18- الحلقة الثامنة عشرة من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك
--- الصلاة -1-
الصلاة لغة: هي الدّعاء، أو الدّعاء بالخير، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ)؛ أي ادعُ لهم، وقد نقل ابن منظور في السان :- "قال الزجاج:الأصل في الصلاة اللزوم. يقال:قد صلي واصطلى إذا لزم، والصلاة لزوم ما فرض الله تعالى، والصلاة:واحدة الصلوات المفروضة، وهو اسمٌ يوضع موضع المصدر، أقول:صليت صلاةً ولا أقول:تصليةً، وهي العبادة المخصوصة، ولأن أصلها الدعاء فسميت ببعض أجزائها، وقيل:أصلها في اللغة التعظيم، وسميت الصلاة المخصوصة صلاةً لما فيها من تعظيم الرب تعالى" .
وتُعرّف الصلاة في الاصطلاح الفقهي الشرعيّ بأنّها عِبادةٌ لله -تعالى-، ذاتُ أقوالٍ وأفعالٍ مخصوصةٍ ومعلومةٍ، تبدأ بالتكبير، وتنتهي بالتسليم.
وقد بين لنا الله تعالى ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فقال تعالى: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) العنكبوت}. روى ابن جرير بسنده عن عن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا صلاة لمن لم يطع الصلاة ، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر " . وروى ابن ابي حاتم بسنده عن عمران بن حصين قال : سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) قال : " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، فلا صلاة له " . وروى ابن كثير بسنده عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ، لم يزدد بها من الله إلا بعدا " .
فالاصل في الصلاة انها قربة تقرب من الله ومن ثمارها انها تنهى عن الفواحش والمنكرات ، لما تحتويه من الذكر الذي تقام الصلاة من اجله - والذي هو اكبر نهيا وامرا ، فيدفع الانسان للعمل حيث الامربه، ويحضه على الاحجام عن فعل المنهي عنه حال شهوة النفس له . فلذلك قال أبو العالية في قوله : " ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ، قال : إن الصلاة فيها ثلاث خصال ، فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة : الإخلاص ، والخشية ، وذكر الله . فالإخلاص يأمره بالمعروف ، والخشية تنهاه عن المنكر ، وذكر القرآن يأمره وينهاه ". فلذلك قال الله تعالى في سورة طه : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) .
ونلاحظ ان الله تعالى اثنى على مقيمي الصلاة في غير موضع من القران ووصف المؤمنين بذلك، بمعنى انهم اقاموا معاني الصلاة في حياتهم، مما جعلهم على ذكر دائم لله تعالى، ومدركين لصلتهم به في كل حركاتهم وسكناتهم ،وبنت هذه الصلاة صلتهم بربهم وخالقهم تعالى .
في حين اننا نجده تعالى قد توعد المصلين الذين هم عن صلاتهم واثارها ساهون،
قال الله تعالى: ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) الماعون/4-7؛
والسهو هنا ليس المقصود منه النسيان وان كان كالنسيان في اللغة،وهو الغفلة وذهاب القلب إلى الغير. فالسهو بمعنى النسيان في الصلاة فقد حصل للنبي سلام الله عليه، وعالجه الشرع بسجود السهو ،ولكن السهو المقصود هنا هو والله اعلم عدم الالتفات للاثر المرجو ترتبه على الاداء ، فلا تحثه صلاته على معروف ولا تنهه عن منكر، ولا تدفعه لخير ولا الى اجتناب شر ..
كيف نصلي الصلاة التي تأمرنا وتنهانا ....؟!!
هذا ما سنراه ان شاء الله في الحلقات المقبلة التي سنفصل فيها اثار اقوالها وافعالها على نفوسنا وفكرنا وبالتالي على سلوكنا ...
نسال الله ان يفقهنا ويعلمنا وينفعنا بما علمنا وينصر امتنا على من ظلمها وخذلها وعلى كل من عاداها ...
والى لقاء يطيب بكم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-03-24, 9:44 pm عدل 1 مرات