23- الحلقة الثالثة والعشرون من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك
الصلاة - 6 -
البسملة :-
لا فرق بين قولنا: البسملة، والتسمية؛ فقول القائل: بَسْمِل، أو سَمّ: المراد به قل: بسم الله، أو قل: بسم الله الرحمن الرحيم، و ذلك عند الابتداء بمباشرة القراءة او الافعال أو الاقوال. متبركا ومستعينا على التوفيق بصاحب هذا الاسم ،فالباء حرف جر يفيد في معناه الاستعانة ، والاسم هو اللفظ الذي جُعل علامة دالة على ذات او معنى ، فاستعين باسم الله الخالق المدبر في قراءتي وفي قولي وفي عملي ، طالبا البركة والتوفيق من الله العلي القدير،الذي لا تدركه الابصار ولا مدارك العقول، ولا أدرك من وجوده تعالى الا اسمه الدال على انه الخالق المدبر، فانت حين تقول باسم الله : فدلالته انك تتبارك وتستعين بصاحب هذا الاسم وتسأله البركة والتوفيق، و الرَّحْمَنِ: "اسم من أسماء الله تعالى مشتق من الرحمة على وزن فعلان، ويعني كثير الرحمة"، فالزيادة لغة في المبنى زيادة في المعنى كما هو معلوم، والرَّحِيمِ: اسم وصفة لله تعالى مشتق ايضا من الرحمة، ومعناه: ذو الرحمة العظيمة على عباده في الدنيا والاخرة ..
وهنا نلاحظ اننا قلنا باسم الله، وهذا فيه معنى لطيف تنبه اليه، واربطه باول نزول للقران واول خطاب منه حيث قال في العلق :- (اقرا باسم ربك الذي خلق...) ، اي استعن بمن لا ولن تدرك الا اسمه فقط ،ولن تستطيع ان تحيط مداركك بذاته تعالى :- (... قال رب ارني انظر اليك قال لن تراني....) الاعراف 143. فلذلك تدرك وجوب وجوده من اثاره في الوجود ولزمك التعامل فقط مع اسمائه الدالة على صفاته لمسمى واجب الوجود ، الذي يستند الوجود في وجوده لوجوب وجوده ، ولولا مشيئته لماوجد موجود في الوجود. ولا يستند في وجوده تعالى الى وجود. فهو القيوم الذي قام الوجود به ، وهذا تغيير لنظرة العالم المجسد والمجسم الذي اتخذ من واقع المادة مقياسا لتصوراته وافكاره ، فتنبه هداك الله لهذا المعنى اللطيف.
يقول الإمام الطبري رحمه الله : - " إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى ذِكْرُهُ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ- أَدَّبَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَعْلِيمِهِ ذِكْرَ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى أَمَامَ جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَجَعَل ذَلِكَ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ سُنَّةً يَسْتَنُّونَ بِهَا، وَسَبِيلاً يَتَّبِعُونَهُ عَلَيْهَا ".
ومن المعاني للبسملة انك تتحدث برسالةمن فوضك بالاذن لك لنقل حديثه رسالة منه لمن كلفك ان تخاطب وهنالطيفة اخرى وهي ان ناقل الخطاب لايكون امينا على ماحمل الا اذا اوصله الى من كلف بايصاله لهم على الوجه الذي اراده المرسل ووفق مراده.
وانني لاعجب لاقوام واقلام يفتتحون احاديثهم وخطاباتهم وكتاباتهم ببسم الله ووالله ما هي باسمه لانها تحمل في ثناياها الكفر والضلال والخروج عن منهجه سبحانه .فقطعا ليست باسمه. لان الذي باسمه فقط ما انزله على نبيه وارسله به نورا وذكرى للعالمين ,فتجد من يمتدح الوطنية الوثنية الشركية في الولاء والانتماء لخرائط من صنعوها من الكفار سايكس وبيكوا وجعلوها اوثانا لنا تقدس من دون الله تعالى اليس هذا من الشرك ؟! وكذلك من يمتدح القومية العنصرية البغيضة مبتدءا بالبسملة ليقول زورا وبهتانا على الله تعالى ،الذي خلق البشر جميعا لعبادته وخصهم بعنايته ووجه لهم خطابه ليوحد جنس بني الانسان من نسل ادم على طاعته وعبادته ، وجعل مقياس التفاضل بينهم التقوى وليس الالوان ولا الاحساب ولا الانساب، ليصهر العالمين في بوتقة الانتساب اليه باتباع منهجه قال تعالى :- (انما المؤمنون اخوة...)10الحجرات .وقال صلى الله عليه وسلم :- (..وكونوا عبادالله اخوانا).وقال سبحانه وتعالى :- (هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا...)الحج78.
ثم الا يستحي من يبدأ خطابه او كتابه باسم الله ثم يشرع بطرح ومدح وتزيين افكار الكفر ومناهج اهل الضلال، ويدعو لأفكار ومفاهيم الكفر كالعلمانية او للديمقراطية ولحكم الشعب للشعب والله تعالى يكذبه ويقول سبحانه :- (قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۚ قُل لَّا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ ۙ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (56) قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ ۚ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) الانعام) ، ويقول سبحانه:- (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ۚ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105- النساء)، فاين هو من النطق باسم الله؟! وهو في الواقع معاد لمنهج الله ملغيا لحكمه؟! ومتبعا سبل اهل الغواية والاهواء ؟؟!!
فالتسمية اذا تبرك واستعانة بالله تعالى للتوفيق للالتزام بمنهجه وهديه في كل امر تقوله او تفعله، فان قلتها لتنجز ببركتها عملا، فانظر لما تريد ان تعمل , امباح لك ام لا. وان قلتها لتبتديء بها قولا اوحديثا فانظر اتقول حقا يرضى منه الرب ام زورا وباطلا يرضي اعدائه ويغضبه .
وبسم الله الرحمن الرحيم اي ابدا مستعينا بالخالق المدبر لامور ووجود من خلق من الكائنات بما يضمن صلاح استمرارية وجودها بالسنن والنواميس اللازمة لاستمرارية وجودها، وبالشرائع التي يصلح بها وتستقيم احوال البشر وحياتهم ، وهو الرحمن بمن خلق ورحمته شملتهم بعنايته وبارساله رسله بمنهج الهداية لما يستقيم به فكرهم وسلوكهم وعيشهم .
وهو الرحيم بالمؤمنين الذين حملوا منهج هدايته والتزموه فكرا وعملا وقولا وسلوكا (وهدى ورحمة للمؤمنين) انك تبدأ عملك بالبسملة لتستعين به تعالى وتتبارك باسمه المبارك، فتيقن انه لا يكون مبارك عمل تقوم به وهو من غضب الله تعالى ومخالفة شرعه ، وكذلك تبدأ قولك بالبسملة فانظر ما تقول احق ام باطل اهدى ام ضلال؟! جعلنا الله واياكم من اهل خاصة رحمته ولنا بمشيئته لقاء وكلنا شوق لتجدده بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.