45- الحلقة الخامسة والاربعون من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك
10- الوقفة العاشرة مع الحج - عرفة :-
اخي الحاج الكريم... اختي الحاجة الكريمة :- السلام عليكم حيثما كنتم وحيثما حللتم ونزلتم ورحمة الله وبركاته :
يوم عرفة هو يوم الحج الاكبر .. لقول النبي صلوات ربي وسلامه عليه واله:- (الحج عرفة) ،حيث يحتشد فيه الحجيج من كل انحاء العالم بمختلف الالسن والالوان،عبادا لله اخوانا، وقد اجتمعوا في مؤتمر الامة العام ارقى واقيم مؤتمر قمة لأمة في الوجود ،تعقده صفوة خلق الله وخيرة عباده المؤمنين، فهو مظهر عظيم للاجتماع والتوحد بين افراد الامة على عقيدة التوحيد،، وهو يوم التاسع من ذي الحجة، وهو يوم استثنائي في حياة الامة باكملها عامة وفي حياة الحجاج خاصة !! فالمقيم يصومه ، والحاج يقومه بالوقوف والدعاء والتبتل لربه طالبا وراجيا المغفرة ، معلنا التوبة يجئر بالاستغفار ويبكي ندما على ما فاته وقصر فيه ،،،
نعم يستحب صيامه للمقيم غير الحاج واما الحاج فيستغله للدعاء والذكر والاستغفار الذي يجب ان ينشغل به في ذلك اليوم العظيم ... وذلك لتتوحد الامة باكملها في هذا اليوم باقبالها على ربها !! فالمقيم صائم والحاج قائم ،، عسى ورجاء ان يقبل عليها ربها بالرحمة والبركات واستجابة الدعوات .. فهو يوم تتوحد فيه مشاعر واحاسيس المسلمين تجاه ربهم ودينهم وبعضهم بعضا ، فيدعو مقيمهم لحاجهم بالقبول ويدعوا حاجهم لمقيمهم بالمغفرة والعز والنصر على الاعداء والتمكين للامة في الارض ..
ومن حكمة الله عز وجل وتعظيما لهذا اليوم العظيم ان الله جعل الصلاة فيه جمعا وقصرا للحاج حيث يجمع الظهر والعصر ويقصرهما ركعتين ركعتين بما في ذلك اهل مكة .. ليتفرغ الحاج للدعاء والذكر والاستغفار - حيث ورد في الحديث : - (الدعاء هو العبادة) فلا تستهن به !!
ومن فضل الله تعالى ان هذا اليوم يبدأ وقته للحاج من ظهر التاسع الى فجر يوم العاشر من ذي الحجة ، وهذا توسيع لوقت الوقوف بعرفة لتشمل الرحمة من سعى اليها وطلب سبيلها - فمن مر او وقف بعرفة ولو لحظة قبيل فجر العاشر من ذي الحجة فقد ادرك الحج ..حيث ان عرفة الركن الاعظم في مناسك الحج ..
ومن عظمة يوم عرفة أن الله أقسم به في كتابه، فهو المقصود باليوم المشهود في قوله تعالى "والسماء ذات البروج، واليوم الموعود، وشاهد ومشهود" (البروج 1-3)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اليوم الموعود يوم القيامة، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة" (رواه الترمذي وقال الألباني عنه حسن).
وقال بعض المفسرين أيضا إن يوم عرفة هو الوتر الذي أقسم الله به في قوله "والشفع والوتر"، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما- "الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة".
وهو يوم إكمال الدين وإتمام نعمة الاسلام ورسم شرائعه،الدنيوية والتعبدية ، فقد جاء في الصحيحين عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رجلا من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال: أي آية؟ قال "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" (سورة المائدة: من الآية 3)، قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو قائم بعرفة يوم الجمعة.
وعلى ذلك يتوجب على الحاج الانشغال في ذلك اليوم بالذكر والحمد والتسبيح والاستغفار والدعاء ويستحب لبقية الامة الانشغال فيه بالصيام فتكون الامة بمجموعها قد توجهت الى ربها في هذا اليوم المشهود وفي هذه الايام المباركة التي يجب الانشغال فيها بذكر الله العظيم وومتوحدة بجمعها على طاعته سبحانه، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "صيام يوم عرفه أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده" (رواه مسلم)، ويستحب فيه -كما في سائر العشر الأوائل من ذي الحجة- الإكثار من الأعمال الصالحة من صلاة نفل وصدقة وصيام وذكر وغيرها.
وقال صلى الله عليه وسلم "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام"، يعني أيام العشر الأوائل من ذي الحجة، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء" (رواه البخاري)...
وعقب غروب شمس اليوم التاسع -يوم عرفة - يتوجه الحجيج إلى مزدلفة ،وعند الوصول إليها يؤدي الحاج صلاة فرض المغرب وفرض العشاء جمع تأخير في وقت العشاء،ليتسنى له الفراغ يوم الوقوف للذكر والدعاء والانشغال به..!!
ولك أن تبيت بمزدلفة حتى تصلي بها الصبح، ثم تتوجه إلى منى، وهذا متوقف على استطاعة المبيت بمزدلفة، وإلا فلو لم تستطع المبيت بها أجزأك أن تمكث بها قدر حط الرحال ، أو التواجد بها لحظة بعد منتصف الليل ، أيهما أيسر لك ومزدلفة كلها موقف، وهي المشعر الحرام، فاستشعر تعظيم حرمات ربك وشرائعه التي شرع لك وأكثِر فيها من الذكر والدعاء والاستغفار والطلب من الله تعالى واجمع من أرضها الحصيات التي سترمي بها جمرة العقبة صباح يوم النحر بمنى وهي سبع حصيات كل واحدة منها في حجم حبة الفول. ولك أن تجمعها من أي مكان غير مزدلفة....
انك بالوقوف في يوم عرفة بعرفة انت واخوانك الحجيج قد حشدتم انفسكم وتجمعتم على امر الطاعة لله وحده ،واستعديتم لاكمال مسيرة الزحف على عدو الله مستعدين لرجمه وخلع ربقة طاعته من رقابكم هو واعوانه من شياطين الجن والانس،ودعواتهم ومناهج ضلالهم واغوائهم، ومعلنين طاعة ربكم فلا تتركوها حيث امركم بها، ولا تتواجدوا حيث نهاكم وحرم عليكم ..لعلكم تفلحون !!
نسال الله قبول الاعمال واصلاح الاحوال والنصر على الاعداء .. اللهم وثبت المرابطين في بيت المقدس واكنافه وانصر المجاهدين في غزة ... اللهم امين امين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته