36- الحلقة السادسة والثلاثون من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك
2- الوقفة الثانية مع الحج :-
اخي الحاج الكريم ...اختي الحاجة الكريمة :- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حيثما كنتم وحيثما حللتم وارتحلتم وبعد:- اعلموا ان الحجاج وفد الله تعالى، مطالبهم مرفوعة ودعواتهم مستجابة مسموعة، وحوائجهم مقضية وتوبتهم مقبولة، شفع لهم سفرهم للطاعة وقصدهم للعبادة ، وتجشمهم المصاعب وتحملهم الأعباء ، حتى بلغوا البيت العتيق. وقد صح في الاحاديث ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : " الغازي في سبيل الله، والحاج، والمعتمر، وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم " . . وثلاثتهم يشتركون في الهجرة الى الله تعالى وترك الاهل والديار ارضاءً لربهم .. فاحرص ان تكون ممن يستجيب الله تعالى دعواته ، فالحج اصلا قائم على طلب الرحمة والمغفرة وقضاء حوائج الدنيا والاخرة ، فمما روي من وصية الرسول عليه الصلاة والسلام لسعد بن أبي وقاص ، عندما قال له (يا سعد، أَطِبْ مطعمك تكن مستجاب الدعوة) أخرجه الطبراني. فكما طيبت نفقتك ليقبل الله حجك ، كذلك اطب مطعمك لتستجب دعوتك ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: " إنَّ الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإنَّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المُرسلين؛ فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة:172]، ثم ذكر الرجلَ يُطيل السفر، أشعث، أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له؟!" رواه مسلم. ولا تنسوا ان الدعاء من اجل العبادات واعظمها لانه اظهار الافتقاتر والانكسار والاحتياج لله تعالى ، فعن النعمان بن بشير، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن الدعاء هو العبادة، ثم قرأ "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60]"، رواه أحمد في المسند .. ايها الحاج تذكر وانت تتجرد من لباس المخيط انك جئت الى الدنيا مولودا عاريا، فيسر الله لك من يسترك ويعتني بك حتى بلغت اشدك ووصلت الى سن رشدك، وتذكر وانت تنزع عنك المخيط بيديك اليوم في الميقات، حيث بحجك اهللت انه ستاتيك ساعة يُنزع عنك هذا اللباس ويُشق وتُعرى وانت كالخشبة بين يدي مُغسل الاموات، وستلف بخرقة بيضاء كما لفتك امك طفلا وكما تفعل اليوم ، فاحرص على ان تعود بين يدي ربك بحجك هذا كيوم ولدتك امك ابن الفطرة، مغسولا من الذنوب والخطايا،متطهرا من ادران الخطايا والآثام، كما احرص على هذه التوبة ان تُنقض او تُخدش، لتخرج من دنيا الفناء الى عالم البقاء صفحة بيضاء نقية تماما كيوم ولدتك امك، واعلم ان الحج المبرور ليس له جزاءٌ الا الجنة وبر الحج ان لاتفسق فيه ولا ترفث ولا تجادل . اخواني الحجيج :- في الحج والعمرة يجد المؤمن حوله عباد الله من مختلف الالوان والالسن ومن شتى اقطار الارض، لم يجتمعوا في البلد الحرام لحسب أو نسب أو مال أو مصلحة دنيوية، وإنما اجتمعوا لدين وعبادة، أحمرهم وأبيضهم وأسودهم من المشرق والمغرب ومن كل فج عميق، ملبين لله وحده لا شريك له، معترفين له بالنعمة والحمد والفضل، وليس هناك نعمة وفضل اكبر من نعمة الاسلام التي وحدت هذه القلوب وآخت والفت بينها لتجتمع على كلمة التوحيد بدين التوحيد ، الذي يلغي كل الاختلافات بين البشر، ويجمعهم في بوتقة اخوة الاسلام عباد الله اخوانا، لا فضل لعربيهم على اعجميهم ولا لابيضهم على اسودهم الا بالتقوى، التي لا يعلم ويطلع على حقيقتها الا ربهم جل وعلا . فلا قومية جاهلية جمعتهم، ولا وطنية وثنية الفت بين قلوبهم..والكل يجأر بلبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك.....واعلم اخي الحاج واختي الحاجة ان الوصول الى البيت والوقوف بعرفة في الحج، ليس هو اخر المطاف ونهاية الرحلة،،، بل ان رحلة حياة الحاج بدات من هنا كرحلة حياة الطفل الذي يُؤهل للحياة والعيش مع قسوة ظروفها ، فانت الان بهذه الرحلة تُؤهل نفسك لتستقبل ربك تعالى وتُقبل عليه بنفس راضية مرضية، عسى ان تدخل من باب عباده لابواب جنانه ،وهاهي الرحلة وقد بدات ولنا معها بعون الله وقفات ولقطات فانتظرونا، لنكون معكم يوما بيوم ومنسكا منسكا ان شاء الله، ولا تنسونا واهل الرباط في بيت المقدس من صالح دعاءكم، وتقبل الله منا ومنكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. | |