحجزه عن المعصية و هو في قبضة الرب تعالى ، أو تحت قهره ، و هو مطلع عليه ، و في داره و على بساطه ، و ملائكته شهود عليه ناظرون إليه! و واعظ القرآن ينهاه ، و واعظ الإيمان ينهاه ، و واعظ الموت ينهاه ، و واعظ النار ينهاه . والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا و الآخرة أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور و اللذة بها. فهل يقدم على الاستهانة بذلك كله ، و الاستخفاف به ذو عقل سليم ؟.
قال عبدالله بن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تميت القلوب ••• و قد يورث الذل إدمانها
و ترك الذنوب حياة القلوب ••• و خير لنفسك عصيانها . [ الداء و الدواء ].
فالامة التي تفشوا فيها المعاصي والذنوب بلا شك تنحجب عنها افق التفكير والعقل وتصبح حياتها بهيمية لا إنسانية بشرية بما اتبعوا من الشهوات فقصر استعمال العقل عندهم على تحقيقها ، فالشهوات اذا سيطرت على النفس واستحكمت فيها ذللت العقل ليكون خادما لها، قال تعالى:- ((ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير)) 30 الشورى.
نسال الله لنا ولكم العفو والعافية والسلامة من الاثام ما ظهر منها وما بطن والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2022-10-14, 6:34 am عدل 2 مرات