الاستنباط ...
الاستنباط: لغة: استخراج الماء من العين، واصطلاحًا عرفوه بانه : استخراج المعاني والاحكام من النصوص بفرط الذهن وقوةِ القريحة.
والاستنباط فرض كفاية، و يدل على وجوب صناعة العقليات المبدعة في الامة وايجادها، فالامة تحيا بعقليات ابنائها المفكرين وتموت بموت مفكريها وقادة الفكر وحملة لواءه فيها، فهم الروح الباعث للحياة في الامة، وبفقدانهم تنتهي الامة وتصبح تبعا لمن يستعبدها ويستخدمها، فتهان وتحتقر وتتخلف عن ركب الانسانية وتطور مسيرة الحياة ، وتضل وتشقى. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزعهُ مِنَ النَّاسِ، وَلكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأفْتوا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا» - [متفق عليه] .
والاصل في الاستنباط الشرعي ماخوذ من قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)النساء ).. والاية اصل في وجوب وجود اهله في الامة ، ليرد الناس اليهم ما يطرأ ويستجد في امور حياتهم من امن او خوف او فقه معاملات او سياسة.
ثم ان الاية بينت ان الاستنباط لا يكون الا من اهله ومن مصدر صحيح.
والاستنباط لغة هو استخراج ما كان خفيّاً او غائرا متواريا عن الانظار، ليظهر للعيان، ومنه استنباط الماء؛ أي: إستخراجه من باطن الأرض. ومنه استنباط المعاني والعلل من الالفاظ والمباني اللغوية في النصوص، فلذلك قال اهل اللغة هو استخراج المعاني من النصوص بفرط الذِّهن وقوَّة القريحة ، وعرفه الفقهاء بانه : بذل الجهد في استخراج المجتهد المعاني والأحكام الشرعيَّة من النصوص الشرعية بطريق صحيح.
والاستنباط لايكون الا بعد بذل مجهود وتتبع وتحري بادواته ووسائله اللازمة، فلا يصح الا من اهله، وقد قال الله عز وجل:- ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83) النساء ). فهو عمل المجتهدين في كل الميادين في كل زمن وحين، وهو فرض على الكفاية لمن هو اهله ،لقوله تعالى :- [۞ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍۢ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122التوبة).أي : فهلا خرج إلى الغزو من كل قبيلة جماعة ويبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة ( ليتفقهوا في الدين ) يعني الفرقة القاعدين ، يتعلمون القرآن والسنن والفرائض والأحكام ، فإذا رجعت السرايا أخبروهم بما أنزل بعدهم ، فتمكث السرايا يتعلمون ما نزل بعدهم ، وتبعث سرايا أخر ، ...
ومن قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ}[الحشر: 2]، قال السيوطي رحمه الله: «استدل به على حجية القياس، وأنه فرض كفاية على المجتهدين؛ لأن الاعتبار قياس الشيء بالشيء» وفي قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعا}[البقرة: 29]، قال السيوطي : «استدل به على أن الأصل في الأشياء الإباحة، إلا ما ورد الشرع بتحريمه». واقوال السيوطي المذكورة هنا من كتاب (الإكليل في استنباط التنْزيل، للسيوطي) وهو كتاب نفيس ينصح بالرجوع اليه واقتناءه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2022-11-05, 9:48 pm عدل 1 مرات