15 - الحلقة الخامسة عشرة من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك
--- الوضوء :-
الوضوء لغة: من الوضاءة، وهي: الحسن، والبهجة، والنظافة، والوضوء بالضم فعل الوضوء، وبالفتح الماء المعد له، ويُقَالُ: وَجْهٌ وَضِيءٌ أَيْ حَسَنٌ نَظِيفٌ.
واصطلاحا هو : غَسْلُ أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ بِنِيَّةِ مَخْصُوصَةٍ.
وحكم الوضوء الوجوب عند ارادة العبادة التي يمنعها الحدث و لا تصح الابه كالصلاة والطواف بالبيت ، والاصل في مشروعيته قوله تعالى :- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6)المائدة).
و وبالوضوء والطهارة يتهيأ الانسان لمناجاة ربه ويتأهل للوقوف بين يدي عظمته جل جلاله ...
وكذلك في حكمته وفوائده تكفير الخطايا والذنوب والتطهر منها فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم آثاره على الانسان ، فعن عثمانَ بن عفانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: (منْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوضوءَ، خَرَجَت خَطَايَاهُ مِنْ جسَدِهِ حتَّى تَخْرُجَ مِنْ تحتِ أَظفارِهِ ) رواه مسلم.
ونلاحظ ان الانسان في اعمال الطهارة المتعلقة ببدنه شرع الله له وسيلتين 1- الماء الذي جعل الله منه كل شيء حي ..
2- والتراب الذي منه تكونت اجساد الاحياء ، فحينما خلط الماء بالتراب اصبح الخليط طينا ومنه فطر الله الانسان فسبحان : {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} (السجدة: 7).
وكأنك ايها الانسان تَطهُرُ باصل معدن خلقتك ، الماء في الوضوء والتراب في التيمم ،وفي هذا اشارة الى ان عبادة الله وشريعته تطهرك وتردك الى الفطرة الاولى، صفحة بيضاء نقية وضيئة ، وتهذب نفسك وتزيل منها الادران التي راكمتها فيها جاهلية الأيام ...
فحين تغسل يديك انت تطهرهما ليس فقط من الاوساخ المادية العالقة بهما فحسب ، بل تطهرهما ايضا من الاوساخ والقذر المعنوي ، فاليد رمز ووسيلة القوة والجبروت والقدرة ، والة البذل والعطاء والقبض والكسب ، فكما غسلتهما مما علق بهما من غبار الحياة واوساخ مشاغلها،كذلك اغسلهما من اوساخ اعمال الظلم والطغيان والاستبداد والحرام ، وحين تغسل وجهك فاعلم ان الوجه مرآة القلب واحاسيسه ومشاعره، التي يتلون بها الوجه وتظهر اثارها عليه ، فالحزن والفرح، والغضب والرضا والخوف والامن، والسرور والجزع، كل ذلك يظهر على الوجه ، فاغسل وجهك مرآة احاسيس ومشاعر قلبك من كل احساس احسسته لم يكن لله ولا في رضاه .. واغسله من كل ذلة ومهانة تحملتها من خلق الله ولم تكن لله ..
وحين تتمضض فانت تطهر فمك من كل كلمة سوء وفحش وباطل تلفظت بها ، ومن كل رائحة غيبة او نميمة قتلت بها اخوانك او لكت بها لحومهم ،وكذلك من كل لقمة حرام او شربة حرام ادخلتها الى جوفك او اكلتها بغير حق .
وحين تمسح برأسك فامسح عنه كل ضلال فكر وكل سيء من المفاهيم والقيم التي ألفها الناس ، ومن كل مهانة ومذلة طأطأت رأسك بها لغير ربك المستحق فقط لاظهار الذلة منك اليه ...
فاذا غسلت رجليك فاغسلهما من كل اثم قاداك اليه ومكناك من الوصول اليه ، و بهذا تكون قد توضأت واحسنت الوضوء، وبهذا الفهم ندرك معاني قوله صلى الله عليه وسلم : (منْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوضوءَ، خَرَجَت خَطَايَاهُ مِنْ جسَدِهِ حتَّى تَخْرُجَ مِنْ تحتِ أَظفارِهِ ).. وكذلك مثله قول النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا أدُلُّكُمْ علَى ما يَمْحُو اللَّهُ به الخَطايا، ويَرْفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالُوا بَلَى يا رَسولَ اللهِ، قالَ: إسْباغُ الوُضُوءِ علَى المَكارِهِ)؛رواه مسلم.
والوضوء بهذه المعاني من اعمال الطهارة التي ربطها الله تعالى بالتوبة واحب اهلها {...إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222] .
فاسال الله الثبات على الطهر والنقاء في السر والعلن، ونساله تعالى ان يعلمنا ما ينفعنا وان ينفعنا بما علمنا ، ونساله ربنا تعالى نصره ونصرته لأهل دينه واعلاء كلمته في الكون كله ..
والى لقاء يتجدد بكم استودعكم الله و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...