****{بسم الله الرحمن الرحيم} ****
2- الحلقة الثانية من حديث الاثنين في مباحث العقيدة والايمان
صياغة الاسلام للعقل البشري واعادته الى فطرته الاولى :-
العقل البشري هو القوة المحرکة للإنسان، وبه يصبح الانسان قادرا على التعلم والابتکار والتفکير الخلاق. إلا أن کثير من الناس لا يستفيد من هذه الثروة والنعمة الكبرى الاستفادة الکافية ، والسبب فى ذلك لا يکمن فى الاختلاف بين البشر فى إمکانات وقدرات العقل، بقدر ما يکمن فى نمط التربية واساليب التعليم والتثقيف التى يتلقاها کل فرد ، وکذلك طريقة التعامل مع العقل وتزويده بالمعلومات ومهارات واساليب التفکير.
فعلى الرغم من أن قدرات العقل البشري هائلة جدا و تكاد ان تكون غير محدودة ، إلا أن استخدام الناس في الغالبية العظمى لها لا يتجاوز ما نسبته اثنان في الماية فقط من إجمالى هذه القدرات، حسب دراسات الباحثين . إلا أنه بإمکان کل شخص أن يزيد من قدراته العقلية بصورة تفوق توقعه.
لذا فالمجتمع الذي يريد ان يرتقي ويغير من واقعه الهابط فكريا ، بحاجة إلى ثورة جديدة فى التفکير والتغيير، يتم من خلالها إعادة بناء العقل البشري بما يمکنه من استغلال جميع قدراته الکامنة التى لم تستغل بعد. وبهذه الثورة يستطيع المجتمع تکوين عقليات مفکرة ومبدعة، وقادرة على مواجهة التحديات وتطويع الصعوبات ، وانتاج القيادات الرائدة المستنيرة .
وتمثل هذه الثورة بداية التغيير، حيث أنها تهدف إلى إحداث تغييرات فى الروابط والاتصالات داخل العقل بما يمکنه من إطلاق أقصى طاقاته، ليکون قادراً على انتزاع المستقبل من فم المستحيل. فثورة العقول هى التى تمنح الإنسان بريق الفکرة، وبها تتقدم الأمم وتنهض المجتمعات وتتغير الى الافضل وترتقي، قال الله تعالى :- (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ )[الرعد:11].
وقد تشكل العقل الاول للانسان الاول برعاية الله تعالى والهامه ، بعد ان خلقه من الطين -التراب والماء- وجعله بشرا سويا، فالهمه المعلومات السابقة ليستطيع التفكير والحكم بموجبها على الوقائع التي تُعرض عليه ، والداية مع قوله تعالى : - (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) - البقرة). ولذلك كان إظهار عجز الملائكة عن لحاق هذا الشأو، بعدم تعليمهم لشيء من الأسماء، ولو كانت المزية والتفاضل في تعليم آدم جميع ما سيكون من الأسماء في اللغات، لكفى في إظهار عجز الملائكة عدم تعليمهم لجمهرة الأسماء، وإنما علم آدم أسماء الموجودات يومئذ كلها، ليكون إنباؤه الملائكة بها أبهر لهم في فضيلته وأفضليته على الخلق بهذا العقل الموهوب له من خالقه والذي احسن الاب الاول استخدامه كما اراد الله تعالى فابهر الملائكة، الذين امرهم بالسجود له سجود تحية واحترام وتقدير،لا سجود تعبد وتذلل ، وانظر قوله تعالى: - ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) البقرة) .
إن تعليم آدم الأسماء هو علم رباني موهوب كامل، يدل على كمال الله الذي علّم الأسماء، وتعليمها قبس من علم الله، وثمرة ذلك العلم هو القدرة على استيعاب الأسماء كلها، والتفكير في كل شيء وربطه بصلته بخالقه، وادراك سنن الله تعالى في تسيير الوجود وتدبير امره. واستعداد الانسان لاستيعابها وعدم التصادم معها كي لا يكون نشازا في عالم الوجود .. فكان الله تعالى من علم وتولى ادم نقل العلم لذريته يتناقلونها جيلا بعد جيل، الى ان نسي الانسان ما ورثه من علم رباني ، وازله الشيطان بالتخييل والتوهيم له عن جادة الحق والصواب ،فاقفل عليه وعي عقله بالمغريات ، (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)البقرة ) و أدخل على عقله الوهم والتخيل ،فانحط العقل البشري وهبط ليعقل فقط المادة واطرها واشكالها ، فوقع العقل البشري اسيرا لقيود المادة كما اشرنا في حلقة الاثنين الماضي ... مجسما مجسدا لا يعقل الا في اطر وحدود المادة ، حتى ان عقله المنحط اوهمه ان للاله جسدا وصورة وشكلا ، فجسد الخالق من العدم في صور ما وُجد من العدم ...
ورغم ان الايات الاولى التي تحدثنا عنها الاسبوع الماضي نفت ادراك الذات وعقلها ، لان العقل لا يكون الا بادراك واقع يقع تحت الحس ، والاله سبحانه فوق الواقع واكبر من ان تدركه حواس الانسان المحدود العاجز، ولا يدرك منه تعالى الا وجوب وجوده واسماءه الدالة عليه باوصاف الجمال والكمال ، والتي تعلوا وتفوق كل التصورات والخيال ..
الا ان القوم المجسدة المجسمة المصورة استمروا في انحطاطهم الفكري والعقلي ، فجاءوا للنبي سلام الله عليه يسألونه عن ماهية الاله !! يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا لعبادته ،أهو من ذهب ام من فضة ام من زبرجد؟!!
فلاحظ السؤال هنا عن الماهية المكونة للذات ، لانهم لم يستطيعوا ان يخرجوا من اطر المادة ، ولم يستطيعوا بالتالي ان يتصوروا وجودا خارج اطر المادة وصورها واشكالها ..
وجاءوا مرة اخرى بتحريض من اهل الكتاب يطالبونه ، يا محمد : انسب لنا ربك !! ومعلوم ان العرب تعظم النسب ، فكأنهم يقولون من ابوه وجده وقبيلته ؟؟!!
فينزل الله تعالى رده عليهم بقوله :- { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4). الاخلاص}.وسُميت سورة الاخلاص لان المؤمن يخلصُ بها ايمانه من شوائب تفكير الجاهلية ، ويوحد الله حق توحيده مخلصا له الدين ، فيأمر تعالى نبيه ان يقول مجيبا لهم على هذا التصور الهابط والاسئلة السمجة عن التصور الالهي، الذي عجزت عقولهم المادية الوثنية عن ادراكه ، (الله) اي الخالق الموجد من العدم، المدبرلما ابرزه من العدم الى الوجود بما يستقيم امره في الوجود، (أحدٌ) اي لا جنس له ولا نوع ، والقياس والمشابهة تكون بين النوع والجنس ، فلا تشبيه يمكن ولا قياس يصح في حقه ، ثم ان الاحد الذي لا جنس له ولا نوع يمتنع في حقه التزاوج ، لان التزاوج يكون بين الاجناس الواحدة او المتقاربة ، وبذلك يمتنع في حقه الوالد والولد ، فهو (الصمد) الذي لا يعتريه التغيير ولا التبديل الذي يكون بفعل تأثير الزمان والمكان للمخاليق ، وهو فوق الزمان والمكان صمدا لا يعتريه تأثير عوامل الزمان والمكان وتقلب الاحوال التي بيده تقليبها كيفما يشاء .. ومن كان هذا وصفه فهو بالتالي لم يلد ولم يولد .. والولد يحتاجه الحي من المخلوقات لحاجة السن، وهو صمد لا يحتاج ولا يمر عليه عوارض الزمان والعمر والامد .. ثم لا جنس له وهو الحي الذي لا يموت ، فهو غني عن الولد والجنس والنوع ، وبالتالي من هذا وصفه وحاله (لم يكن له كفوا احد ) وبذلك امتنعت المكافأة فامتنعت المشاركة وامتنعت المقاسمة ...
هذا تاسيس للعقل المؤمن وطريقة التفكير التي ردنا الله تعالى بها بالاسلام العظيم الى الفطرة الاولى ...
وتوالت الايات البينات في القران الكريم لتعزز هذا الطريق المستنير للتفكير وبناء العقل البشري المؤمن، الخالص من شوائب الجهل والجاهلية ، لاستنارته بنور الوحي .
والى ان نلقاكم يوم الاثنين المقبل استودعكم الله دينكم واماناتكم واولها وجوب استنارة عقولكم وتفكيركم بنور الوحي وهداه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
2- الحلقة الثانية من حديث الاثنين في مباحث العقيدة والايمان
صياغة الاسلام للعقل البشري واعادته الى فطرته الاولى :-
العقل البشري هو القوة المحرکة للإنسان، وبه يصبح الانسان قادرا على التعلم والابتکار والتفکير الخلاق. إلا أن کثير من الناس لا يستفيد من هذه الثروة والنعمة الكبرى الاستفادة الکافية ، والسبب فى ذلك لا يکمن فى الاختلاف بين البشر فى إمکانات وقدرات العقل، بقدر ما يکمن فى نمط التربية واساليب التعليم والتثقيف التى يتلقاها کل فرد ، وکذلك طريقة التعامل مع العقل وتزويده بالمعلومات ومهارات واساليب التفکير.
فعلى الرغم من أن قدرات العقل البشري هائلة جدا و تكاد ان تكون غير محدودة ، إلا أن استخدام الناس في الغالبية العظمى لها لا يتجاوز ما نسبته اثنان في الماية فقط من إجمالى هذه القدرات، حسب دراسات الباحثين . إلا أنه بإمکان کل شخص أن يزيد من قدراته العقلية بصورة تفوق توقعه.
لذا فالمجتمع الذي يريد ان يرتقي ويغير من واقعه الهابط فكريا ، بحاجة إلى ثورة جديدة فى التفکير والتغيير، يتم من خلالها إعادة بناء العقل البشري بما يمکنه من استغلال جميع قدراته الکامنة التى لم تستغل بعد. وبهذه الثورة يستطيع المجتمع تکوين عقليات مفکرة ومبدعة، وقادرة على مواجهة التحديات وتطويع الصعوبات ، وانتاج القيادات الرائدة المستنيرة .
وتمثل هذه الثورة بداية التغيير، حيث أنها تهدف إلى إحداث تغييرات فى الروابط والاتصالات داخل العقل بما يمکنه من إطلاق أقصى طاقاته، ليکون قادراً على انتزاع المستقبل من فم المستحيل. فثورة العقول هى التى تمنح الإنسان بريق الفکرة، وبها تتقدم الأمم وتنهض المجتمعات وتتغير الى الافضل وترتقي، قال الله تعالى :- (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ )[الرعد:11].
وقد تشكل العقل الاول للانسان الاول برعاية الله تعالى والهامه ، بعد ان خلقه من الطين -التراب والماء- وجعله بشرا سويا، فالهمه المعلومات السابقة ليستطيع التفكير والحكم بموجبها على الوقائع التي تُعرض عليه ، والداية مع قوله تعالى : - (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) - البقرة). ولذلك كان إظهار عجز الملائكة عن لحاق هذا الشأو، بعدم تعليمهم لشيء من الأسماء، ولو كانت المزية والتفاضل في تعليم آدم جميع ما سيكون من الأسماء في اللغات، لكفى في إظهار عجز الملائكة عدم تعليمهم لجمهرة الأسماء، وإنما علم آدم أسماء الموجودات يومئذ كلها، ليكون إنباؤه الملائكة بها أبهر لهم في فضيلته وأفضليته على الخلق بهذا العقل الموهوب له من خالقه والذي احسن الاب الاول استخدامه كما اراد الله تعالى فابهر الملائكة، الذين امرهم بالسجود له سجود تحية واحترام وتقدير،لا سجود تعبد وتذلل ، وانظر قوله تعالى: - ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) البقرة) .
إن تعليم آدم الأسماء هو علم رباني موهوب كامل، يدل على كمال الله الذي علّم الأسماء، وتعليمها قبس من علم الله، وثمرة ذلك العلم هو القدرة على استيعاب الأسماء كلها، والتفكير في كل شيء وربطه بصلته بخالقه، وادراك سنن الله تعالى في تسيير الوجود وتدبير امره. واستعداد الانسان لاستيعابها وعدم التصادم معها كي لا يكون نشازا في عالم الوجود .. فكان الله تعالى من علم وتولى ادم نقل العلم لذريته يتناقلونها جيلا بعد جيل، الى ان نسي الانسان ما ورثه من علم رباني ، وازله الشيطان بالتخييل والتوهيم له عن جادة الحق والصواب ،فاقفل عليه وعي عقله بالمغريات ، (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)البقرة ) و أدخل على عقله الوهم والتخيل ،فانحط العقل البشري وهبط ليعقل فقط المادة واطرها واشكالها ، فوقع العقل البشري اسيرا لقيود المادة كما اشرنا في حلقة الاثنين الماضي ... مجسما مجسدا لا يعقل الا في اطر وحدود المادة ، حتى ان عقله المنحط اوهمه ان للاله جسدا وصورة وشكلا ، فجسد الخالق من العدم في صور ما وُجد من العدم ...
ورغم ان الايات الاولى التي تحدثنا عنها الاسبوع الماضي نفت ادراك الذات وعقلها ، لان العقل لا يكون الا بادراك واقع يقع تحت الحس ، والاله سبحانه فوق الواقع واكبر من ان تدركه حواس الانسان المحدود العاجز، ولا يدرك منه تعالى الا وجوب وجوده واسماءه الدالة عليه باوصاف الجمال والكمال ، والتي تعلوا وتفوق كل التصورات والخيال ..
الا ان القوم المجسدة المجسمة المصورة استمروا في انحطاطهم الفكري والعقلي ، فجاءوا للنبي سلام الله عليه يسألونه عن ماهية الاله !! يا محمد صف لنا ربك الذي تدعونا لعبادته ،أهو من ذهب ام من فضة ام من زبرجد؟!!
فلاحظ السؤال هنا عن الماهية المكونة للذات ، لانهم لم يستطيعوا ان يخرجوا من اطر المادة ، ولم يستطيعوا بالتالي ان يتصوروا وجودا خارج اطر المادة وصورها واشكالها ..
وجاءوا مرة اخرى بتحريض من اهل الكتاب يطالبونه ، يا محمد : انسب لنا ربك !! ومعلوم ان العرب تعظم النسب ، فكأنهم يقولون من ابوه وجده وقبيلته ؟؟!!
فينزل الله تعالى رده عليهم بقوله :- { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4). الاخلاص}.وسُميت سورة الاخلاص لان المؤمن يخلصُ بها ايمانه من شوائب تفكير الجاهلية ، ويوحد الله حق توحيده مخلصا له الدين ، فيأمر تعالى نبيه ان يقول مجيبا لهم على هذا التصور الهابط والاسئلة السمجة عن التصور الالهي، الذي عجزت عقولهم المادية الوثنية عن ادراكه ، (الله) اي الخالق الموجد من العدم، المدبرلما ابرزه من العدم الى الوجود بما يستقيم امره في الوجود، (أحدٌ) اي لا جنس له ولا نوع ، والقياس والمشابهة تكون بين النوع والجنس ، فلا تشبيه يمكن ولا قياس يصح في حقه ، ثم ان الاحد الذي لا جنس له ولا نوع يمتنع في حقه التزاوج ، لان التزاوج يكون بين الاجناس الواحدة او المتقاربة ، وبذلك يمتنع في حقه الوالد والولد ، فهو (الصمد) الذي لا يعتريه التغيير ولا التبديل الذي يكون بفعل تأثير الزمان والمكان للمخاليق ، وهو فوق الزمان والمكان صمدا لا يعتريه تأثير عوامل الزمان والمكان وتقلب الاحوال التي بيده تقليبها كيفما يشاء .. ومن كان هذا وصفه فهو بالتالي لم يلد ولم يولد .. والولد يحتاجه الحي من المخلوقات لحاجة السن، وهو صمد لا يحتاج ولا يمر عليه عوارض الزمان والعمر والامد .. ثم لا جنس له وهو الحي الذي لا يموت ، فهو غني عن الولد والجنس والنوع ، وبالتالي من هذا وصفه وحاله (لم يكن له كفوا احد ) وبذلك امتنعت المكافأة فامتنعت المشاركة وامتنعت المقاسمة ...
هذا تاسيس للعقل المؤمن وطريقة التفكير التي ردنا الله تعالى بها بالاسلام العظيم الى الفطرة الاولى ...
وتوالت الايات البينات في القران الكريم لتعزز هذا الطريق المستنير للتفكير وبناء العقل البشري المؤمن، الخالص من شوائب الجهل والجاهلية ، لاستنارته بنور الوحي .
والى ان نلقاكم يوم الاثنين المقبل استودعكم الله دينكم واماناتكم واولها وجوب استنارة عقولكم وتفكيركم بنور الوحي وهداه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..