داء الطيبة
فتح عينيه بصعوبة.. ألمٌ يسري بين ضلوعه.. كلّ شيءٍ حوله يبدو ضبابياً.. صمتٌ قاتل يقطعه صوت جهاز بالقرب منه موصولٍ بالقلب ينبّئ أنه مايزال على قيد الحياة.. همسٌ بين أطباء حوله بملابسهم البيضاء والخضراء.. لايكاد يفهم شيئاً من حديثهم سوى كلمة واحدة.. إنه طيّب..
طيّب.. آه كم يكره هذه الكلمة..! فهي لعنة وعار حلّ به منذ طفولته..
تذكّر أخاه حينما كان ينتهي من التهام نصيبه من الحلوى ثم يقترب منه قائلاً : تعال لنلعب معاً أنا الطاحون وأنت الطحان.. يفتح فمه.. هيا ضع الطعام في الطاحون.. وهكذا تنتهي اللعبة بانتصار أخيه.. أما هو فيسارع إلى حضن أمه التي تمسح دموعه ثم تؤنّبه بقولها: أنت طيّب يابنيّ.. غداً ستكبر وتفهم الحياة جيداً ..
وابن جيرانهم الذي كان يتقرّب منه ليستولي على كرته بمكر وخداع ويمضي الوقت يلعب ويمرح.. أمّا هو فينظر له بحسرة عاجزاً عن أيّ تصرّف.. كلّ ذلك لأنه مصاب بداء اسمه الطيبة..
ثمَّ تذكّر أيام المدرسة حيث كان يقضي معظم وقته في الدراسة والحفظ فيأتي رفاقه يسرقون معلوماته وينالون العلامات العالية ثم يبتسمون له بدهاء قائلين: يالك من طيّب..!
وأمّا فاتن زميلته في الجامعة وحبّه الأول والأوحد فكان يقضي الليل ينظم لها قصائدَ عشقه وهيامه.. كم عمل على إسعادها وكسب ودّها فكافأته ذات يوم بخبر خطبتها من صديقه المقرّب.. كانت صدمته حينها مضاعفة.. بصديقه موطنِ أسراره.. وحبيبته نبضِ قلبه..
لم ينسَ تلك اللحظة التي اقتربا منه وألقيا كلمة مواساة وحيدة كانت أقسى عليه من ألف طعنة خنجر : أنت طيّب..
آه.. لقد حاول مراراً استئصال تلك الطيبة التي لحقته كالعار.. لكنه لم يفلح.. بل كان في كل مرة يصاب بخيبة جديدة..
توالى شريط الخيبات أمامه.. لكنه انقطع فجأة بحقنة من أحد الأطباء..
غطّ بعدها في سبات عميق لم يدرِ أيصحو منه أم لا...
-----
ابتسام لبابيدي
فتح عينيه بصعوبة.. ألمٌ يسري بين ضلوعه.. كلّ شيءٍ حوله يبدو ضبابياً.. صمتٌ قاتل يقطعه صوت جهاز بالقرب منه موصولٍ بالقلب ينبّئ أنه مايزال على قيد الحياة.. همسٌ بين أطباء حوله بملابسهم البيضاء والخضراء.. لايكاد يفهم شيئاً من حديثهم سوى كلمة واحدة.. إنه طيّب..
طيّب.. آه كم يكره هذه الكلمة..! فهي لعنة وعار حلّ به منذ طفولته..
تذكّر أخاه حينما كان ينتهي من التهام نصيبه من الحلوى ثم يقترب منه قائلاً : تعال لنلعب معاً أنا الطاحون وأنت الطحان.. يفتح فمه.. هيا ضع الطعام في الطاحون.. وهكذا تنتهي اللعبة بانتصار أخيه.. أما هو فيسارع إلى حضن أمه التي تمسح دموعه ثم تؤنّبه بقولها: أنت طيّب يابنيّ.. غداً ستكبر وتفهم الحياة جيداً ..
وابن جيرانهم الذي كان يتقرّب منه ليستولي على كرته بمكر وخداع ويمضي الوقت يلعب ويمرح.. أمّا هو فينظر له بحسرة عاجزاً عن أيّ تصرّف.. كلّ ذلك لأنه مصاب بداء اسمه الطيبة..
ثمَّ تذكّر أيام المدرسة حيث كان يقضي معظم وقته في الدراسة والحفظ فيأتي رفاقه يسرقون معلوماته وينالون العلامات العالية ثم يبتسمون له بدهاء قائلين: يالك من طيّب..!
وأمّا فاتن زميلته في الجامعة وحبّه الأول والأوحد فكان يقضي الليل ينظم لها قصائدَ عشقه وهيامه.. كم عمل على إسعادها وكسب ودّها فكافأته ذات يوم بخبر خطبتها من صديقه المقرّب.. كانت صدمته حينها مضاعفة.. بصديقه موطنِ أسراره.. وحبيبته نبضِ قلبه..
لم ينسَ تلك اللحظة التي اقتربا منه وألقيا كلمة مواساة وحيدة كانت أقسى عليه من ألف طعنة خنجر : أنت طيّب..
آه.. لقد حاول مراراً استئصال تلك الطيبة التي لحقته كالعار.. لكنه لم يفلح.. بل كان في كل مرة يصاب بخيبة جديدة..
توالى شريط الخيبات أمامه.. لكنه انقطع فجأة بحقنة من أحد الأطباء..
غطّ بعدها في سبات عميق لم يدرِ أيصحو منه أم لا...
-----
ابتسام لبابيدي