28- الحلقة الثامنة والعشرون من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك
- الصلاة-10- ب - السجود ... :-
في الحلقة الماضية بينا معاني السجود التي يجب ان تنعكس على العبد ، ومدار هذه العبادة مع الركوع اظهار التذلل والطاعة لله تعالى الذي عاهدته في قرائتك لسورة الفاتحة ان تعبده وتستعين به دون ان تشرك به احدا ، ووفاء بهذا العهد الذي ابرمته مع ربك فانت الان تمارس الطاعة والتذلل بالتعبد المطلق لله تعالى دون شريك له في الامر ،مظهرا ذلك بعبادة الركوع ومتبعا لها بعبادة السجود ، مقرونين بالذكر الخاص بكل منهما، لكن في السجود زيادة تخضّع ظاهرة، فبين الانحناءة ومدّ العنق وبين وضع الجبهة على الاَرض، مصحوباً بهذا الذكر الجليل «سبحان ربي الاعلى» فارق مرتبة جعل العبد في حالة السجود أشدّ قرباً إلى الله تعالى، وبه يتجلّى لنا معنى قوله تعالى: ( واسجد واقترب ) (العلق 19) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أقرب ما يكون العبد من الله عزَّ وجلَّ وهو ساجد » مسلم والنسائي.
وأما من حيث الذكر، فالذكر الذي ينبغي قوله في كل منهما يشترك في جوانب ويختلف في أُخرى، فالاشتراك بذكر التسبيح والتحميد، وهو التنزيه والشكر على النعم. وأما موضع الافتراق ففي الاَول التعظيم في الانحناء، وفي الثاني ذكره بالعلو مع التذلل والخضوع والخشوع ،واظهار المسكنة والافتقاربالصاق الجبين بالأرض، بمعنى ربي أنت الغني العلي وأنا الفقير المحتاج اليك في كل امري، وفي غناي لتديمه وتحفظه وفي فقري لتجبر خاطري وتغنني بفضلك عمن سواك.
ونلاحظ ان السجود والرفع منه والانتقال بين حركات الصلاة كلها يكون بالتكبير -الله أكبر - اي ان الله اكبر مما تحدثك نفسك، واكبر من ان يُشغلها احد او شيء عنه وعن طاعته وتلبية امره ، فهو الاكبر وكل ما دونه الاصغر، فمن الحماقة ان تنشغل بالاصغر عن الاكبر ..
ثم تضع جبهتك اعلى ما فيك على الارض مساوية لركبك وكفيك وقدميك، وكأنك تقول ان طاعة الله ستسغرق كل بدني وكل جوارحي ، فجبهتي وانفي امرغهما في الارض تواضعا لله تعالى واكبارا واجلالا لعظمته جل جلاله .. فتسلم عقلك وفكرك لله ليؤسس عقلك على اساس ما أوحي اليك من معتقد، وتكون قيمك ومعانيك حسب مفاهيم العقيدة الموحى بها نورا للعالمين ،ثم ان يديك تنبسطان على الارض مستسلمة لطاعة الله في بطشها وكسبها واخذها وعطائها ومدها وقبضها ورفعها وخفضها .. وكذلك رجليك لا تنقلانك حيث لا يحب الله ان يراك، ولا تتخلفان عن ايصالك حيث يحب الله ان يجدك ..
اما عن تكرار السجود دون الركوع فقد قال البهوتي في كشاف القناع عن متن الإقناع في الفقه الحنبلي:- "وإنما شرع تكرار السجود في كل ركعة دون غيره لأن السجود أبلغ ما يكون في التواضع، لأن المصلي لما ترقى في الخدمة بأن قام ثم ركع ثم سجد فقد أتى بغاية الخدمة، ثم أذن له في الجلوس في خدمة المعبود فسجد ثانياً شكراً على اختصاصه بالخدمة وعلى استخلاصه من غواية الشيطان إلى عبادة الرحمن". انتهى.
وسجود المسلم لربه -تعالى- يكمد إبليس ويحزنه؛ لأن سبب بعده وطرده هو الامتناع عن السجود؛ فلما وفق الله لذلك المسلمين عند ذكر كل سجود كان أحزن لقلبه؛ لأنه تجديد لمصابه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا قَرَأ ابنُ آدم السجدةَ فسجد اعْتَزَل الشيطانُ يبكي، يقول: يا وَيْلَه -وفي روايةٍ: يا وَيْلي- أُمِر ابنُ آدمَ بالسجودِ فسجدَ فله الجنة، وأُمِرتُ بالسجود فأبَيْتُ فَلِيَ النارُ». رواه مسلم
وبعد الرفع من السجود الثاني فاما الى ركعة ثانية تتدبر قرائتها ومعانيها كما فعلت آنفا واما الى جلوس التحيات ، بهيئة تعبدك الله تعالى بها ، كما وردت بذلك الاحاديث ومحلها كتب الحديث واحكام الفقه ،وذلك بأن يفرش قدمه اليسرى، وينصب اليمنى، حال الجلوس بين السجدتين، أو في التشهد الأول يفرش اليسرى، وينصب اليمنى، وفي التشهد الأخير من الظهر والعصر والمغرب والعشاء يُسن له ان يتورك، اي يجلس على الأرض، ويجعل رجله اليسرى تحت رجله اليمنى عن يمينه، وقد وردت هذه الهيئات عمن قال : "صلوا كما رأيتموني اصلي" صلوات ربي وسلامه عليه واله ...
اللهم نسألك حسن عبادتك ودوام طاعتك وتقبلنا الله واياكم في الصالحين المصلحين، واعز الله امتنا بنصر راية الحق والدين ، والى لقاء اخر استودعكم من لا تضيع ودائعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-03-31, 10:41 am عدل 1 مرات