تتألَّم لأنك تابع إقتصاديا وثقافياً
عادل سمارة
لا تحصل التبعية بقضاء وقدر، ولا حتى على يد الاستعمار فقط، بل على يد قوى محلية حاكمة ومستفيدة. ولذا، اي نظام أو حزب سياسي لا ينطلق من مفصلية وحاسمية الاقتصاد، المصالح المادية الطبقية، في التحليل الأخير هو هش وقابل للتبعية مهما علا خطابه السياسي او الديني كي يخفي الحبل السُرِّي بينه وبين سيده.
نعيش اليوم درس معركة الكبار، امريكا تقارع الصين اقتصادياً. كلاهما يلعب لعبة كاذبة. امريكا تتغنى بأن الصين ليست ديمقراطية وبانها لا تستورد من امريكا ما يكفي ولذا تتبنى سياسة الحمائية والدفاع عن الأمن القومي . يسميها البعض سياسة "قوموية" بهدف تشويه اي نضال قومي تحرري في محيط النظام العالمي.
أما الصين فتزعم بأنها حامية "حرية التجارة-تحرير التجارة الدولية- كما يكذبون جميعاً" وهي المبدا الأساس ، ظاهريا، في الاقتصاد العالمي خطاباً وعلاقات، بينما جوهرياً لا يلتزم بحرية التجارة سوى الأقوى والرابح.
لذا، فليحرق طلبة الاقتصاد كتبهم بعد التخرج، وليدخلوا في الاقتصاد السياسي ليعيدوا لعيونهم الإبصار ولعقولهم الوعي.
بكلمة، فإن الحماية هي مبدأ الراسماية المركزي ، وحرية التجارة مجرد غلاف من التضليل الوعيوي.
إذن، أين مفتاح فهم الصراع؟ هل غفُلت امريكا عن السياسة الاقتصادية الناعمة للصين، ولم تدرك ان الصين اختارت طريقا وسطياً بين الراسمالية والاشتراكية وهو طريق ترتب عليه تخدير الطبقات الشعبية هناك سواء بتصفية الكميونات الفلاحية وتوسيع الملكية الخاصة وصولا إلى تبلور طبقة برجوازية متوحشة إلى جانب المنافسة المرنة عالميا، وعدم تفكيك القطاع العام . أي لم تفلح التحليلات القائلة بأن النظام الصيني سوف يغادر الاشتراكية كلياً عبر تحرير الاقتصاد وما يتبعه من ازدهار ونمو مما يسمح للقطاع الخاص بأن يفوق دوره دور الدولة، ويتم تحرير القطاع المالي والمصرفي والعملة لتندمج الصين بشكلٍ كلي ودوني تتحكم به المؤسسات المالية الدولية.
وبأن نمو الصين سوف يبقى مجرد نمو ضمن التراكم الأولي دون القدرة لا على تطور متواصل ولا على تحكم بالفائض ولا على الانتقال إلى الاقتصاد المعرفي Know-how مما يُبقي على الصين ورشة أولية للشركات الغربية وخاصة الأميركية كما هو حال تركيا التي تلجمها امريكا متى شاءت! اي أن الخلافة بيد امريكا في التحليل الأخير، وهذا يجبُن عرب الدين السياسي عن مجرد التفكير فيه.
لذا، على سبيل المثال تدفقت إلى الصين الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتستغل العمال هناك وهذا أغوى امريكا، إلى أن جاء ترامب، فوجد الأمور قد أفلتت وبأن الصين تنزع، وإن بخبث، قيادة النظام الراسمالي العالمي من يد واشنطن. لذا، نجده يرتبك في محاولة لملمة الأمور فيضرب خبط عشواء كمن يصارع طواحين الهواء. وعليه، فإن خطة قتل الاشتراكية في الصين تنتهي كما يبدو برسملة التنين الذي كما يبدو ذاهب باتجاه ابتلاع بقية الأفاعي.
هذا الوصف هو لتوضيح ما هو أهم منه، أي: لماذا لا تتوجع الصين من الحرب الأمريكية؟ بينما تتفجَّع إيران وفنزويلا وغيرهما من الدول التي تحاربها أمريكا اقتصاديا أما سوريا فتحاربها أمريكا بالف وسيلة؟
بيت القصيد أن إقامة إقتصادات على اساس رأسمالي يعني أن البلد محكوم في التحليل الأخير بالعلاقات الاقتصادي للسوق الرأسمالية، أو بقانون القيمة العالمي، بتشابك المصالح وهو الأمر الذي تبقى اليد الطولى فيه للأقوى، فإما أن تبلغ مرتبة الأقوياء جدا، أو تكون تابعاً.
وفي هذا المناخ تكون كل دولة أمام ثلاثة خيارات:
· إما أن تذهب إلى فك الارتباط بالسوق العالمية ، مثلا كوبا وكوريا الديمقراطية واللتان رغم صغر حجمهما وإمكانياتهما لم تتوجعا، وعلى الأقل لم تركعا بعد قرابة سبعة عقود من الحرب الاقتصادية عليهما. (يسميها العقل التابع عقوبات في اعتراف بأن امريكا قائدة وسلطة شرعية ولها حق تأديب التوابع)
· أو بناء إقتصاد راسمالي قوي، وهذا لا يتأتى إلا لبلدان ضخمة كالصين والهند وإلى حد ما روسيا.
· أو تركع لما تفرضه عليها الدول الكبرى وخاصة أمريكا فتكون التوجعات والتفجعات.
إلى جانب خيارات الأنظمة، هناك خيارات المثقفين في هذا المجال. فكما تشكل عبر عقود طابور سادس ثقافي يخدم أنظمة التبعية والإمبريالية وحتى الصهيونية، نلاحظ أن نظيراً له، أو شبيه به يتبلور في خدمة ومديح النظام الصيني تحت زعم أنه نظام اشتراكي!فلا تقرأ لهم سوى المديح، خاصة حين يُدعى أحدهم لزيارة أو مؤتمر هناك! والخطير أن هؤلاء يلعبون مسبقاً دور تشويه والحيلولة دون تبلور شيوعي عربي حقيقي. وهم حتى حين يصفون الدور الوحشي الأمريكي لا يشيرون إلى أن الطريق الراسمالي في الصين هو خطير ايضاً!
وهكذا، بين صراع العمالقة، وصراخ التوابع وتوجعات المتفجعين وتذيُّل مثقف الطابور السادس /المثقف العضوي التقليدي المأجور لهم، ينتصب التحدي:
· لا بد من فك الارتباط
· ولا بد من بناء كتلة عربية كبرى اقتصادا وسياسة وثقافة. وهذه حربنا مع دُعاة الإقليمية والجهوية والإثنية والطائفية ومع الأجنبي ومع يسار يتذيَّل للصين ودين سياسي يتذيل لتركيا، فأية فاجعة.
عادل سمارة
لا تحصل التبعية بقضاء وقدر، ولا حتى على يد الاستعمار فقط، بل على يد قوى محلية حاكمة ومستفيدة. ولذا، اي نظام أو حزب سياسي لا ينطلق من مفصلية وحاسمية الاقتصاد، المصالح المادية الطبقية، في التحليل الأخير هو هش وقابل للتبعية مهما علا خطابه السياسي او الديني كي يخفي الحبل السُرِّي بينه وبين سيده.
نعيش اليوم درس معركة الكبار، امريكا تقارع الصين اقتصادياً. كلاهما يلعب لعبة كاذبة. امريكا تتغنى بأن الصين ليست ديمقراطية وبانها لا تستورد من امريكا ما يكفي ولذا تتبنى سياسة الحمائية والدفاع عن الأمن القومي . يسميها البعض سياسة "قوموية" بهدف تشويه اي نضال قومي تحرري في محيط النظام العالمي.
أما الصين فتزعم بأنها حامية "حرية التجارة-تحرير التجارة الدولية- كما يكذبون جميعاً" وهي المبدا الأساس ، ظاهريا، في الاقتصاد العالمي خطاباً وعلاقات، بينما جوهرياً لا يلتزم بحرية التجارة سوى الأقوى والرابح.
لذا، فليحرق طلبة الاقتصاد كتبهم بعد التخرج، وليدخلوا في الاقتصاد السياسي ليعيدوا لعيونهم الإبصار ولعقولهم الوعي.
بكلمة، فإن الحماية هي مبدأ الراسماية المركزي ، وحرية التجارة مجرد غلاف من التضليل الوعيوي.
إذن، أين مفتاح فهم الصراع؟ هل غفُلت امريكا عن السياسة الاقتصادية الناعمة للصين، ولم تدرك ان الصين اختارت طريقا وسطياً بين الراسمالية والاشتراكية وهو طريق ترتب عليه تخدير الطبقات الشعبية هناك سواء بتصفية الكميونات الفلاحية وتوسيع الملكية الخاصة وصولا إلى تبلور طبقة برجوازية متوحشة إلى جانب المنافسة المرنة عالميا، وعدم تفكيك القطاع العام . أي لم تفلح التحليلات القائلة بأن النظام الصيني سوف يغادر الاشتراكية كلياً عبر تحرير الاقتصاد وما يتبعه من ازدهار ونمو مما يسمح للقطاع الخاص بأن يفوق دوره دور الدولة، ويتم تحرير القطاع المالي والمصرفي والعملة لتندمج الصين بشكلٍ كلي ودوني تتحكم به المؤسسات المالية الدولية.
وبأن نمو الصين سوف يبقى مجرد نمو ضمن التراكم الأولي دون القدرة لا على تطور متواصل ولا على تحكم بالفائض ولا على الانتقال إلى الاقتصاد المعرفي Know-how مما يُبقي على الصين ورشة أولية للشركات الغربية وخاصة الأميركية كما هو حال تركيا التي تلجمها امريكا متى شاءت! اي أن الخلافة بيد امريكا في التحليل الأخير، وهذا يجبُن عرب الدين السياسي عن مجرد التفكير فيه.
لذا، على سبيل المثال تدفقت إلى الصين الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتستغل العمال هناك وهذا أغوى امريكا، إلى أن جاء ترامب، فوجد الأمور قد أفلتت وبأن الصين تنزع، وإن بخبث، قيادة النظام الراسمالي العالمي من يد واشنطن. لذا، نجده يرتبك في محاولة لملمة الأمور فيضرب خبط عشواء كمن يصارع طواحين الهواء. وعليه، فإن خطة قتل الاشتراكية في الصين تنتهي كما يبدو برسملة التنين الذي كما يبدو ذاهب باتجاه ابتلاع بقية الأفاعي.
هذا الوصف هو لتوضيح ما هو أهم منه، أي: لماذا لا تتوجع الصين من الحرب الأمريكية؟ بينما تتفجَّع إيران وفنزويلا وغيرهما من الدول التي تحاربها أمريكا اقتصاديا أما سوريا فتحاربها أمريكا بالف وسيلة؟
بيت القصيد أن إقامة إقتصادات على اساس رأسمالي يعني أن البلد محكوم في التحليل الأخير بالعلاقات الاقتصادي للسوق الرأسمالية، أو بقانون القيمة العالمي، بتشابك المصالح وهو الأمر الذي تبقى اليد الطولى فيه للأقوى، فإما أن تبلغ مرتبة الأقوياء جدا، أو تكون تابعاً.
وفي هذا المناخ تكون كل دولة أمام ثلاثة خيارات:
· إما أن تذهب إلى فك الارتباط بالسوق العالمية ، مثلا كوبا وكوريا الديمقراطية واللتان رغم صغر حجمهما وإمكانياتهما لم تتوجعا، وعلى الأقل لم تركعا بعد قرابة سبعة عقود من الحرب الاقتصادية عليهما. (يسميها العقل التابع عقوبات في اعتراف بأن امريكا قائدة وسلطة شرعية ولها حق تأديب التوابع)
· أو بناء إقتصاد راسمالي قوي، وهذا لا يتأتى إلا لبلدان ضخمة كالصين والهند وإلى حد ما روسيا.
· أو تركع لما تفرضه عليها الدول الكبرى وخاصة أمريكا فتكون التوجعات والتفجعات.
إلى جانب خيارات الأنظمة، هناك خيارات المثقفين في هذا المجال. فكما تشكل عبر عقود طابور سادس ثقافي يخدم أنظمة التبعية والإمبريالية وحتى الصهيونية، نلاحظ أن نظيراً له، أو شبيه به يتبلور في خدمة ومديح النظام الصيني تحت زعم أنه نظام اشتراكي!فلا تقرأ لهم سوى المديح، خاصة حين يُدعى أحدهم لزيارة أو مؤتمر هناك! والخطير أن هؤلاء يلعبون مسبقاً دور تشويه والحيلولة دون تبلور شيوعي عربي حقيقي. وهم حتى حين يصفون الدور الوحشي الأمريكي لا يشيرون إلى أن الطريق الراسمالي في الصين هو خطير ايضاً!
وهكذا، بين صراع العمالقة، وصراخ التوابع وتوجعات المتفجعين وتذيُّل مثقف الطابور السادس /المثقف العضوي التقليدي المأجور لهم، ينتصب التحدي:
· لا بد من فك الارتباط
· ولا بد من بناء كتلة عربية كبرى اقتصادا وسياسة وثقافة. وهذه حربنا مع دُعاة الإقليمية والجهوية والإثنية والطائفية ومع الأجنبي ومع يسار يتذيَّل للصين ودين سياسي يتذيل لتركيا، فأية فاجعة.