خصوصية "النكبة" في ذكراها الثانية والسبعين
· 15-05-2020
واشنطن – "القدس" دوت كوم- سعيد عريقات –
اليوم يمثل الذكرى الثانية والسبعين "للنكبة الفلسطينية"، ومنذ 72 عاما والفلسطينيون يحيون سنويا هذه الذكرى في الوطن والشتات ، مؤكدين تمسكهم بحق العودة إلى ديارهم التي هُجروا منها قسرا عام 1948.
ويُطلق الفلسطينيون مصطلح "النكبة" على عملية تهجيرهم من أراضيهم، على أيدي "عصابات صهيونية مسلحة" عام 1948، التي تستمر سمتها الأساسية ليومنا هذا: سرقة الأرض الفلسطينية وطرد الشعب الفلسطيني منها، وإخضاع الأراضي التي لم يتم طرده منها بعد للاضطهاد والسيطرة التامة. ولذلك فإن "النكبة" عملية مستمرة ، يجب رفض التعامل معها كحدث منفصل بدأ وانتهى في حرب عام 1948 وتداعياتها، بل أكثر من ذلك، فهي مستمرة منذ 140 عام، أو منذ بدء وصول الغزاة الصهاينة الأوائل واستيطانهم للأرض الفلسطينية بتشجيع ودعم كولينيالي أوروبي في نهاية القرن التاسع عشر.
يتوجب علينا أن نتذكر (أو نسجل) أن أول من استخدم تعبير "النكبة" لوصف الإجرام والفتك الصهيوني الغربي بفلسطين والفلسطينيين كان المفكر القومي العربي السوري قسطنطين زريق، الذي خرج بوصفه أثناء عملية الذبح الصهيوني والتنظيف العرقي للفلسطينيين (في حرب 1948) ، وسجلها بكتابه الشهير الذي صدر في شهر آب من عام 1948 "معنى النكبة".
لكن مصطلح "النكبة" بات أكثر شيوعا وأكثر دقة لوصف الهجمة الصهيونية الغربية المتوحشة لإلغاء الوجود الفلسطيني، أصبح منقوشا في الذاكرة الفلسطينية بعد أن نشر المؤلف والمفكر والصحفي الفلسطيني عارف العارف في كتابه الكبير، المؤلف من مجلدات عدة وأرخ فيه أحداث 1947 – 1952.
آخرون لقبوها بألقاب مختلفة : المفكر الأردني عبدالله التل وصفها ب"الكارثة" في كتابه "كارثة فلسطين" (1959)، فيما سماها المفكر القومي الفلسطيني محمد عزة دروزة ب "المأساة" في كتابه "مأساة فلسطين" (أيضا عام 1959) .
ذكرى هذا العام مختلفة، في ظل هجمة غير مسبوقة تستهدف الإجهاز مرة وإلى الأبد المشروع التحرري الفلسطيني ، وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة وإجبارهم على الاستسلام الكامل والأخير . ولكن قبل أن نفسر خصوصية الذكرى ال72، دعونا نسجل الحقائق التالية:
في العام 1948، هجرت العصابات الصهيونية قرابة 800 ألف من أصل 1.4 مليون فلسطيني، من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة. كما تم تهجير آلاف آخرين، لكنهم ظلوا داخل نطاق الأراضي التي خضعت لسيطرة إسرائيل لاحقا. وبحسب بيانات رسمية فلسطينية، ارتكبت العصابات الصهيونية، خلال "النكبة"، أكثر من 70 مجزرة ومذبحة بحق الفلسطينيين؛ ما أودى بحياة ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني، فيما سيطر الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب 1948 "النكبة"، على 774 قرية ومدينة فلسطينية، دمر 531 منها بالكامل، وما تبقى تم إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه.
ووفقا للجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، فإن عدد الفلسطينيين تزايد 9 مرات منذ النكبة، ليبلغ بنهاية 2019 عام نحو 14 مليون نسمة، منهم 6.02 ملايين لاجئ. وبحسب الجهاز ، فإن نحو 28.4 بالمئة من اللاجئين يعيشون في 58 مخيما رسميا تتبع لوكالة "أونروا" الأممية، بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 في سوريا، و12 في لبنان، و19 في الضفة الغربية (بما فيها القدس)، و8 مخيمات في غزة.
وبحسب الجهاز أيضا ، فإن البيانات الإحصائية أظهرت أن اللاجئين يشكلون 43 بالمئة من الفلسطينيين المقيمين في فلسطين (في نهاية عام 2017).
لكن تلك التقديرات تمثل الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين؛ لوجود عدد غير مسجل لدى "أونروا"، إذ لا يشمل الإحصاء من تم تشريدهم بعد 1949، وحتى عشية حرب يونيو 1967، وأيضا من تم ترحيلهم على خلفية تلك الحرب.
ومن بين العدد الإجمالي للفلسطينيين حول العالم، يعيش حوالي سبعة ملايين نسمة (49 بالمئة) في "فلسطين التاريخية"، وهي: الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة وإسرائيل (الأراضي المحتلة عام 1948).
خصوصية الذكرى لهذا العام:
بعد حوالي ثلاث سنوات من صعود ترامب إلى السلطة، أقدمت إدارته على نشر خطتها الأحادية المعروفة باسم "صفقة القرن" التي كانت قد روّجت وسرّبت عناصرها الرئيسة فيما يتعلق بالقدس واللاجئين والمستوطنات، بعد أن وضعتها موضع التنفيذ العملي وفقاً لمبدأ فرض السلام بالقوة وفرض الحلول والإملاءات. وحاولت ، بالشراكة مع سلطة الاحتلال، تغيير الحقائق وتزييف التاريخ واختلاق رواية إيديولوجية تفرضها على العالم بما يتوافق مع مصالح إسرائيل العنصرية، ويضمن تفوقها الأمني والإستراتيجي عسكرياً واقتصادياً ليس على فلسطين فحسب بل على المنطقة برمتها، ملقية بذلك قواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة في سلة المهملات لصالح اتفاق أحادي يتم تنفيذه بين الوسيط الأوحد وأحد طرفي الصراع من خلال لجان مشتركة بين ثنائي الصفقة ترامب ونتنياهو.
وتقدم "صفقة القرن" أبرز مكامن التواطؤ بين ترامب ونتنياهو لتصفية القضية والوجود الوطني للشعب الفلسطيني لصالح استكمال المشروع الصهيوني الهادف إلى بناء "إسرائيل الكبرى".
يعني ذلك استمرار الاحتلال الإسرائيلي تحت عنوان احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية المطلقة على جميع الأراضي غربي نهر الأردن وحتى البحر الأبيض المتوسط.
وفقاً للتجربة فإن من يسيطر على الأمن يسيطر على كل شيء، فمنح إسرائيل الحق في الحكم على الأداء الأمني للسلطة الوطنية الفلسطينية يعني بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية إلى الأبد. والمطلوب اليوم هو ترسيخ هذا الاحتلال الاستعماري لفلسطين برضا وموافقة فلسطينية، وبمساعدة دول عربية.
خطة صفقة القرن في أبرز مفاهيمها، والتي تحاول فيها إدارة ترامب وإسرائيل تضليل العالم بشكل مدروس، فإن هذه الصفقة الثنائية اخترعت تاريخاً جديداً مزيفاً ينسجم مع المستقبل الذي تلبي فيه إدارة ترامب أحلام وطموحات إسرائيل بإلغاء الوجود الفلسطيني وهويته الوطنية لصالح ضمان وجودها وهيمنتها على فلسطين والمنطقة برمتها. كما أن "صفقة القرن" بلغتها الاستعلائية والعنصرية المتعجرفة ، تحط من شأن وتاريخ الشعب الفلسطيني وحقه المتجذر في أرضه وأراضي أجداده.
والحقيقة هي ، إن ما هذه الخطة، "صفقة القرن"، إلا امتداداً لوعد بلفور ووليده "قانون القومية" العنصري، بما في ذلك الاعتراف بالاحتلال والقبول باستمراره، مروراً بضم القدس والأغوار والمستوطنات، وترسيم نظام الفصل العنصري، وإلغاء لأي سيادة محتملة للفلسطينيين في أي جزء جزء من أرضهم ، وانتهاء ً برفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها قسراً.
كل ذلك حدث وتطور تحت أوهام "رحلة الضياع الفلسطيني" سعيا وراء حل الدولتين الذي يظهر اليوم على حقيقته: مستحيلا.
· 15-05-2020
واشنطن – "القدس" دوت كوم- سعيد عريقات –
اليوم يمثل الذكرى الثانية والسبعين "للنكبة الفلسطينية"، ومنذ 72 عاما والفلسطينيون يحيون سنويا هذه الذكرى في الوطن والشتات ، مؤكدين تمسكهم بحق العودة إلى ديارهم التي هُجروا منها قسرا عام 1948.
ويُطلق الفلسطينيون مصطلح "النكبة" على عملية تهجيرهم من أراضيهم، على أيدي "عصابات صهيونية مسلحة" عام 1948، التي تستمر سمتها الأساسية ليومنا هذا: سرقة الأرض الفلسطينية وطرد الشعب الفلسطيني منها، وإخضاع الأراضي التي لم يتم طرده منها بعد للاضطهاد والسيطرة التامة. ولذلك فإن "النكبة" عملية مستمرة ، يجب رفض التعامل معها كحدث منفصل بدأ وانتهى في حرب عام 1948 وتداعياتها، بل أكثر من ذلك، فهي مستمرة منذ 140 عام، أو منذ بدء وصول الغزاة الصهاينة الأوائل واستيطانهم للأرض الفلسطينية بتشجيع ودعم كولينيالي أوروبي في نهاية القرن التاسع عشر.
يتوجب علينا أن نتذكر (أو نسجل) أن أول من استخدم تعبير "النكبة" لوصف الإجرام والفتك الصهيوني الغربي بفلسطين والفلسطينيين كان المفكر القومي العربي السوري قسطنطين زريق، الذي خرج بوصفه أثناء عملية الذبح الصهيوني والتنظيف العرقي للفلسطينيين (في حرب 1948) ، وسجلها بكتابه الشهير الذي صدر في شهر آب من عام 1948 "معنى النكبة".
لكن مصطلح "النكبة" بات أكثر شيوعا وأكثر دقة لوصف الهجمة الصهيونية الغربية المتوحشة لإلغاء الوجود الفلسطيني، أصبح منقوشا في الذاكرة الفلسطينية بعد أن نشر المؤلف والمفكر والصحفي الفلسطيني عارف العارف في كتابه الكبير، المؤلف من مجلدات عدة وأرخ فيه أحداث 1947 – 1952.
آخرون لقبوها بألقاب مختلفة : المفكر الأردني عبدالله التل وصفها ب"الكارثة" في كتابه "كارثة فلسطين" (1959)، فيما سماها المفكر القومي الفلسطيني محمد عزة دروزة ب "المأساة" في كتابه "مأساة فلسطين" (أيضا عام 1959) .
ذكرى هذا العام مختلفة، في ظل هجمة غير مسبوقة تستهدف الإجهاز مرة وإلى الأبد المشروع التحرري الفلسطيني ، وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة وإجبارهم على الاستسلام الكامل والأخير . ولكن قبل أن نفسر خصوصية الذكرى ال72، دعونا نسجل الحقائق التالية:
في العام 1948، هجرت العصابات الصهيونية قرابة 800 ألف من أصل 1.4 مليون فلسطيني، من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة. كما تم تهجير آلاف آخرين، لكنهم ظلوا داخل نطاق الأراضي التي خضعت لسيطرة إسرائيل لاحقا. وبحسب بيانات رسمية فلسطينية، ارتكبت العصابات الصهيونية، خلال "النكبة"، أكثر من 70 مجزرة ومذبحة بحق الفلسطينيين؛ ما أودى بحياة ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني، فيما سيطر الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب 1948 "النكبة"، على 774 قرية ومدينة فلسطينية، دمر 531 منها بالكامل، وما تبقى تم إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه.
ووفقا للجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء، فإن عدد الفلسطينيين تزايد 9 مرات منذ النكبة، ليبلغ بنهاية 2019 عام نحو 14 مليون نسمة، منهم 6.02 ملايين لاجئ. وبحسب الجهاز ، فإن نحو 28.4 بالمئة من اللاجئين يعيشون في 58 مخيما رسميا تتبع لوكالة "أونروا" الأممية، بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 في سوريا، و12 في لبنان، و19 في الضفة الغربية (بما فيها القدس)، و8 مخيمات في غزة.
وبحسب الجهاز أيضا ، فإن البيانات الإحصائية أظهرت أن اللاجئين يشكلون 43 بالمئة من الفلسطينيين المقيمين في فلسطين (في نهاية عام 2017).
لكن تلك التقديرات تمثل الحد الأدنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين؛ لوجود عدد غير مسجل لدى "أونروا"، إذ لا يشمل الإحصاء من تم تشريدهم بعد 1949، وحتى عشية حرب يونيو 1967، وأيضا من تم ترحيلهم على خلفية تلك الحرب.
ومن بين العدد الإجمالي للفلسطينيين حول العالم، يعيش حوالي سبعة ملايين نسمة (49 بالمئة) في "فلسطين التاريخية"، وهي: الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة وإسرائيل (الأراضي المحتلة عام 1948).
خصوصية الذكرى لهذا العام:
بعد حوالي ثلاث سنوات من صعود ترامب إلى السلطة، أقدمت إدارته على نشر خطتها الأحادية المعروفة باسم "صفقة القرن" التي كانت قد روّجت وسرّبت عناصرها الرئيسة فيما يتعلق بالقدس واللاجئين والمستوطنات، بعد أن وضعتها موضع التنفيذ العملي وفقاً لمبدأ فرض السلام بالقوة وفرض الحلول والإملاءات. وحاولت ، بالشراكة مع سلطة الاحتلال، تغيير الحقائق وتزييف التاريخ واختلاق رواية إيديولوجية تفرضها على العالم بما يتوافق مع مصالح إسرائيل العنصرية، ويضمن تفوقها الأمني والإستراتيجي عسكرياً واقتصادياً ليس على فلسطين فحسب بل على المنطقة برمتها، ملقية بذلك قواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة في سلة المهملات لصالح اتفاق أحادي يتم تنفيذه بين الوسيط الأوحد وأحد طرفي الصراع من خلال لجان مشتركة بين ثنائي الصفقة ترامب ونتنياهو.
وتقدم "صفقة القرن" أبرز مكامن التواطؤ بين ترامب ونتنياهو لتصفية القضية والوجود الوطني للشعب الفلسطيني لصالح استكمال المشروع الصهيوني الهادف إلى بناء "إسرائيل الكبرى".
يعني ذلك استمرار الاحتلال الإسرائيلي تحت عنوان احتفاظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية المطلقة على جميع الأراضي غربي نهر الأردن وحتى البحر الأبيض المتوسط.
وفقاً للتجربة فإن من يسيطر على الأمن يسيطر على كل شيء، فمنح إسرائيل الحق في الحكم على الأداء الأمني للسلطة الوطنية الفلسطينية يعني بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية إلى الأبد. والمطلوب اليوم هو ترسيخ هذا الاحتلال الاستعماري لفلسطين برضا وموافقة فلسطينية، وبمساعدة دول عربية.
خطة صفقة القرن في أبرز مفاهيمها، والتي تحاول فيها إدارة ترامب وإسرائيل تضليل العالم بشكل مدروس، فإن هذه الصفقة الثنائية اخترعت تاريخاً جديداً مزيفاً ينسجم مع المستقبل الذي تلبي فيه إدارة ترامب أحلام وطموحات إسرائيل بإلغاء الوجود الفلسطيني وهويته الوطنية لصالح ضمان وجودها وهيمنتها على فلسطين والمنطقة برمتها. كما أن "صفقة القرن" بلغتها الاستعلائية والعنصرية المتعجرفة ، تحط من شأن وتاريخ الشعب الفلسطيني وحقه المتجذر في أرضه وأراضي أجداده.
والحقيقة هي ، إن ما هذه الخطة، "صفقة القرن"، إلا امتداداً لوعد بلفور ووليده "قانون القومية" العنصري، بما في ذلك الاعتراف بالاحتلال والقبول باستمراره، مروراً بضم القدس والأغوار والمستوطنات، وترسيم نظام الفصل العنصري، وإلغاء لأي سيادة محتملة للفلسطينيين في أي جزء جزء من أرضهم ، وانتهاء ً برفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي شردوا منها قسراً.
كل ذلك حدث وتطور تحت أوهام "رحلة الضياع الفلسطيني" سعيا وراء حل الدولتين الذي يظهر اليوم على حقيقته: مستحيلا.