12- الحلقة الثانية عشرة من سلسلة اثر العبادات التربوي على النفس والسلوك
د- الذكر - الشق الثاني من الشهادتين :
1- اشهد ان لا اله الا الله ... 2- اشهد ان محمدا رسول الله
الراجع الى معاجم اللغة يجد ان معنى الشهادة يدور حول المعاني التالية ذات الصلة ببعضها البعض :
الشَّهادةُ : أَن يخبر بما رأى وعاين. و الشَّهادةُ أَن يقرَّ ويعترف بما علم (وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَمِنَ الْآثِمِينَ ﴿١٠٦ المائدة﴾. و الشَّهادةُ مجموعُ ما يدرَكُ بالحس فلذلك نقول عالَم الشهادة ،وعن ما لا يُدرك بالحس عالَم الغيب،وعالِمُ الشهادة: عالِمُ الأكوان الظاهرة: مقابل عالِمِ الغيب ، قال الله تعالى:- (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9-الرعد) . وعرفها الفقهاء بانها : [الاخبار بحق شخص على غيره عن مشاهدة وعيان لا عن تخمين وحسبان ]. والشهادة في القضاء البيِّنَة : وهي أقوال الشهود أمام القضاء.
والشاهد ضد الغائب بمعنى الحاضر، والشاهد العلامة والدليل والبرهان .....
وشهادة ان لا اله الا الله يجب ان تكون عن علم ، اي ينطق بها المؤمن بيقين جازم غير قابل للنقض وقاطع للشك والظن ،(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ )[محمد:19]. وكما بينا في الحلقة السابقة ان لا اله الا الله تقتضي ان لا يُعبد الا الله ، ولا يُطاع في ملك الله غيره، ولا يكون في ملكه تدبير و امرٌ لسواه ، وهذا معنى الاسلام الحق ،الذي به ينقاد الانسان لطاعة امر ربه ولا يشرك به شيئا او احدا...
وهذا التوحيد والايمان يقتضي ان يكون على منهج الرسول الذي جاء مخبرا بالوحي عن مراد الخالق من الخلق مؤيدا بالمعجزات والايات البينات الدالة على صدق دعواه ،والمفيدة للعلم بمقتضى الوحي ومبتغاه ..
ومن هنا كان الشق الثاني لاتمام الشهادة التي بها يدخل الانسان دين الاسلام العظيم، فيعصم نفسه ودمه وماله وعرضه ، وتكون له السلامة في الدارين ... (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32 ال عمران)، فالمحك الرئيس بين الايمان والكفر هو الاحتكام الى الله ورسوله ، ورد المتنازع فيه بين الناس بما في ذلك ما بينهم وبين راعيهم الى الله ورسوله، لقوله عز وجل: { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } (النساء:65)، فهذه الآية تسلب وتنفي وصف الإيمان عن كل من لم يحتكم في أمره كله إلى شرع الله ورسوله. وقال تعالى في وجوب امر الرد الى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59 النساء). وبذلك فمن صدر في سلوكه عن حكم الله تعالى في كتابه، وعن حكم رسوله في سنته فقد هُدي إلى صراط مستقيم، ومن أعرض عن حكمهما، ونأى بنفسه عن شرعهما فقد ضل سواء السبيل.
هذه الشهادة مفتاح السعادة و الامان في الدنيا والاخرة ان اتى الانسان بحقها والتزم مضمونها فكرا وعقيدة وسلوكا ، ويكون قد خرج من محنة التباغض والتناحر والمعاداة التي هي صفة الكفار واهل الضلال المؤدية الى الانهيار لكيانهم في الدنيا ودخولهم النار يوم القيامة .
وبها دخل في رابطة اخوة المؤمنين التي هي من اعظم المنن بعد الايمان والاسلام ،واوصانا الله تعالى بالاعتصام بها فقال :- (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103ال عمران).
والى لقاء جديد اسال الله عز وجل ان يحفظ اهلنا ومجاهدينا في بيت المقدس واكنافه وينصرهم على من عاداهم وخذلهم وان يحفظ امة الاسلام ويجمعها على كلمة التقوى والايمان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .