بسم الله الرحمن الرحيم
حديث الصباح اسعد الله صباحكم بطاعته وذكره وشكره
- مع حجيج بيت الله تعالى -
اخي الحاج الكريم - اختي الحاجة الكريمة، اخي واختي من امة الاسلام :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم هو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة نسال الله تعالى قبول حج من حج وتيسير وتسهيل امر الحج من قابل لمن لم يحج او من يريده في ظل راية الاسلام ولواء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم - اللهم امين
هذا اليوم هو اخر وختام ايام الرجم لمن اقام من الحجاج ولم يتعجل ...وبغياب شمسه وغروبها يكون قد انتهى وقت ذبح الاضحية ، فمن لم يذبح اضحيته للان معه متسع من الوقت لقبل الغروب هذا اليوم ...
وبهذا يكون مجموع ما رماه الحاج من الحصى راجما ابليس:- 7حصيات في يوم النحر+21 في اول ايام التشريق+21 في ثاني ايام التشريق+21 في ثالث ايام الرمي والتشريق=70 حصاة ..
ومن استعجل في يومين ورحل امس يكون مجموع ما رماه 59 حصاة !!
لاحظ معي :
1- فقد أخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم. وقال ابن حجر في فتح الباري:أخرجه الترمذي بسند حسن. والمراد بهذا الحديث: أن غالب من يعمر من هذه الأمة المباركة فإنه غالبا لا يتجاوز السبعين !! وكأنك برجمك هذا ترجم بعدد سني غالب اعمار ابناء هذه الامة !!
2- وكأن الشارع الحكيم يطلب منك على الدوام في سني عمرك رمي الشيطان ونبذ مناهج ابليس من حياتك ، ومعاداته واعوانه وتلامذته- من شياطين الانس والجن - ما دمت حيا ...!!
3- انك اليوم تختم اعمال حجك بالرجم لابليس اللعين ،،، فكما ان الحج توبة العمر -وقد لا يتسنى لك تكراره - فالتزم رجم الشيطان واتباعه طوال عمرك ، واتخذه عدوا كما امر الله تعالى وقرر :- (قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ قالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ [سورة الأعراف:24-25]. فقوله تعالى: " قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو " إلى آخر الآية، فكان الخطاب موجه لآدم وزوجته وإبليس، وعداوة بعضهم لبعض هو ما يشاهد من اختلاف طبائعهم، وهذا قضاء منه تعالى والقضاء الآخر قوله: " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " أي إلى آخر الحياة الدنيوية، وظاهر السياق أن الخطاب الثاني أيضا يشترك فيه الثلاثة. ( وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ) أي : قرار وأرزاق وآجال ( إلى حين ) أي : إلى وقت مؤقت ومقدار معين محدد ، ثم تقوم القيامة فتردون الى عالم الغيب والشهادة للحساب .
وتدبر معي اخي قوله تعالى في سورة البقرة :- (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)البقرة).
كما وتدبر معي قوله تعالى في سورة طه :- (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126) وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ (127) طه ) .فلاحظ ان سبب العداوة من البداية كان الحسد في نفس ابليس اللعين والتكبر والاعتزاز بالاصل والعنصر والحقد والضغينة والتوعد بالانتقام، فاعماه ذلك عن التوبة والاستغفار الذي وُفق اليه ادم فنا توبة الله عليه !! ولاحظ ان العداوة مستمرة بين جنس الانسان بني ادم وجنس الشيطان واعوانه من شياطين الانس الذين يغويهم ويزين لهم مناهجه ويستدرجهم بنسيانهم الاخرة ويمنيهم بالخلود الذي به اضل ابويكم الاوائل من قبل !! فاحذروه واتخذوه عدوا وارجموه وانبذوه ومناهج ضلاله ، واتبعوا هدي ربكم فلا تضلون ولا تشقون .. والشقاء يكون بالضلال وعمى البصيرة عن منهج الله ربكم وخالقكم والاعلم بكم وبما يصلح امركم منكم سبحانه ...!!
ولقد حذركم الله ايها الناس وربكم سبحانه وتعالى من اتباع خطوات عدوكم وموالاته فقال لكم :- (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) الكهف) .
فيا معشر بني ادم : - ان العمر قصير ومحدود ، وانه لا يتسع لمزيد من التجارب !! فاختموا اعماركم بتوبة نصوحا كما ان الحاج اليوم يختم اعمال وموسم حجه برجم ابليس فارجموه واخرجوا محبة مناهجه وموالاته من نفوسكم ، فلا تكونوا ممن قال الله تعالى في حقهم :-﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [ سورة المجادلة: 19]، فأنساهم ذكر الله أي : أوامره في العمل بطاعته . و زواجره في النهي عن معصيته . والنسيان قد يكون بمعنى الغفلة ، وقد يكون بمعنى الهجرو الترك ، والوجهان محتملان هنا .
وكونوا ممن ختم الله تعالى سورة المجادلة بذكر صفاتهم الكريمة واعمالهم المبرورة ، فقال تعالى :- (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)المجادلة .. أي : لا يوادون المحادين ولو كانوا من الأقربين ، كما قال تعالى : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه ) [ آل عمران : 28 ] الآية ، وقال تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) [ التوبة : 24 ]... قال ابن كثير رحمه الله تعالى :- "وفي قوله : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) سر بديع ، وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله عوضهم الله بالرضا عنهم ، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم ، والفوز العظيم ، والفضل العميم ".
و واما في قوله تعالى : ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) أي : هؤلاء حزب الله ، أي : عباد الله وأهل كرامته وجند دعوته وحملة رسالته. وفي نسبتهم لله تشريف وتكريم واعلاء شانهم جعلنا الله واياكم منهم..
وقوله : ( ألا إن حزب الله هم المفلحون ) تنويه بفلاحهم وسعادتهم ونصرهم في الدنيا ولو بعد حين،و في الآخرة بالفوز بما يكتب لهم ربهم من الكرامة واالنجاة من مصير الظالمين ،وذلك في مقابلة ما أخبر عن أولئك بأنهم حزب الشيطان . ثم قال : ( ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) ..
اللهم اختم بالصالحات اجالنا وانصرنا على اعدائنا واجعلنا من حزبك المفلحين ونعوذ بك ان نكون من حزب الشيطان ، اللهم وانصر المجاهدين وثبت وايد المرابطين في بيت المقدس واكنافه بنصرك ونصرتك ..
وتقبل الله منا ومنكم وكل عام وانتم وامتنا بالخير والعز والتمكين والمد لله رب العالمين وسلام على الانبياء والمرسلين ...
حديث الصباح اسعد الله صباحكم بطاعته وذكره وشكره
- مع حجيج بيت الله تعالى -
اخي الحاج الكريم - اختي الحاجة الكريمة، اخي واختي من امة الاسلام :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليوم هو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة نسال الله تعالى قبول حج من حج وتيسير وتسهيل امر الحج من قابل لمن لم يحج او من يريده في ظل راية الاسلام ولواء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم - اللهم امين
هذا اليوم هو اخر وختام ايام الرجم لمن اقام من الحجاج ولم يتعجل ...وبغياب شمسه وغروبها يكون قد انتهى وقت ذبح الاضحية ، فمن لم يذبح اضحيته للان معه متسع من الوقت لقبل الغروب هذا اليوم ...
وبهذا يكون مجموع ما رماه الحاج من الحصى راجما ابليس:- 7حصيات في يوم النحر+21 في اول ايام التشريق+21 في ثاني ايام التشريق+21 في ثالث ايام الرمي والتشريق=70 حصاة ..
ومن استعجل في يومين ورحل امس يكون مجموع ما رماه 59 حصاة !!
لاحظ معي :
1- فقد أخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم. وقال ابن حجر في فتح الباري:أخرجه الترمذي بسند حسن. والمراد بهذا الحديث: أن غالب من يعمر من هذه الأمة المباركة فإنه غالبا لا يتجاوز السبعين !! وكأنك برجمك هذا ترجم بعدد سني غالب اعمار ابناء هذه الامة !!
2- وكأن الشارع الحكيم يطلب منك على الدوام في سني عمرك رمي الشيطان ونبذ مناهج ابليس من حياتك ، ومعاداته واعوانه وتلامذته- من شياطين الانس والجن - ما دمت حيا ...!!
3- انك اليوم تختم اعمال حجك بالرجم لابليس اللعين ،،، فكما ان الحج توبة العمر -وقد لا يتسنى لك تكراره - فالتزم رجم الشيطان واتباعه طوال عمرك ، واتخذه عدوا كما امر الله تعالى وقرر :- (قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ قالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ [سورة الأعراف:24-25]. فقوله تعالى: " قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو " إلى آخر الآية، فكان الخطاب موجه لآدم وزوجته وإبليس، وعداوة بعضهم لبعض هو ما يشاهد من اختلاف طبائعهم، وهذا قضاء منه تعالى والقضاء الآخر قوله: " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " أي إلى آخر الحياة الدنيوية، وظاهر السياق أن الخطاب الثاني أيضا يشترك فيه الثلاثة. ( وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ) أي : قرار وأرزاق وآجال ( إلى حين ) أي : إلى وقت مؤقت ومقدار معين محدد ، ثم تقوم القيامة فتردون الى عالم الغيب والشهادة للحساب .
وتدبر معي اخي قوله تعالى في سورة البقرة :- (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (36) فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)البقرة).
كما وتدبر معي قوله تعالى في سورة طه :- (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ (117) إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ (119) فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (120) فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ (122) قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ۖ وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ (126) وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ (127) طه ) .فلاحظ ان سبب العداوة من البداية كان الحسد في نفس ابليس اللعين والتكبر والاعتزاز بالاصل والعنصر والحقد والضغينة والتوعد بالانتقام، فاعماه ذلك عن التوبة والاستغفار الذي وُفق اليه ادم فنا توبة الله عليه !! ولاحظ ان العداوة مستمرة بين جنس الانسان بني ادم وجنس الشيطان واعوانه من شياطين الانس الذين يغويهم ويزين لهم مناهجه ويستدرجهم بنسيانهم الاخرة ويمنيهم بالخلود الذي به اضل ابويكم الاوائل من قبل !! فاحذروه واتخذوه عدوا وارجموه وانبذوه ومناهج ضلاله ، واتبعوا هدي ربكم فلا تضلون ولا تشقون .. والشقاء يكون بالضلال وعمى البصيرة عن منهج الله ربكم وخالقكم والاعلم بكم وبما يصلح امركم منكم سبحانه ...!!
ولقد حذركم الله ايها الناس وربكم سبحانه وتعالى من اتباع خطوات عدوكم وموالاته فقال لكم :- (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا (50) الكهف) .
فيا معشر بني ادم : - ان العمر قصير ومحدود ، وانه لا يتسع لمزيد من التجارب !! فاختموا اعماركم بتوبة نصوحا كما ان الحاج اليوم يختم اعمال وموسم حجه برجم ابليس فارجموه واخرجوا محبة مناهجه وموالاته من نفوسكم ، فلا تكونوا ممن قال الله تعالى في حقهم :-﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [ سورة المجادلة: 19]، فأنساهم ذكر الله أي : أوامره في العمل بطاعته . و زواجره في النهي عن معصيته . والنسيان قد يكون بمعنى الغفلة ، وقد يكون بمعنى الهجرو الترك ، والوجهان محتملان هنا .
وكونوا ممن ختم الله تعالى سورة المجادلة بذكر صفاتهم الكريمة واعمالهم المبرورة ، فقال تعالى :- (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)المجادلة .. أي : لا يوادون المحادين ولو كانوا من الأقربين ، كما قال تعالى : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه ) [ آل عمران : 28 ] الآية ، وقال تعالى : ( قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) [ التوبة : 24 ]... قال ابن كثير رحمه الله تعالى :- "وفي قوله : ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) سر بديع ، وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله عوضهم الله بالرضا عنهم ، وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم ، والفوز العظيم ، والفضل العميم ".
و واما في قوله تعالى : ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) أي : هؤلاء حزب الله ، أي : عباد الله وأهل كرامته وجند دعوته وحملة رسالته. وفي نسبتهم لله تشريف وتكريم واعلاء شانهم جعلنا الله واياكم منهم..
وقوله : ( ألا إن حزب الله هم المفلحون ) تنويه بفلاحهم وسعادتهم ونصرهم في الدنيا ولو بعد حين،و في الآخرة بالفوز بما يكتب لهم ربهم من الكرامة واالنجاة من مصير الظالمين ،وذلك في مقابلة ما أخبر عن أولئك بأنهم حزب الشيطان . ثم قال : ( ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) ..
اللهم اختم بالصالحات اجالنا وانصرنا على اعدائنا واجعلنا من حزبك المفلحين ونعوذ بك ان نكون من حزب الشيطان ، اللهم وانصر المجاهدين وثبت وايد المرابطين في بيت المقدس واكنافه بنصرك ونصرتك ..
وتقبل الله منا ومنكم وكل عام وانتم وامتنا بالخير والعز والتمكين والمد لله رب العالمين وسلام على الانبياء والمرسلين ...