بسم الله الرحمن الرحيم
حفظ الدين تعهد الهي وواجب بشري
حين قرأ المسلمون المؤمنون الاوائل كتاب الله تعالى ، وعلموا انه جد لا هزل معه ولا فيه، حملوه على محمل الجد، فاتخذوه اساسا للفكر وبناء العقل والمعتقد فنبذوا ما نبذه ونفاه الوحي من خرافات وخزعبلات الموروثات الباطلة، وحرروا عقولهم من اوهامها، واتخذوه مقياسا للاعمال والسلوك ، فكان الوحي هو مصدر شريعتهم ومنطلق سلوكهم والموجه لدوافعهم ورغباتهم ، وتمكن الايمان به من نفوسهم لدرجة انه كيف مشاعرهم واحاسيسهم ورغباتهم ، فاصبحوا يحبون لله ويبغضون فيه ، ولا يشتهون الا ما احل الله تعالى لهم و ينفرون مما حرم الله تعالى عليهم ، فتوافقت احاسيسهم ومشاعرهم وتكيفت مع منهج الوحي وروح تعاليمه الشريفة واحكامه العظيمة.
ولما رأو ما حقق لهم هذا الخير من خير عظيم انطلقوا به هداة فاتحين ليعمموا الخير على البشرية جمعاء، ولما عرفوا انه سر حضارتهم والباعث على نقلتهم النوعية في تاريخ البشرية وسر نهضتهم وارتقائهم بانفسهم ومن تبعهم من الامم والشعوب ، حرصوا على الحفاظ عليه وعملوا بهدي من الله تعالى لحفظ هذا الوحي من اللعب والفوضى والتحريف والتبديل، الذي قد يتسرب اليه سواءً كان ذلك في النصوص او فهمها او تطبيقها والعمل بها كما حصل للامم السابقة التي ضلت بعد ان فقدت نور وحي ربها لها بالتحريف او التغيير او التبديل لكلام الله تعالى سر سعادة وهداية البشرية ، وهذا ما حذرهم ربهم تعالى منه من خلال سياق بعض النصوص القرانية ،
وبين لهم ان ذلك يؤدي الى نقض عرى الايمان ونكث الاسلام :- (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (89) ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93)النحل
وفي معرض بيان تبديل الكلام وتغييره باستبدال الفاظه مما وقع في السابقين وكان سبب في ضلالهم وكفرهم ونقض عرى ايمانهم قوله تعالى :- ( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) البقرة
وبين لنا الله تعالى انهم كانوا يتفننون في اساليب لي اعناق النصوص لتوافق اهوائهم وليحرفونها عن مفاهيم منطوقها :- ( مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) النساء 46
قال ابن عاشور رحمه الله:
التحريف هنا مستعمل في الميل عن سواء المعنى وصريحه إلى التأويل الباطل، كما يقال: تنكَّب عن الصراط، وعن الطريق، إذا أخطأ الصواب وصار إلى سوء الفهم أو التضليل، فهو على هذا تحريفُ مراد الله في التوراة إلى تأويلات باطلة، كما يفعل أهل الأهواء في تحريف معاني القرآن بالتأويلات الفاسدة. ويجوز أن يكون التحريف مشتقّاً من الحرف وهو الكلمة والكتابة، فيكون مراداً به تغيير كلمات التوراة وتبديلها بكلمات أخرى لتُوافِق أهواء أهل الشهوات في تأييد ما هم عليه من فاسد الأعمال. والظاهر أنّ كلا الأمرين قد ارتكبه اليهود في كتابهم. وما ينقل عن ابن عبّاس أنّ التحريف فساد التأويل ولا يعمد قوم على تغيير كتابهم، ناظرٌ إلى غالب أحوالهم، فعلى الاحتمال الأول يَكون استعمال عن في قوله: عن مواضعه مجازاً، ولا مجاوزة ولا مواضِعَ، وعلى الثاني يكون حقيقة إذ التحريف حينئذٍ نقل وإزالة.
وفي موضع اخر بين سبحانه في قوله:-( يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة41.
وقال هنا مِن بعد مواضعه ، وفي سورة النساء (46) عَن مواضعه ، لأنّ آية سورة النّساء في وصف اليهود كلّهم وتحريفهم في التّوراة. فهو تغيير كلام التّوراة بكلام آخر عن جهل أو قصد أو خطأ في تأويل معاني التّوراة أو في ألفاظها. فكان إبعاداً للكلام عن مواضعه، أي إزالة للكلام الأصلي سواء عوّض بغيره أو لم يعوّض. وأمّا هاته الآية ففي ذكر طائفة معيّنة أبطلوا العمل بكلام ثابتٍ في التّوراة إذْ ألغوا حكم الرّجم الثّابت فيها دون تعويضه بغيره من الكلام، فهذا أشدّ جرأة من التّحريف الآخر، فكان قوله: من بعد مواضعه أبلغَ في تحريف الكلام، لأنّ لفظ (بعد) يقتضي أنّ مواضع الكلم مستقرّة وأنّه أبطل العمل بها مع بقائها قائمة في كتاب التّوراة.
أ.هـ. من التحرير والتنوير.
فلذلك نفر المسلمون المؤمنون الاوائل من سلف هذه الامة و سارعوا الى اكتشاف علوم اللغة لضبط النص وضبط فهمه كما نزل به الوحي ساعة نزوله، فنشات عندنا علوم اللغة واللسانيات والصوتيات. وسارعوا لحفظ تراث من سبقهم من اهل لغة الوحي والقران ليفسروا قرانهم ان اشكل عليهم واستنبطوا قواعد للتفسير من شانها منع اساليب لي اعناق النصوص، واستنبطوا قواعد حفظ الرواية وضبطها فكانت روايات القراءات القرانية التي لا يقبلون فيها الا التواتر ومن ثم رواية الحديث الشريف وما نشأ عن ذلكم من علوم كعلم الرجال والجرح والتعديل وعلم الدراية ومن ثم علم اصول الفقه والقواعد الفقهية وعلم الفقه وما ترتب على ذلك من افتاء وقضاء وحكم. كل ذلك تسخير وتهيئة وهداية من الله تعالى ليتحقق وعد الله تعالى لهذه الامة بحفظ دينها الظاهر المظهر على الدين كله وخدمة لحفظ القران الكريم الذي تكفل الله تعالى بحفظه ثم اظهاره لتبقى نفس المؤمن مطمئنة على دينه عقيدة وشريعة الى يوم الدين فتبقى الامة على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها او يبغي عنها حولا الا هالك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حفظ الدين تعهد الهي وواجب بشري
حين قرأ المسلمون المؤمنون الاوائل كتاب الله تعالى ، وعلموا انه جد لا هزل معه ولا فيه، حملوه على محمل الجد، فاتخذوه اساسا للفكر وبناء العقل والمعتقد فنبذوا ما نبذه ونفاه الوحي من خرافات وخزعبلات الموروثات الباطلة، وحرروا عقولهم من اوهامها، واتخذوه مقياسا للاعمال والسلوك ، فكان الوحي هو مصدر شريعتهم ومنطلق سلوكهم والموجه لدوافعهم ورغباتهم ، وتمكن الايمان به من نفوسهم لدرجة انه كيف مشاعرهم واحاسيسهم ورغباتهم ، فاصبحوا يحبون لله ويبغضون فيه ، ولا يشتهون الا ما احل الله تعالى لهم و ينفرون مما حرم الله تعالى عليهم ، فتوافقت احاسيسهم ومشاعرهم وتكيفت مع منهج الوحي وروح تعاليمه الشريفة واحكامه العظيمة.
ولما رأو ما حقق لهم هذا الخير من خير عظيم انطلقوا به هداة فاتحين ليعمموا الخير على البشرية جمعاء، ولما عرفوا انه سر حضارتهم والباعث على نقلتهم النوعية في تاريخ البشرية وسر نهضتهم وارتقائهم بانفسهم ومن تبعهم من الامم والشعوب ، حرصوا على الحفاظ عليه وعملوا بهدي من الله تعالى لحفظ هذا الوحي من اللعب والفوضى والتحريف والتبديل، الذي قد يتسرب اليه سواءً كان ذلك في النصوص او فهمها او تطبيقها والعمل بها كما حصل للامم السابقة التي ضلت بعد ان فقدت نور وحي ربها لها بالتحريف او التغيير او التبديل لكلام الله تعالى سر سعادة وهداية البشرية ، وهذا ما حذرهم ربهم تعالى منه من خلال سياق بعض النصوص القرانية ،
وبين لهم ان ذلك يؤدي الى نقض عرى الايمان ونكث الاسلام :- (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (88) وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (89) ۞ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَىٰ مِنْ أُمَّةٍ ۚ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ ۚ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93)النحل
وفي معرض بيان تبديل الكلام وتغييره باستبدال الفاظه مما وقع في السابقين وكان سبب في ضلالهم وكفرهم ونقض عرى ايمانهم قوله تعالى :- ( وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) البقرة
وبين لنا الله تعالى انهم كانوا يتفننون في اساليب لي اعناق النصوص لتوافق اهوائهم وليحرفونها عن مفاهيم منطوقها :- ( مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) النساء 46
قال ابن عاشور رحمه الله:
التحريف هنا مستعمل في الميل عن سواء المعنى وصريحه إلى التأويل الباطل، كما يقال: تنكَّب عن الصراط، وعن الطريق، إذا أخطأ الصواب وصار إلى سوء الفهم أو التضليل، فهو على هذا تحريفُ مراد الله في التوراة إلى تأويلات باطلة، كما يفعل أهل الأهواء في تحريف معاني القرآن بالتأويلات الفاسدة. ويجوز أن يكون التحريف مشتقّاً من الحرف وهو الكلمة والكتابة، فيكون مراداً به تغيير كلمات التوراة وتبديلها بكلمات أخرى لتُوافِق أهواء أهل الشهوات في تأييد ما هم عليه من فاسد الأعمال. والظاهر أنّ كلا الأمرين قد ارتكبه اليهود في كتابهم. وما ينقل عن ابن عبّاس أنّ التحريف فساد التأويل ولا يعمد قوم على تغيير كتابهم، ناظرٌ إلى غالب أحوالهم، فعلى الاحتمال الأول يَكون استعمال عن في قوله: عن مواضعه مجازاً، ولا مجاوزة ولا مواضِعَ، وعلى الثاني يكون حقيقة إذ التحريف حينئذٍ نقل وإزالة.
وفي موضع اخر بين سبحانه في قوله:-( يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) المائدة41.
وقال هنا مِن بعد مواضعه ، وفي سورة النساء (46) عَن مواضعه ، لأنّ آية سورة النّساء في وصف اليهود كلّهم وتحريفهم في التّوراة. فهو تغيير كلام التّوراة بكلام آخر عن جهل أو قصد أو خطأ في تأويل معاني التّوراة أو في ألفاظها. فكان إبعاداً للكلام عن مواضعه، أي إزالة للكلام الأصلي سواء عوّض بغيره أو لم يعوّض. وأمّا هاته الآية ففي ذكر طائفة معيّنة أبطلوا العمل بكلام ثابتٍ في التّوراة إذْ ألغوا حكم الرّجم الثّابت فيها دون تعويضه بغيره من الكلام، فهذا أشدّ جرأة من التّحريف الآخر، فكان قوله: من بعد مواضعه أبلغَ في تحريف الكلام، لأنّ لفظ (بعد) يقتضي أنّ مواضع الكلم مستقرّة وأنّه أبطل العمل بها مع بقائها قائمة في كتاب التّوراة.
أ.هـ. من التحرير والتنوير.
فلذلك نفر المسلمون المؤمنون الاوائل من سلف هذه الامة و سارعوا الى اكتشاف علوم اللغة لضبط النص وضبط فهمه كما نزل به الوحي ساعة نزوله، فنشات عندنا علوم اللغة واللسانيات والصوتيات. وسارعوا لحفظ تراث من سبقهم من اهل لغة الوحي والقران ليفسروا قرانهم ان اشكل عليهم واستنبطوا قواعد للتفسير من شانها منع اساليب لي اعناق النصوص، واستنبطوا قواعد حفظ الرواية وضبطها فكانت روايات القراءات القرانية التي لا يقبلون فيها الا التواتر ومن ثم رواية الحديث الشريف وما نشأ عن ذلكم من علوم كعلم الرجال والجرح والتعديل وعلم الدراية ومن ثم علم اصول الفقه والقواعد الفقهية وعلم الفقه وما ترتب على ذلك من افتاء وقضاء وحكم. كل ذلك تسخير وتهيئة وهداية من الله تعالى ليتحقق وعد الله تعالى لهذه الامة بحفظ دينها الظاهر المظهر على الدين كله وخدمة لحفظ القران الكريم الذي تكفل الله تعالى بحفظه ثم اظهاره لتبقى نفس المؤمن مطمئنة على دينه عقيدة وشريعة الى يوم الدين فتبقى الامة على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها او يبغي عنها حولا الا هالك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.