9- الحلقة التاسعة من حديث الاثنين في مباحث العقل والايمان والعقيده
ادلة نبوة محمد بن عبدالله صلى الله عليه واله وسلم ومن تبعه ووالاه
1- الادلة العقلية :
لقد كان محمد في قومه رجلا خلوقا يتحلى باعظم خلق،و مؤدبا في حديثه وتعامله مع الناس ، يحمل اجل الصفات وارقاها بهداية موهوبة ، ولدرجة انهم سموه ولقبوه بالصادق الامين ، و- سبحان الله- المخبر بخبر يريد الناس ان يصدقوه ويتبعوه، يجب ان يكون مشتهرا بالصدق والامانة، لتطمئن نفوس المخبرين الى خبره فيصدقوه، و جاء محمد صلى الله عليه وسلم الصادق الامين كما عرف في قومه وقال لهم انا نبي و رسول من الله تعالى اليكم ..واستفز مشاعرهم واثار احاسيسهم بقوله لهم ان معبوداتكم من دون الله تعالى لا تضر ولا تنفع ، وما تعتقدونه فيها ما هو الا اساطير الاولين ..!! فطلبوا منه شهادة واثبات يثبت صدق دعواه ، فقال له ربه تعالى :{ [b]قُلْ أَىُّ شَىْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدَةً ۖ قُلِ ٱللَّهُ ۖ شَهِيدٌۢ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ۚ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَ ۚ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ ۚ قُل لَّآ أَشْهَدُ ۚ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَٰحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىٓءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ(19)الانعام}...[/b]
قال في التفسير الميسر : (قل -أيها الرسول لهؤلاء المشركين-: أيُّ شيء أعظم شهادة في إثبات صدقي فيما أخبرتكم به أني رسول الله؟ قل: الله شهيد بيني وبينكم أي: هو العالم بما جئتكم به وما أنتم قائلونه لي، وأوحى الله إليَّ هذا القرآن مِن أجل أن أنذركم به عذابه أن يحلَّ بكم، وأنذر به مَن وصل إليه من الأمم. إنكم لتقرون أن مع الله معبودات أخرى تشركونها به. قل لهم -أيها الرسول-: إني لا أشهد على ما أقررتم به، إنما الله إله واحد لا شريك له، وإنني بريء من كل شريك تعبدونه معه.اه).
- وهذا القران كان ولا يزال برهان صدقه و آية رسالته الخالدة، حيث تحداهم ان يأتوا بمثله ولو بسورة!! وهم اهل البلاغة والفصاحة التي طالما تفاخروا بها وعشقوها ، لدرجة انهم عملوا لها اسواقا ومواسم يحتفون بالكلمة شعرا ونثرا وخطابة!!
- وكانت قريش افصح العرب لسانا مرجع العرب في الفصاحة والبيان فلذلك كانوا اهل التحكيم في لسان العرب..!فجاءهم هذا الرصف القراني بلسانهم وبنفس كلماتهم وبنفس اساليب كلامهم ، ففهموه ولكنهم عجزوا ولا يزالون عاجزين امامه ...
- وهذا يضعنا امام ثلاث احتمالات لا غير:
- 1- ان محمداً كان عبقريا واذكى ابناء عصره، فاخترع هذا النظام اللغوي في رصف الكلام العربي بشكل موزون معجز لغيره، وهذا الامر منفي بكونه لم يتعلم ولم يسبق له حتى قول الشعر ، واربعين سنة عاش بينهم لم يروى عنه انه قال بيتا من الشعر - الذي كانوا يعتبرونه من ارقى واعجز اساليب نظم الكلام، ولم يروى عنه ايضا انه وقف في اسواقهم خطيبا او متحدثا باي فن من فنون الكلام ..وكل ما روي عنه في تلك الفترة انه كان يرعى الغنم لاهل مكة، فيجمع شويهات من كان مقلا في اقتناء الغنم ، ويرعاها مقابل قراريط من اهلها كما اخبر هو بنفسه عن ذلك .. ثم ان العبقري او الذكي في زمانه لا بد وان يأتي من بعده او من اقرانه من يستفيد من عبقريته وذكاءه فيفوقه!!،
- الا ان المحسوس والملموس عبر التاريخ ولليوم كل من استفاد من علم محمد - صلوات ربي وسلامه عليه واله- بقي دونه وخيرهم من صدقه واتبعه وعمل بهدية دون زيادة او نقصان !!
- 2- الاحتمال الثاني ان يكون هناك من علمه القران ، وهنا يرد عدة احتمالا ت، فاما ان يكون من علمه من الاقوام الاخرى -اي من غير العرب- وهذا مردود فما عجزت عنه العرب بلسانه حتما سيكون غيرها اعجز .. واما ان يكون من علمه القران عربي وهذا الامر ايضا منفي لان العرب كانت والناس لليوم لا يزالون يفتخرون بتفوقهم بكلمة تلقى الاعجاب والقبول بين الناس،فلو كان معلمه عربي لكان الاحرى ان يدعي هو النبوة والرسالة !!..
- واما ان يكون معلمه من العوالم الاخرى الخفية عن ابصار الانسان كالجن والملائكة، وهذ منفي ايضا لان الملائكة لا يفعلون الا ما يؤمرون، وليس لهم خاصية التعامل مع الناس الا من اختاره الله منهم واصطفاه من البشر فيرسلهم ليبلغوه بالوحي مراد الله تعالى ، و منتف ايضا عن الجن لان الجن ومنهم ابليس لو استطاعوا الى القران سبيلا لتيسر لهم امر اغواء الانسان ودعوا بني جنسه لعبادتهم واتباعهم ..!!
- 3- الاحتمال الثالث وهو الحق ان يكون قد صدق في دعواه و هذا الكلام كلام االله الذي خلق الانسان و خلق اللسان وعلمه البيان !! فانزل اليه هذا القران فيه الهداية للبشرية و فيه النذارة -
- (إِنّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشّرُ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً(9) وأنّ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً(10) [سورة الإسراء].
- وطالما ثبت بشكل قطعي لانتفاء الاحتمالات عقلا ان القران من عند غير الله تعالى فوجب القطع والتصديق الجازم بان هذا القران هو كلام الله تعالى، وهو بينة واثبات ان محمد بن عبدالله - صلوات ربي وسلامه عليه واله ومن والاه -رسول الله -. فان تيقنا من ذلك وآمنا به فان هذا القران ثبتت حجيته بالعقل ليخبرو ليدل العقل على ما لا يستطع العقل ادراكه، وما لا تستطع مداركة الاحاطة به ، والتصديق هو إدراك مشتمل على حكم، فهو إدراك مشتمل على الإثبات أو النفي، و الايمان هو اليقين والقطع بثبوت الشيء أو ثبوت شيء لشيء، والحكم بمطابقة النسبة للواقع أو عدم مطابقتها له.
- فالإيمان يكون بالأمر الغائب الذي يؤتمن عليه المخبِر، ولا تستطيع مدارك العقل والحواس ادرك عينه او تعجز عن ادراكه والاحاطة به، فلا تقول مثلا لمن قال لك: طلعت الشمس: آمنتُ لك، بل صدقتُك فالإيمانُ في اللغة العربية تصديقٌ، لكن ليس كلُ تصديقٍ يكون إيمانا ، لان هناك تصديق قد ينفيه الاطلاع على حقيقة الواقع، فابوك ادم وامك حواء كما ذكرنا سابقا في الحلقة الماضية , يوم قاسمهما ابليس بان الشجرة التي نهاهما ربهما عنها انما هي شجرة الخلود ومن اكل منها لن يموت ، فصدقاه لأيمانه التي حلفها لهما، لكن الواقع كذبه و تبين لهما انه بتلك الاقسام والايمان كان كاذبا ومخادعا فأوقعهما في شركه !!! .
فهناك اذا فرق بين التصديق والإيمان. فالتصديق يعني عدم الرفض أو عدم الشك في موضوع التصديق، وتقبله بدون تفكير أو مناقشة. فأنت قد تصدق خبرا سمعته لأنه صادف هوى في نفسك كما حصل لابوينا مع ابليس حيث هوت انفسهما الخلود الذي غرهما به وبمقاسمته لهما على ذلك. أما الإيمان فهو أعلى من التصديق، لأنه يأتي عن قناعة مبنية على بينة ودليل، ولا بد أن يرتبط بالعمل لانه ان صح وصدق حقا وتمكن من النفس كان دافعا للعمل مكيفا للنفس وهواها ، فلا تشتهي ولا تحب ولا تكره الا بموجبه.
- وفي لقائنا القادم ان شاء الله تعالى سنناقش امور الادلة والاستدلال في العقيدة
- اللهم مع اذان الفجر هذا نسالك عزا ونصرا مؤزرا لمرابطينا ومجاهدينا في بيت المقدس واكنافه انك انت القوي العزيز
- والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-05-27, 4:01 am عدل 2 مرات