مفارقات
بين التجديد والتبديد (1)
أ.د.صلاح الدين سلطان
بين التجديد والتبديد (1)
أ.د.صلاح الدين سلطان
التجديد سُنة الله في كل
الخلق، فكل لحظة تموت ملايين الخلايا وتحيا ملايين أخرى في جسم الإنسان
والحيوان والنبات والأجرام والأفلاك، والبحار والمحيطات والرياح والجبال
والشجر والحجر والمدر، كل هذا دون أن يفقد الأصل هويته، فيبقى الإنسان
إنسانا لا يتغير قلبه ولا صوته ولا شكله فلو غيَّرت الخلايا شكل الإنسان
وهويته وخصائصه ما عرف الناس بعضهم بعضا، ومن حكمة الله أن لكل إنسان بصمة
في بنانه، وبصمة في صوته، وبصمة لعينه، وبصمة لعقله
كما قال الله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ
إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ" (الروم:22)،
أما التبديد
فهو تغيير مع طمس الهوية، وانحراف السوية، وإفساد في الأرض وتضليل الخلق، وضياع البهجة، وإنهاك المهجة، وفساد النية، وخبث الطوية، كما
يقول الله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ
أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ
فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ
الْفَسَادَ" (البقرة: 204-205)،
التجديد تغيير في الأشكال لا الجوهر، والتبديد إفساد في الشكل والجوهر، فتجديد
الآثار لا يعني هدمها وبناء عمارات على الطراز الحديث مكانها، وإنما يجب
الاحتفاظ بالأصل وترميم الشكل، والاعتزاز بالتاريخ لصناعة المستقبل، أما التبديد فهو هدم للآثار، واستجلاب الأفكار من بعض الأقطار، وإن تناقضت مع الثوابت والأخلاق والآثار، والنصوص والأخبار.
التجديد في البحار والأنهار
لا يعني ردمها وتحويل المسار، وإنما ينزل الماء من السماء فيجري في هذه
الأنهار ثم يروي ما حوله من أراضٍ جرداء ليحولها إلى حدائق خضراء، وجنات
ورقاء، ويتبخر الماء ليعود إلى الأرض بأمر رب السماء، فيغسل الأجواء، وينقي
الهواء، ويعبق الأجواء، ويعمر الصحراء، أما التبديد
فهو تجفيف الماء في ينابعه أو مصارفه، أو الإسراف في استعماله أو تحويله
إلى برك ومستنقعات راكدة تسبح فيها الحشرات وتنبت فيها البكتيريا
والفيروسات؛ فتنتشر الأمراض والعاهات، التجديد في الدين أن نعتز بقرآننا،
وهدي نبينا فنتمسك بظواهره ومقاصده، وأصول عقيدتنا ومكارم أخلاقنا وجميل
شريعتنا، ولا مانع من التجديد في الأحكام الفرعية وتغيير الفتوى في
القضايا التفصيلية.
لا أنسى ما حييت كلمة سمعتها من العالِم الداعية المغربي الدكتور أبو زيد المقرئ الإدريسي في مؤتمر رابطة الشباب العربي المسلم سنة 1996م الذي انعقد في لوس أنجلوس – كاليفورنيا
حيث قال: "يجب إعادة النظر في الفتاوى التفصيلية إذا مر عليها خمسون عاما،
أو انتقلنا إلى مكان أكثر من ألف ميل، أما أصولنا فهي أنفاسنا التي لا
تتغير".
هذا هو التجديد يا دعاة التبديد! أصالة ومعاصرة، وليس تقليدًا ومصارعة!.