26- الحلقة السادسة والعشرون من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك
الصلاة-9- القراءة بعد الفاتحة والتكبير للركوع والرفع منه =
في الحلقتين الماضيتين تحدثنا عن تدبر سورة الفاتحة التي تعتبر قرائتها ركن من اركان الصلاة ، وتجب قرائتها بالعربية لسان القران على العربي والاعجمي ، وفي هذا دعوة للتعريب ليتفقه الناس في لسان العرب لسان القران الكريم ولسان ثقافته وحضارته ... فهي لغة فهم معاني كتاب الله ،ولغة فقه احكامه وتشريعاته ...
ويسن ويستحب للمؤمن الواقف بين يدي ربه اجلالا وتعظيما ان يقرأ بعد الفاتحة ما تيس له من القران الكريم لقوله تعالى : (... فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ...(20)المزمل).
ونقرأ بتدبر وتفكر لنذهن معاني القران ونقيم احكامه، فنحل حلاله ونحرم حرامه، ونأمر بمعروفه وننهى عما اعتبره منكرا ، قال الله تعالى :- ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)محمد). و قال جل من قائل: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء:82]. وقال تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [صّ:29]. فتدبر القرآن: "هو التأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه، وفي مبادئه وعواقبه، ولوازم ذلك". تفسير السعدي. وعلى ذلك؛ فمتى تأملت في معاني ما تقرؤه من القرآن، وتفكرت فيه فقد تدبرته، فإذا عملت بما تدبرته فهذه ثمرة التدبر، ومما قيل في معنى تدبر آيات القرآن: "اتباعه في أوامره ونواهيه". تفسير الخازن.
ثم يُكبر المصلي وينحني لربه معظما راكعا ، والركوع في اللغة بمعنى انحناء الرأس، وفي الاصطلاح الشرعي بمعنى انحناء المصلي إلى حدٍ تصل فيه أصابع يديه إلى ركبتيه. تعظيما واجلالا وتكبيرا لله تعالى ، قال الله تعالى : ﴿یا أَیهَا الَّذینَ آمَنُوا ارْکعُوا وَ اسْجُدُوا وَ اعْبُدُوا رَبَّکمْ وَ افْعَلُوا الْخَیرَ لَعَلَّکمْ تُفْلِحُونَ﴾.[الحج].
فاذا انحنيت راكعا لله فاعلم انك تأوي الى ركن شديد ، فاياك والشرك واياك والانحناء لغيره تعالى، والركوع رمز العبودية والطاعة التي لا يستحقها الا مستوجبها سبحانه خالقك رب العالمين،
فان انحنيت له معلنا طاعتك وعبوديتك له، فاحذر طاعة غيره في معصيته ،واحذر ان تشرك بطاعته احدا ، (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)الكهف).
وفي الركوع يسبح ربه العظيم اي ينزهه واصفا اياه بالعظمة ، فان كان هو العظيم فكل ما سواه اصغر ، والتنزيه بالتسيح يقتضي ان تعظم امره ونهيه وحده دون سواه سبحانه ...
واعلم ان الركوع خاصة والعبادة عامة انما هي حمد لله تعالى بعد ان عرفناه وعرفنا حقه الواجب له من الخلق ، بدلالة ان الرافع من الركوع يرفع بقوله سمع الله لمن حمده ،وذلك لأمر النبي صلى الله عليه واله وسلم بذلك في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه وفيه: وإذا قال -أي الإمام- سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد.
والى لقاء يطيب بكم نكمل ان شاء الله تعالى هذه السلسلة المباركة ولا تنسونا من صالح دعواتكم، سائلا المولى عز وجل ان يهيء لنا من امرنا رشدا وان يفقهنا ويعلمنا ديننا وان ينصر امتنا على القوم الكافرين...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...