ملف خاص عن الشاعر الفلسطيني الراحل خميس لطفي
الشاعر خميس لطفي
وكالة أنباء الشعر-فلسطين-أمجد التميمي
توفي مساء امس، في العاصمة الردنية عمان الشاعر الفلسطيني خميس لطفي عن 62 عاما، إثر نوبة قلبية، والشاعر الراحلمن مواليد النصيرات وسط قطاع غزة من أسرة مهاجرة من فلسطين المحتلة عام 1948، وقضى طفولته الأولى في دير البلح بقطاع غزة ثم نزح منها عام 1968 إلى الأردن، حيث أكمل تعليمه الجامعي في أوروبا وحصل على بكالوريوس الهندسة الإلكترونية، وعمل مهندسا للاتصالات في المملكة العربية السعودية.
ويذكر ان الشاعر خميس لطفي، اسم إبداعي فلسطيني لمع متأخراً، بالقياس إلى عمره الإبداعي، وذلك بفضل موهبة فذّة وشعر سهل وسلس لكنه ممتنع، غير أنها بقيت طيَّ الدفاتر والأوراق والحدود.
ونعت رابطة الكُتّاب والأدباء الفلسطينيين الشاعر خميس لطفي في بيان تلقت الوكالة نسخة منه، قالت الرابطة فيه: "إن الحركة الثقافية والشعرية الفلسطينية فقدت شاعراً مرموقا صاحب قلم مبدع ومميز، لطالما خط به الكثير من القصائد والدواوين الجميلة والتي رسم من خلالها معاناة شعبه وجسد صموده ومقاومته وصلابته".
واضاف البيان "عزائنا أن أعمال الفقيد لازالت بيننا تشعل جذوة المقاومة والصمود, كما أشعلتها إبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والتي ازدهرت خلالها قصائد ودواوين الشاعر، حيث شكلت دافعاً للمقاومين ورماة الحجارة".
وبدأ كتابة الشعر في مراحله الدراسية الأولى وله قصائد كثيرة منها: المهاجر، زمان الكفاح، النسر يأكل قلبي، الآخرون، ولديه ثلاث مجموعات شعرية هي: "وطني معي" و"عد غداً أيها الملاك" و"فوق خط التماس".
واشتهر للشاعر قسّمه الشعري لفلسطين والذي يقول فيه:
أَنا الْمَدْعُوُّ : غزِّيٌّ أصيلٌ ، وابنُ غزيِّةْ
وَعُنْوانِي: خطوطُ النارِ ، في حيِّ " الشُّجاعيَّةْ "
وَأَعْمَلُ: في سبيل الله، أعمالاً فدائيةْ
أُدَوِّنُ عَنْ: هوى وطني قصائدَ لا نهائيَّة
وأُقْسِمُ أنْ: سأبقيها على شفتيَّ أغنيَّةْ
وَأَنْ أَبْقَى: على عهدي، ورأسي، غير محنيَّة
وَأَنْ أَحْيَا: لكي تبقى بلادُ العرْب محميَّة
وَلي حُلُمٌ: له أسعى، حثيثاً، صادق النيَّة
وفِي نَفْسِي : إلى الأقصى حنينٌ ساكنٌ فيَّ
إِلَى أَجَلٍ: فها هي ذي قوى شعبي الطليعيَّة
تبشرنا بنصر الله ضد قوى الصليبية
وَلَنْ أَخْشَى : أنا إلاَّ من الذات الإلهيَّة
فَإِنْ أَقْضِ: صريعَ الحقِّ ، والأوطانُ مسبيَّة
نماذج من شعره
[ 17/09/2010 - 03:55 م ]
1 مقتطفات من ديوانه "فوق خط التماس":
ملك الكمان
ما زال طيفكِ في المكانْ
يُلقي عليَّ بظلِّهِ ، وأنا أعود مجدداً ،
قلبي على قلبي ، وما في داخلي ،
يبدو جلياً للعيانْ
ما زال طيفكِ في المكانِ يقول لي :
" لا تقتربْ ، ما زلتَ تذكُرني وتهواني ،
ولو سمح الزمانْ
لرجعتَ لي ، ظناً بأن الوقت غيَّرني
وفجَّر فيَّ ينبوع الحنانْ !
لا ، لم يئنْ بعد الأوانْ !
جفت ينابيعُ الهوى ،
يا عازفَ الألحانِ ، فاتركني أعيشُ ،
ولا تحاولْ أن تعيد عقارب الساعاتِ ،
فالماضي انتهى
كنا وكانْ " ... !
وأنا أغمغم غير مكترثٍ
بما يهذي به الطيف الجبان ْ
مالي أنا والحبِّ ؟ !
لي حريتي !
أغلى من الدنيا ،
وما فيها من الغيد الحسانْ
مالي أنا والحبِّ ؟ !
لي سيفي المذهَّبُ والمرصَّعُ بالجمانْ !
مالي أنا والحبِّ ؟ !
لي ملكُ القوافي ، والبحورُ،
ولي الحضورُ ،
ولي البساط المخمليُّ ،
وهذه الأدواتُ لي
والعرشُ لي
والتاجُ لي ، والصولجانْ ؟ !
مالي أنا والحبِّ يلدغني ؟!
ولدغتهُ ، بها لا يستهانْ !
فلتغربي يا شمسَ حبي ،
واخمدي يا نارَ قلبي
ولتظللني بليلكَ ، يا دخانْ !
فأنا هنا ، مهما جرى ، مَلِكُ الكمانْ !
أنَّى مشيتُ ، يُشار نحوي بالبنانْ
لا شيء ينقصني !
سوى أن أعتلي
تلك المنصلة ثم أبدأ واثقاً عزفي
وبين أصابعي والقوسِ والأوتارِِ ،
دنيا من حنانْ ..
مُتْ يا هوى ، مُتْ يا هوى !
- صعد المغني وسْط تصفيق الحضورِ ،
وحاول الإمساكَ بالأدواتِ ، فارتعشتْ
وخانته اليدانْ !
وهوى عن الكرسيِّ ، مغشياً عليهِ ، فضج من في المهرجانْ
" ماذا جرى ؟
ماذا عساهُ حلَّ بالملك المغني ؟
لِمْ تهاوى في ثوانْ ؟ "
" ولمن يغني " ؟
- قال طيفٌ عابرٌ ومضى
وفي عينيهِ ،
تلمعُ دمعتانْ ! -
دولتان لنا
الحديثُ الذي دار ما بيننا في الصباحْ
عاد بي للوراءِ ثلاثينَ عاماً وأكثرَ ،
كنتُ أنا حينها يافعاً ، ومهيضَ الجناحْ
تأكل الطيرُ زوَّادتي ،والمنافي تُعلِّمُني
كيف أصبرُ رغم الجراحْ
" مَن أنا مَن أنا ؟ ولماذا فلسطينُ ؟ " ،
كنتُ أقولُ ،
وأكتبُ بالدمع شِعري ، وألثمُ خدَّ الرياحْ :
" إحمِليهِ لأمي ،
وقولي لها إنني ما تغيَّرتُ ،
ما زلتُ أحيا على حسها العبقريِّ ،
وذكرى الليالي المِلاحْ "..
يومها كانت الأرضُ أكبرَ ،
كانت فلسطينُ تعني : فلسطينَ ،
والبحرُ أقربُ مما هو اليومَ منا ،
وميثاقُنا لم يكنْ قد تبدَّل بعدُ ،
وأسقطَ منه المفاوضُ بندَ الكفاحْ !
السلامُ عليهِ ،
يفاوض باسمي وباسمكَ ، أعزلَ في كل ساحْ
السلامَ على إخوةٍ ، كنتُ أحسبهم هكذا ، في السلاحْ !
السلامُ على القدسِ واللاجئينَ ،
وكل الرموز القديمة و "الثورجيينَ" ممن أضافوا
إلى معجم الثورة العبثية ، ألفَ اصطلاحْ
السلامُ عليهم وهم ذاهبون لبيع فلسطينَ بيعَ السماحْ
السلامُ عليكَ وأنتَ تُغيِّرُ جلدَك ،
تصبحُ غيرَكَ ،
لا فرقَ بين عدوي وبينكَ ،
إلاَّ بكونك أقدرَ منه على الانبطاحْ
***
الشهيدُ ارتقى
للعُلا واستراحْ
وشذا عطرهِ
في السماوات فاحْ
وأنا قشةٌ
في مهب الرياحْ !
***
السلام على ما مضى من سنيني وراحْ !
والسلامُ على مَن لهم دولتانِ ،
ونحنُ لنا :
وطنٌ واحدٌ مستباحْ !
على من سنبكي غداً؟
على مَنْ سنبكي غداً ،
حينما ،
في الطريق المؤدي لقلبكِ ،
تسقط قنبلةٌ ،
لا تُخَلِّفُ قتلى وجرحى ؟!
على مَنْ سنبكي غداً ،
حين تخلو ،
شوارعُك المستحمَّةُُ بالدمِ ،
من عابريها
ولا تُسمعُ اللغةُُ العربيةُُ فيها
كمحكيَّةٍ أو كفصحى !
ومن سوف يجلسُ ،
بين الرصافة والجسرِ ،
مَن لعيون المها سيغني ،
مساءً ، وصبحا ..؟!
ومع أي وفدٍ من الميتينَ ،
سيجتمعُ الفرسُ والرومُ ؟
مَنْ سيوقِّعُ عنكِ ؟
ومَنْ مَعَ منْ ،
سوف يعقد " صُلحا " ؟!
وهل مِن رؤوسٍ، لديكِ ، لتُقْطعَ بعدُ ؟
وهل من زعيمٍ ، لديكِ ، ليُشنقَ بعدُ ؟
وفي أي أضحى ؟!
لمن سوف يعتذر السارقونَ ،
ومَن يرسلونَ إليكِ ،
مقابل نفطكِ ، قمحا ؟!
لمن سوف يعتذرُ المخطئونَ ،
ومَن رحبوا بقدوم الغزاةِ ،
وصاحوا :
هلمَّوا إلينا ! وأهلاً ،
ومرحى !
وممن سيطلبُ ، أهل العماماتِ ،
والمقتدونَ ، !
وأهل الدشاديشِ ، صفحا ؟!
***
على مَن سنبكي غداً ،
ومعالمُ وجهكِ ،
عن وجه هذي البسيطة تُمحى ؟!
2 مقتطفات من ديوانه "عد غداً أيها الملاك":
رائحة الوطن
هذي البنايةُ لم تكنْ ،
وهناكَ كنَّا نستحمُّ ،
ومحمصُ البنِّ البرازيليِّ بُدِّلَ بابُهُ ،
وهناك كِشْكُ الثلج ، كانَ ،
و كان بيَّاعُ اللبنْ
كم من مياهٍ قد جرت تحت الجسورِ ،
تغيرَتْ ، هذي المدينةُ ،
منذ آخر مرةٍ أنا زرتها ،
وأكادُ أجزمُ أن نصف السائحين أتوا ،
من الطرف المقابلِ ،
حيث يمكنني الوصول سباحةً ،
وأكادُ أنْ ..
ـ لا .. لا أصدق أنَّ تلك بلادُنا
ـ لِمَ لا ؟ ، أقولُ ،
ـ قريبةٌ جداً ،
يقولُ ابني يزنْ
أتذكَّرُ الدينارَ ديناراً ،
وكنا اثنينِ ،
نبحث عن سريرٍ واحدٍ ،
واليومَ ذا عن غرفتينِ ،
كبرتَ ، يبدو ،
يا خميسُ ، بسرعةٍ ،
وبسرعةٍ ، مر الزمنْ
أتذكر المرجانَ ،
والقاعَ الزجاجيَّ الجميلَ ،
هنا بقايا القاربِ التركيِّ أذكرها ،
وأذكر ذلك القصرَ المنيف ،
وكلَّ شيءٍ جيداً ،
وكأنني بالأمس كنت ِ هنا ،
لماذا جئتَ ؟
" تسألني ابنتي "،
فأجيبُها :
لأشمَّ رائحةَ الوطنْ
عد غداً أيها الملاك
أسْعَدَ اللهُ لي مساكْ
يا ملاكي ، وجَمَّلَهْ
ساقك الشِعرُ أم رماكْ
يا ترى الشوقُ لِي وَلَهْ ؟
مُنذُ أنْ غبتَ ، عن هواكْ
لَمْ أَحِدْ قيد أُنْمُلَة
فحروفي بها رؤاكْ
لم تزل بعد ماثلة
والفضا ضاع في صداك
وقوافيكَ مذهلة
قمرٌ أنت في سماكْ
وليَ اللهُ أرسلَه
جئتني اليومَ من هناك
وعلى غير شاكلة
باكياً هزَّني بكاك
والدِّما منك سائلة
بيدي أمسَكَتْ يداك
وبعينيك أسئلة
وأنا كنتُ قبل ذاكْ
بي حنينٌ ، وبي ولَهْ
جالساً ، دونما حراكْ
مُتعبَ الخطو مُثقَلَهْ
تائهاً ، أشتهي لقاكْ
مُبحراً ، دون بوصلةْ
لم يعد لي أنا سواكْ
من سلاحٍ ، لأحمله
ماالذي يا ترى دهاك ؟
صمتك اليوم مشكلةْ
لم يعد يحتوي مداك
صرخاتي المجلجلة
عبثاً أقتفي خطاكْ
دون أدني محصِّلة
عُدْ غداً أيها الملاكْ
بالأغاني المقاتلةْ
ولتكنْ حينما أراك
مثلما كنتَ : قنبلة !
الموت العادي
الشمسُ مشرقةٌ ،
وموجُ البحر هادي
والريحُ تعبثُ ، بالنباتِ وبالجمادِ
والأرضُ بلَّلها الندى
والروضُ ينثرُ عطرَهُ ،
والطيرُ فوق الغصنِ شادِ
يومٌ جميلٌ ،
مثلَ أمسِ ، وقبلَ أمسِ ،
ولا جديدَ هناكَ ،
تحت الشمسِ ، بادِ
لم يختلف شيءٌ ، ولا سقطتْ
من النجْماتِ واحدةٌ ،
وحطَّت في الوهادِ
كلاَّ ، ولا جبلٌ تصدَّعَ ،
بعد موتكَ ، أو
تشققت الصخورُ ببطن واد
والغيمُ أبيضُ ، لا يزالُ ،
وما تبدَّلَ لونُهُ ،
حزناً عليكَ ، إلى رمادي
والناسُ ،
هذا في اتجاهٍ ، رائحٌ
وبعكس ذلك الاتِّجاهِ ،
هناك غادِ
والقاطراتُ تسيرُ ،
والباصاتُ ،
والعرباتُ تمضي ،
للحواضر والبوادي
والسوقُ مكتظٌ ، كعادتهِ ،
وبيَّاعُ الفواكهِ ،
" زاكي يا حموي " ، ينادي
لم تنتهِ الدنيا ، بموتكَ ، لا ،
ولم ترقدْ ، ولا هبَّتْ ،
لأجلكَ ، من رقادِ
لم تُنْكَسِ الأعلامُ في بلدٍ ،
ولا اتَّشحتْ ،
عناوينُ الصحائفِ بالسوادِ
لم يُذْكَرِ اسمُكَ ،
في الفضائياتِ ، يا هذا ،
ولم يُعْلَنْ ، هنالكَ ، عن حدادِ
لم يفقدِ الدينارُ ، حين ذهبتَ ،
قيمتَهُ ،
ولا اهتزُّ المؤشرُ الاقتصادي
تمضي الحياةُ ،
كأنَّ شيئاً لم يكنْ ،
والناسُ ما نقصوا ،
ودوماً ، في ازديادِ
تمضي الحياةُ ،
كما لو انَّ جرادةً
ماتتْ ، ولم يحفلْ بها ،
سربُ الجرادِ
لا ، لستَ أولَّ من يموتُ ،
ولستَ آخرَ من يموتُ ،
وموتُ ، مثلك أنت ، عادي
ماذا يهمك ، بعد موتك ،
نصرُنا ؟
وقضاءُ جيش المسلمينَ ،
على الأعادي ؟
ماذا يَهمُّك ما الذي سيحلَّ بالدنيا ،
وبالأحياءِ ،
من سينٍ و صادِ ؟
وهناك أخرى ، في انتظاركَ ،
يومَ تُعرضُ ، دون خافيةٍ ،
على ربِّ العبادِ ؟
النصر لي
ما كنتُ قطرةَ سائلٍ
و تبخَّرَتْ من مَرْجَلِ
ما كنتُ طائرةً ولا
طيراً ، لأسقط من علِ
أو لعبةً تلهو بها
يدُ عابثٍ متطفِّل
أو حلْقةً قد تنتهي
بنهايةٍ لمسلسل
كلاَّ ، و لم أكُ هَشَّةً
ليتمَّ كسرُ مفاصلي
هذي يدايَ ، و قبضتايَ ،
وساعدايَ ، و أرجلي
هذا أنا ،
قلبي يدقّ ، بقوةٍ ، في داخلي
لا ، لم أمُتْ ، أنا حيةٌ
رغم الحصار القاتل
عملاقةٌ ،
رغم الجدارِ العنصريِّ الفاصل
و سأستمرُّ ، إذا أردتُ ،
لألفِ عامٍ مقبِلِ
أأموتُ كيفَ ؟! و هذه
سفني ، قبالةَ ساحلي
تجري الرياحُ ، بما اشتهت
و بالاتِّجاه الأمثل
و أنا هنا ملاَّحةٌ
و من الطراز الأول
لا يدَّعي موتي سوى
متجاهلٍ أو جاهل
أنا إنْ وقفتُ ،
فوِقفة المتدبِّر المتأمّل
المستعين بربِّه ، المستنصر المتوكّل
الكيِّس الفَطِنِ اللبيبِ ، الواثق المستبسلِ
أأموتُ و الشهداءُ راياتي
و نور مشاعلي ؟
أأموتُ و الأرواحُ تسكنني
و تحيا داخلي ؟
أأموتُ و الشعب الفلسـطينيُّ
يهتفُ : واصلي ؟
و يقولُ لي :
"البيت بيتكِ ، يا حبيبةُ ، فادخلي
رُدِّي على من شتّتوا
شمْلي ، و هدَّوا منزلي
و استأسدوا في ظلّ صمتٍ
عالميٍّ مخجِل
رُدِّي بردٍّ صاعقٍ
و مدمِّرٍ و مزلزل
قولي لهم : إنا سنبقى
والبقا للأفضل
أأموتُ كيفَ ؟
و ذلكم شعبي ، بحبّي ممتلي
اليوم أدخل عامِيَ التالي
بكلّ تفاؤل
و أنا أشدّ ضراوة
و دراية بمشاكلي
اليوم أعرف من أكونُ
و غايتي و وسائلي
اليوم أرسل للصديق
و للعدو رسائلي
و أقول في ذكرى انطلاقتيَ ،
المجيدةِ ما يلي :
يا من تحوَّل جُلُّكم
من ثائرٍ لمقاول
اليوم أعرفكم و أعرفُ
من يعيش بمقتلي
و من الذي يسعى لكي
يقضي على مستقبلي
و يقول : "إرهابيةً"
عني ، ليثقل كاهلي
و من الذي باع الحقوق
بدون أيّ مقابل
و مضى بنا
من بعد كلّ تنازلٍ ، لتنازل
و من الذي قتل الخميسَ
من الذي اغتال العلي
و من الذي اختزل القضيةَ
في بساطٍ مخملي
و اختال ، كالطاووس
وسط مُزَمِّرٍ و مُطبِّل
لا فرقَ بين متاجر
بقضية ، و مُغفَّل
لم تَصنعِ القُبُلاتُ يوماً
دولةً لمُقَبِّلِ
فمتى سينقشعُ الضبابُ ،
عن العيون و ينجلي ؟
أم أنَّ مِمَّن رَدَّهم
رَبِّي ، لعمرٍ أرذلِ
يحيونَ ، لكنَّ العقولَ ،
ترلَّلي ، و ترلَّلي ..
ما كنتُ قطرة سائل
و تبخَّرَتْ من مرجل
أنا فكرة و تغلغلت
في نفس كلّ مقاتل
و النصرُ ، إمَّا عاجلا
أو آجلاً ، سيكون لي
3 مختارات من ديوانه "وطني معي":
المهاجر
هكذا الحبُّ .. حين لا تفهمينهْ .
ينتهي ، يا حبيبتي ، لضغينةْ .
هكذا أحمل الحقيبةَ ملأى
بدموعي ، وذكرياتي الحزينةْ.
هارباً منكِ نحو أي مكانٍ
فيه أفشي ، أسرار قلبي الدفينةْ .
وأغني اللحن الذي ما استطعنا
حين كنا سويةً تلحينهْ .
ربما تفهم الطبيعةُ حبي
وتداوي جراح قلبي الثخينةْ .
ربما الطيرُ من سماع أنيني
حس بالحزن ، أو سمعتُ أنينهْ .
ربما تمسح الورودُ دموعي
وبحبي ، تفكِّر الياسمينةْ .
ربما تحمل الرياحُ نشيدي
ثم تلقيهِ فوق ظهر سفينةْ .
تعبر البحرَ نحو أي بلادٍ
غير " هذي "
حيث الحياةُ ثمينةْ .
حينها .. حينها سأشعر أني
صرتُ حراً
وبين أيدٍ أمينةْ .!
****
هكذا هاجر المهاجر لمَّا
لفظ الرحمُ ، ذات يومٍ ، جَنينه .
ركب البحرَ والمحيطاتِ كرهاً
ودعا الله ، ربه ، أن يعينه .
ومضى يذرع البلادَ ويُلقِي
نظراتٍ ، شمالَه ويمينَه .
ما الذي جاء بي ؟
يقولُ ، لأرضٍ
وبلادٍ ، قد تُفقِدُ المرءَ دينَه ؟
غيرهُ " المُرُّ والأمَرُّ "، كما في
بعض أمثال جدتي المسكينةْ .
أينها الآن ؟ آهِ كم " وحَشَتْني "
معها " الدردشاتُ " تحت التينةْ .
من يُريني أهلي ويأخذ عمري ؟
آه كم صارت الحياة لعينة .!؟
****
هكذا أصبح المهاجر قلباً
وعذابُ الأيامِ كالسكِّينةْ .
قطَّعتهُ ، من المرور عليهِ
وأثارت أشواقه وحنينه .
ومضى العمرُ من يُعيد إليه ؟
ما مضى منهُ ،
من يعيد سنينه ؟
كلما قيلَ : " ما بلادكَ ؟ " ولَّى
مُطرقاً رأسهُ ،
وحكُّ جبينه ..!
****
يا بلادي .. أنا الذي كم تمنَّى
عندما فرَّ منكِ لو تُمْسكينهْ .
عرك الموتَ والحياةَ وفيها
غمَّس الخبزَ بالدموع السخينةْ .
ذكِّريني ..!
كيف الحياةُ ؟ أظلتْ
مثل عهدي بها لديك ، مُهينةْ ؟
هل تُرى صرتِ حرةً يا بلادي
أم تزالينَ عبدةً وسجينةْ .؟
هل لديكِ الأسيادُ مثل زمانٍ ،
أنتِ من طينةٍ ، وهم من طينةْ ؟!
كلما جاء سيدٌ دقَّ بين الشعب والأرضِ ،
غائراً ، إسفينه .
فإذا الناس هائمونَ حيارى
وإذا الحال مثلما تعرفينه
****
آه يا زينة الحياةِ ، ومالي
وبنوني ، ليسوا بدونك زينةْ .
لم أذقْ منذ أن هجرتك طعماً
لهدوءٍ ، أو راحةٍ ، أو سكينةْ .
مذنباً كنتُ ؟
أم ترى من ضحايا
مذنبٍ ، ظنَّ أننا لن ندينه ؟
وله الشعبُ ، بعد ما ضاق ذرعاً
بالذي حولهُ ، أعدَّ كمينه .!
عندما حدثت البحر
رَجَعْتَ لي ، بعد أحزانٍ وآلامِ
فأشرقَتْ ، من جديدٍ ،
شمسُ أيامي .
وعاد لي مَلَكُ الأشعارِ يُلهمُني
فانسابَ شعريَ ، من وحيٍ وإلهامِ
وصرتُ أنظرُ للدنيا فتُعجِبُني
ماذا أريدُ ؟
وأنتَ الآن قُدَّامي ..!
يكفي وجودُكَ فيها كي يدلَّ على
بديعِ صُنْعٍ ، لخَلاَّقٍ ورسَّامٍ .
يكفي وجودكَ فيها ، كي أحسَّ أنا
بأنني مَلِكٌ ، والكلُّ خُدَّامي ..!
إنْ قلتُ للطيرِ :
يا طيرُ اصدحي ، صَدَحَتْ
وأتْحَفَتْني ، بألحانٍ وأنغامِ .
وإنْ همستُ إلى الأنسامِ : إسرِ ، سَرَتْ
حولي ، كأعذب هبَّاتٍ لأنسامِ .
يا بحرُ ، كنتَ معي في كل ثانيةٍ
وكم رأيتكُ في نومي وأحلامي .
وكم توقعَّتُ أن ألقاكَ قبلُ وقد
صدَّقتُ ما قالهُ ، بالأمسِ ، حُكَّامي .
قالوا : " سنرجعُ " ،
طفلاً كنتُ حينئذٍ
واليومَ قارَبَت الخمسينَ أعوامي .
ما كنتُ أحسَب يوماً أنهم كذبوا
وأنهم ملأوا رأسي بأوهامِ .
وأنهم مَعَ أعدائي عليَّ ، ولا
يستهدفونَ سوى قتلي وإعدامي .
كيف التقينا ؟
ولم أسمعْ هنا أبداً
صهيلَ خيلٍ ،
ولا وقْعاً لأقدامِ . !
ولا رأيتُ جيوشاً حولنا رفعت
أعلامَها ،
أينها ، يا بحرُ ، أعلامي .؟!
لا . لا تقلْ إنَّ لقيانا مصادفةٌ
أو إنَّها رميةٌ ،
كانت بلا رامِ .!
تَعَجَّبَ البحرُ ، ممَّا قلتُهُ وبكى
وقالَ لي :
هذهِ أضغاثُ أحلامِ .!
فقلتُ :
يا عينُ لا تستيقظي أبداً
حتى وإنْ لمْ تُحسي بالكرى ،
نامي .!!
عاش الوطن
طيورُنا ،
لا بدَّ أن تعودَ للأعشاشْ .
وشعبُنا مصممٌ ، أن يطردَ الأوباشْ .
ألفُ " صلاحٍ " عندنا
ألفُ " عمادٍ " عندنا
وكلُّنا " عيَّاشْ " ..
نموتُ كل ساعةٍ ، ودمُّنا ،
يعبق في السهول والأحراشْ .
لكننا ، لا نلفتُ انتباهكم
ولا نثيرُ ، في نفوسكم ، حميةً ،
أو نخوةً ،
أو رغبة في البحث والنقاشْ .
وكلَّما مر بنا منكم أحدْ .
يمرُّ كالخُفَّاشْ .
هل أصبحت دماؤنا رخيصةً ؟!
تباع ب " بلاشْ " ؟!
أم أنها تشعركم
بنشوة وبانتعاش ؟!
نعرفكم ، نعرفكم
لا تنهضوا من نومكم
لا تتركوا الفِراشْ ..
من أجل مَن يا سادتي ؟!
ستذرفون دمعةً ،
أو تُشعلونَ شمعةً ،
ونحن في حسابكم ،
بدون أي قيمةٍ ،
نموتُ ،
كالذبابِ ،
والبعوضِ ،
والفراشْ . ؟!
يا من أضعتم عمركم
تكوون في حطَّاتكم ،
وتضبطون هيئة العقالِ ،
و " الدشداشْ " .!
نعرفكم ، نعرفكم
لا تنهضوا من نومكم
لا تتركوا الفِراشْ ..
عمَّا قريبٍ ، تدخلون غرفة الإنعاشْ
ثم يُقالُ ماتَ : واحدٌ منافقٌ ،
وآخر مقامرٌ ،
وثالثٌ حشاشْ
وهكذا ..
عاش الوطنْ .
والشعب عاشْ .