********{بسم الله الرحمن الرحيم}********
16- الحلقة السادسة عشرة من حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة
وراثة الارض :
وراثة الارض سنة الاهية جارية في الارض لها اسبابها وداوعيها التي تجري بموجبها ، وقد لفت القران الكريم الى ذلك انظار من يسمعه ممن يسعى لوراثة الارض بشكل صريح في قوله تعالى:-[أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(١٠٠)[الأعراف]
وكذلك في قوله عز وجل:-[وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴿١٠٥) [الأنبياء].
والمتأمل في معاجم اللغة يجد ان معنى ومفهوم كلمة ومصطلح الوراثة يدور حول المعاني التالية :1- وراثة : ما يخلفه ويتركه الميت من تركة لورثته.
2-وراثة : إنتقال الأخلاق والطبائع والأشكال من جيل إلى جيل. ومنه ما يعرف اليوم [بعلم الجينات} الذي عرفته العرب واسمته بعلم القيافة.
3- وراثة : إنتقال الممتلكات والحقوق والمكتسبات من صلاح وفلاح ونجاح وامجاد من شخص إلى آخر بعده او الملك من شخص لاخر او من امة الى امة اخرى، كما في قوله تعالى:-{﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ۗ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿١٦٩ ) الأعراف}
وكما في قوله تعالى:-
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴿٦ )مريم}.
وفي وراثة الملك قال سبحانه:- {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴿١٦ النمل﴾}.
و الوراثة في الاصطلاح الفقهي: هي حوز الإنسان ما كان يملكه آخر بعد موت هذا الآخر، ومنه علم الميراث في المصطلحات الفقهية وهو العلم الذي يبين حقوق الورثة وما يستحقه كل وارث وبيان الموانع من الميراث وبيان كيفية قسمته بينهم بالعمليات الحسابية والقواعد المتبعة بهذا الشأن..
وما يهمنا هنا اليوم هو انتقال الملك والسلطان والسيطرة على الارض من امة الى امة اخرى.. قال الله تعالى :- ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: 105]
وقال تعالى: ( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض )(الزمر 74) . قال ابن عباس : أراد أن أراضي الكفار يفتحها المسلمون وهذا حكم من الله بإظهار الدين وإعزاز المسلمين ...
فلما كانت الرسالة الاسلامية وارثة الرسالات السابقة فكانت رسالة عالمية للناس كافة واختتمت باكمالها وكمالها النبوات والرسالات ، فبقيت هي الرسالة العالمية للبشرية جمعاء، ولاحظنا ان النبي سلام الله عليه قبل موته قد ابلغ رسالات ربه لاهل الارض من القبائل والممالك في الجزيرة الى الدول الكبرى في وقته وزمانه ،كدولة الفرس ودولة الروم ومصر والحبشة.. ومات صلى الله عليه وسلم والجزيرة العربية -جزيرة اهل لسان القران - خاضعة باكملها لسلطان الاسلام ..
ولقد وجدناه صلوات ربي وسلامه عليه واله في اوائل مسيرته الدعوية يبشر قريش بانهم لو قالوا كلمة التوحيد ونصروها ، لدانت لهم العرب وادت العجم اليهم الجزية، فقد ذكر ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ( لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ وَيَقُولُ وَيَقُولُ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رجل، قال فخشي أبو جهل لعنه الله إِنْ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ أَيِ ابن أخي ما بال قومك يشكونك ويزعمون أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ؟ قَالَ وَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ وَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَمِّ إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ. ففزعوا لكلمته ولقوله فقال القوم كَلِمَةً وَاحِدَةً نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا فَقَالُوا وَمَا هِيَ؟ وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ وَأَيُّ كَلِمَةٍ هِيَ يا ابن أخي؟ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» فَقَامُوا فَزِعِينَ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ قَالَ وَنَزَلَتْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى قوله بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ.)اه.
ثم اعز الله نبيه واصحابه حملة رسالته ونصره بالانصار وجعل لهم دولة ومكن لهم كيانا مستقلا وجعل لهم في الارض سلطانا ،،،،
وان هذا الامر يقتضي ظهور هذا الدين وسيادته ، ويقتضي من اتباعه حمله والصبر والمصابرة والاصطبار حتى يأتيهم الله بوعده وهم صادقون في عهدهم مع الله و الثبات عليهفي كل الاحوال والظروف، وفي البأساء والضراء كما هو حالهم في السراء...
فان ميراث الارض وبسط سلطان الاسلام وسيادة اهله من حملة رايته ولواءه ،وعد من الله تعالى و وعد الله حق لمن يستحقه و لمن يفي بشروط تحققه ، واهم شرط الايمان ليس مجرد قول ، بل قول دافع للعمل فيقترن العمل به فيصدقه في الواقع ، لان الاصل في الايمان بمفاهيمه وقيمه واحكامه انه دافع للعمل مانع من المعاصي..قال تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون) [الحجرات: 14 - 15].
ولما صدق المسلمون بقيادة رسولهم الايمان و قرنوه بالعمل صدقهم الله وعده:
{ لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً (28﴾الفتح} ..
ثم ان وعد الله حق يحتاج الى الصبر:
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ(78 )}[غافر:77- 78].
وقد وعد الله تعالى من سيجعلهم الوارثين في الارض من الذين امنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف الذي فيه العزة، والتمكين الذي فيه السيادة والرياسة، والامن من بعد الخوف الذي يخلق اجواء الراحة والاطمئنان ووسير امور الحياة براحة واطمئنان يحقق الرفاه ورغد العيش، ويخلق اجواء الابداع والتفكير المبدع، فقال تعالى واعدا ومبينا شروط تحقيق هذا الوعد: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النــور: 55]. ولنعلم ان الاستخلاف هو وراثة الارض ممن سيطروا عليها بمناهج ضلالهم وفسادهم وافسادهم ، و إن التمكين في الأرض هو اعطاء المؤمنين القدرة على العمارة والإصلاح، لا على الهدم والإفساد، والقدرة على تحقيق العدل والطمأنينة، لا على الظلم والقهر ونشر الخوف والرعب والذي من شأنه تعطيل التفكير والقدرات الابداعية، و والتكين قدرة على الارتقاء بالنفس البشرية والنظام البشري، لا على الانحدار بالفرد أوالجماعة إلى مدارك الحيوان ليبقى كائنا مسخرا لخدمات وشهوات الظالمين !!! فان الله تعالى انتدب ابناء هذه الامة للتعامل معه مباشرة في العهود وبلا وسائط فقال إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 111]. وتالله إنها لبيعة عظيمة رهيبة، بيعة في عنق كل مؤمن قادر ،لا تسقط عنه إلا بسقوط إيمانه.
نعم يا اهل الرباط والجهاد :فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ
نعم يا اهل بيت المقدس واكنافه:فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ
نعم يا ابناء امة الاسلام الذين يسيرون على خطى الحبيب محمد صلى الله عليه واله وسلم : فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ
16- الحلقة السادسة عشرة من حديث الاثنين في مباحث الايمان والعقيدة
وراثة الارض :
وراثة الارض سنة الاهية جارية في الارض لها اسبابها وداوعيها التي تجري بموجبها ، وقد لفت القران الكريم الى ذلك انظار من يسمعه ممن يسعى لوراثة الارض بشكل صريح في قوله تعالى:-[أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ۚ وَنَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(١٠٠)[الأعراف]
وكذلك في قوله عز وجل:-[وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴿١٠٥) [الأنبياء].
والمتأمل في معاجم اللغة يجد ان معنى ومفهوم كلمة ومصطلح الوراثة يدور حول المعاني التالية :1- وراثة : ما يخلفه ويتركه الميت من تركة لورثته.
2-وراثة : إنتقال الأخلاق والطبائع والأشكال من جيل إلى جيل. ومنه ما يعرف اليوم [بعلم الجينات} الذي عرفته العرب واسمته بعلم القيافة.
3- وراثة : إنتقال الممتلكات والحقوق والمكتسبات من صلاح وفلاح ونجاح وامجاد من شخص إلى آخر بعده او الملك من شخص لاخر او من امة الى امة اخرى، كما في قوله تعالى:-{﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَٰذَا الْأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ ۚ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِم مِّيثَاقُ الْكِتَابِ أَن لَّا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ۗ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴿١٦٩ ) الأعراف}
وكما في قوله تعالى:-
{يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴿٦ )مريم}.
وفي وراثة الملك قال سبحانه:- {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ﴿١٦ النمل﴾}.
و الوراثة في الاصطلاح الفقهي: هي حوز الإنسان ما كان يملكه آخر بعد موت هذا الآخر، ومنه علم الميراث في المصطلحات الفقهية وهو العلم الذي يبين حقوق الورثة وما يستحقه كل وارث وبيان الموانع من الميراث وبيان كيفية قسمته بينهم بالعمليات الحسابية والقواعد المتبعة بهذا الشأن..
وما يهمنا هنا اليوم هو انتقال الملك والسلطان والسيطرة على الارض من امة الى امة اخرى.. قال الله تعالى :- ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ [الأنبياء: 105]
وقال تعالى: ( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض )(الزمر 74) . قال ابن عباس : أراد أن أراضي الكفار يفتحها المسلمون وهذا حكم من الله بإظهار الدين وإعزاز المسلمين ...
فلما كانت الرسالة الاسلامية وارثة الرسالات السابقة فكانت رسالة عالمية للناس كافة واختتمت باكمالها وكمالها النبوات والرسالات ، فبقيت هي الرسالة العالمية للبشرية جمعاء، ولاحظنا ان النبي سلام الله عليه قبل موته قد ابلغ رسالات ربه لاهل الارض من القبائل والممالك في الجزيرة الى الدول الكبرى في وقته وزمانه ،كدولة الفرس ودولة الروم ومصر والحبشة.. ومات صلى الله عليه وسلم والجزيرة العربية -جزيرة اهل لسان القران - خاضعة باكملها لسلطان الاسلام ..
ولقد وجدناه صلوات ربي وسلامه عليه واله في اوائل مسيرته الدعوية يبشر قريش بانهم لو قالوا كلمة التوحيد ونصروها ، لدانت لهم العرب وادت العجم اليهم الجزية، فقد ذكر ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ( لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ وَيَقُولُ وَيَقُولُ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رجل، قال فخشي أبو جهل لعنه الله إِنْ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ. فَقَالَ لَهُ أَبُو طَالِبٍ أَيِ ابن أخي ما بال قومك يشكونك ويزعمون أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ؟ قَالَ وَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ وَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَمِّ إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ. ففزعوا لكلمته ولقوله فقال القوم كَلِمَةً وَاحِدَةً نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا فَقَالُوا وَمَا هِيَ؟ وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ وَأَيُّ كَلِمَةٍ هِيَ يا ابن أخي؟ قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» فَقَامُوا فَزِعِينَ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ قَالَ وَنَزَلَتْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى قوله بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ.)اه.
ثم اعز الله نبيه واصحابه حملة رسالته ونصره بالانصار وجعل لهم دولة ومكن لهم كيانا مستقلا وجعل لهم في الارض سلطانا ،،،،
وان هذا الامر يقتضي ظهور هذا الدين وسيادته ، ويقتضي من اتباعه حمله والصبر والمصابرة والاصطبار حتى يأتيهم الله بوعده وهم صادقون في عهدهم مع الله و الثبات عليهفي كل الاحوال والظروف، وفي البأساء والضراء كما هو حالهم في السراء...
فان ميراث الارض وبسط سلطان الاسلام وسيادة اهله من حملة رايته ولواءه ،وعد من الله تعالى و وعد الله حق لمن يستحقه و لمن يفي بشروط تحققه ، واهم شرط الايمان ليس مجرد قول ، بل قول دافع للعمل فيقترن العمل به فيصدقه في الواقع ، لان الاصل في الايمان بمفاهيمه وقيمه واحكامه انه دافع للعمل مانع من المعاصي..قال تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون) [الحجرات: 14 - 15].
ولما صدق المسلمون بقيادة رسولهم الايمان و قرنوه بالعمل صدقهم الله وعده:
{ لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً (27) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِهِ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً (28﴾الفتح} ..
ثم ان وعد الله حق يحتاج الى الصبر:
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ(78 )}[غافر:77- 78].
وقد وعد الله تعالى من سيجعلهم الوارثين في الارض من الذين امنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف الذي فيه العزة، والتمكين الذي فيه السيادة والرياسة، والامن من بعد الخوف الذي يخلق اجواء الراحة والاطمئنان ووسير امور الحياة براحة واطمئنان يحقق الرفاه ورغد العيش، ويخلق اجواء الابداع والتفكير المبدع، فقال تعالى واعدا ومبينا شروط تحقيق هذا الوعد: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النــور: 55]. ولنعلم ان الاستخلاف هو وراثة الارض ممن سيطروا عليها بمناهج ضلالهم وفسادهم وافسادهم ، و إن التمكين في الأرض هو اعطاء المؤمنين القدرة على العمارة والإصلاح، لا على الهدم والإفساد، والقدرة على تحقيق العدل والطمأنينة، لا على الظلم والقهر ونشر الخوف والرعب والذي من شأنه تعطيل التفكير والقدرات الابداعية، و والتكين قدرة على الارتقاء بالنفس البشرية والنظام البشري، لا على الانحدار بالفرد أوالجماعة إلى مدارك الحيوان ليبقى كائنا مسخرا لخدمات وشهوات الظالمين !!! فان الله تعالى انتدب ابناء هذه الامة للتعامل معه مباشرة في العهود وبلا وسائط فقال إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 111]. وتالله إنها لبيعة عظيمة رهيبة، بيعة في عنق كل مؤمن قادر ،لا تسقط عنه إلا بسقوط إيمانه.
نعم يا اهل الرباط والجهاد :فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ
نعم يا اهل بيت المقدس واكنافه:فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ
نعم يا ابناء امة الاسلام الذين يسيرون على خطى الحبيب محمد صلى الله عليه واله وسلم : فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ