3- الحلقة الثالثة من حديث الاثنين - مباحث الايمان والعقيدة
صياغة العقل المسلم
قلنا فيما سبق ان العقل البشري وهبه الله تعالى لابي البشر ادم فطره الله عقلا مستقيما بما اودع الله فيه من معلومات عن الوقائع والاشياء واسمائها ومسمياتها ، مما اثار دهشة واعجاب الملائكة بحكمه على الاشياء في اول اختبار له ، فسجدوا تكريما لايات الله التي اودعها في كائن من تراب !!
وقد اثار ذلك حسد ابليس الذي كان من الجن ففسق عن امر ربه وعصى ، وتوعد ذرية ادم ليحتنكهم اجمعين وليقعدن لهم الصراط المستقيم !!!
فعمل الشيطان وذريته واتباعه على مر العصور والدهور ليجتال ذرية ادم ويغويهم ويضلهم عن طريق الهداية بتعمية بصائرهم واغلاق عقولهم عن مسير التفكير القويم..
فاغرى الانسان واغواه ليتخذ من واقع المادة مقياسا ويسجن عقل البشر في حدود واطر المادة وقيودها المستلزمة من حيث وجودها للماهية والشكل والصورة ، واصبح الناس مجسدين ومجسمين ، حتى بعض الامم من شدة تأثرهم بالفكر التجسيدي والتجسيم ،طلبوا من نبيهم وهو بين ظهرانيهم خرج بهم من البحر وانجاهم من ال فرعون ... ومع تلك المعجزات التي كانوا يرونها ويعيشونها حسيا وتقع امام اعينهم، الا انهم طلبوا منه ان يجعل لهم رمزا للاه الواحد الذي اتبعوا رسولهم على اساس الايمان به ، فكانوا موحدين في الحقيقة يؤمنون باله واحد ، الا انهم طلبوا له منحوتا يصور صورته !!ويجسد لهم وجوده لما مروا على قوم عاكفين على اصنامهم، فهم لا يريدون اصناما متعددة ، بل صنما واحدا يتماشى مع عقيدة التوحيد كما توهموا !!
(وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَٰهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140الاعراف)
ونظير هذا قول جهال الأعراب من العرب وقد رأوا شجرة خضراء للكفار تسمى ذات أنواط يعظمونها في كل سنة يوما ، فقالوا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط . فقال عليه الصلاة والسلام : الله أكبر . قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون، لتركبن سنن من قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى إنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه . وكان هذا الحدث يوم خروجه صلى الله عليه وسلم لحنين ...
وها هم ابنائنا الذين تربوا على ايدي مفكري وفلاسفة الغرب، يدعون انه لا يصلح للتفكير ولا يكون معقولا الا ما يثبت بالطريقة العلمية . والتي حقيقة لا تصلح الا داخل جدران المختبر ، وكم من امر عجز عنه المختبر وعلماؤه ولم يعرفوه وربما لن يعرفوه ، فالروح مثلا التي يعتبرونها سر الحياة للكائن الحي،اين هي وفي اي جزء منه؟؟ واين تذهب اذا خرجت ؟؟!!
فهذا ما لم يستطع ولن يستطع المختبر الاجابة عليه ... وكذلك امر اخر مما اكتشف العلماء اثاره ولم يكشفوا لا كنهه ولا شكله ولا صورته ولا يستطيعون تمثيله !! الا وهو سيل الالكترونات حسب قولهم المتدفق في اسلاك الكهرباء فينير البيوت والطرقات ويشغل عجلة الانتاج في كثير من المصانع ومعامل الانتاج !! فهل يستطع عالم المختبر ان يصور لنا صورة حقيقية لسيل الالكترونات الكهربائية في اسلاك الكهرباء!!؟
فاذا صح هذا في حق بعض الخلق الذي ندركه، فما بالك بالخالق الذي خلق الخلق واختفى وراء وفوق الخلق عن الخلق ليدركه الخلق من الخلق !!؟
فكان سبحانه الظاهر باثاره لتركه الالباب من اثاره ، وكان هو الباطن بذاته لان مدارك الالباب لن تستطع ادراكه ، فلذلك كان التعامل يجب ان يكون فقط مع اسمه العظيم، الدال على وجوب وجوده كون الوجود يستند في وجوده الى وجوده وهو سبحانه لا يستند في وجوده الى وجود . فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96الحديد) ، و ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى(1﴾ سورة الاعلى)..
وكان اول ما نزل ليصنع التصور الالهي ويعيده لعقل الفطرة الاولى قوله تعالى : - (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1العلق)...
ثم جائت سورة الاخلاص لتخلص العقيدة من شوائب التجسيم والتجسيد والمشابهة والمكافئة والتمثيل ، وقد تحدثنا عنها في الحلقة الماضية ، ثم جاءت الاية الكريمة في سورة الشورى لتؤكد تلك المعاني فقال تعالى :- (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)
ففي اطار التعامل مع الاسم الذي لن تدرك من وجوده تعالى الا اسمه فقط ، وفي اطار قل هو الله احد ، الله الصمد ، وفي اطار ليس كمثله شيء، يجب ان يكون التصور لأمر الوجود الالهي، فهو مغاير للواقع مناف لمشابهته فقد كان واجب الوجود والوجود عدم ، فكيف يقارن او يشبه او يماثل بما كان عدما في حين كان واجب الوجود ولا مكان ولا زمان ، فهو فوق الادراك وفوق الواقع وفوق الوجود ، وصمد لا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان ...
ولا نبحث لا في ذاته ولا في صفاته الا متوقفين على ما اخبر به تعالى عن نفسه .. قال تعالى في خواتيم سورة الشورى :- (فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (12) ۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (14) فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15الشورى) ...
وختاما نسأل الله تعالى ان يجعلنا ممن عناهم في اول سورة البقرة حيث قال :- (الم (1) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5 البقرة)... فأمور الغيب لا نسأل عنها الا الله تعالى من خلال كتابه المنزل على رسوله ليكون نورا هاديا للعالمين، فهو وحده من له القدرة عن الاخبار بالغيب المغيب عن مدركات الحواس ...(عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9الرعد) وقال في سورة (المؤمنون):
(بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (92المؤمنون)..
ونساله تعالى ان يجعلنا ممن قال فيهم في خواتيم البقرة :-
﴿ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ ٱلۡمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا ٱكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَٱعۡفُ عَنَّا وَٱغۡفِرۡ لَنَا وَٱرۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ(286) البقرة﴾
اللهم امين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2024-04-08, 7:49 am عدل 1 مرات