امرأة الضوء.. وحارسة الظل!؟
الكاتب: بثينة حمدان
المشهد الأول: "امرأة مسؤولة"
يفتح لها باب السيارة، تطل بشعرها القاتم الذي يقف على أكتافها قصيراً، أوقفه القدر عند هذا الحد، فلم يعد قادراً على التحرك بحيوية الشباب. يغلق المرافق الباب خلفها ويركض مرتدياً نظارة سوداء وبدلة كحلية. تنظر خلفها، توميء له أن يحضر الحقيبة السوداء المليئة بالأوراق الرسمية وغير الرسمية، يركن السائق السيارة ويلحق بهما حاملاً الحقيبة.
ترتدي بنطالاً أسوداً، وجاكيتاً فاخراً، وتحمل حقيبة يد صغيرة من الجلد الإيطالي، تزين رقبتها بطوق مزركش جلبته من المغرب حين حضرت أحد مؤتمرات المرأة، وساعة فضية من أحد مطارات العالم، ونظارة سوداء تخفي تجاعيد وجهها...
روان؛ ربة منزل
كانت تنام على جانبها الأيمن، تفرد يدها اليمنى تحت رأسها، رسم كم قميص نومها القطني خطوطاً على خدها، يدها اليسرى ملقاة على الأرض، ساقاها منكمشتان إلى بطنها، خدها الأيسر أحمر، شعرها مبعثر وكأن جهاز السشوار لم يمسده أبداً. في زاوية غرفة بلا آثاث، على حصيرة بالية قضت ليلتها. شيء من الدموع جف على محياها وأنفها.. رسم بشرتها بخطوط جافة.
استيقظت.. هيكلها يحتاج إلى انقباضات وانفراجات كثيرة حتى يفكك نوماً مؤلماً وضرباً مبرحاً بلا سبب من زوج يدعي الرجولة والحماية؟!
المشهد الثاني: المرأة المسؤولة... تكملة
اتجهت إلى فندق خمس نجوم، رحب بها مدير الاستقبال، أوصلها إلى المصعد، مبتسماً طوال المسافة، ضغط على أزرار المصعد إلى الطابق الثاني حيث ينظم مؤتمر لمناصرة المرأة. وصلت السيدة المسؤولة، الكل بانتظارها لافتتاح المؤتمر. تحتسي قليلاً من القهوة، يلقي الجميع عليها السلام، ثم تجلس مع آخرين على المنصة... بعض الورود والأوراق نثرت أمام المتحدثين، ووقفت خلفهم لافتة تحمل عنوان المؤتمر "لا للقتل، لا للعنف.. مع حق المرأة في الحياة، المؤتمر السنوي لمناصرة النساء....". سقطت أسفل هذه الكلمات "لوجوهات" المنظمين والممولين داخل إطار جميل.. بلا عنف أو قتل.. بأنوثة ونعومة طاغية.
سهر.. الوظيفة والأمومة
تستيقظ في الرابعة صباحاً لتعد طعام الغداء كي لا تنتظر العائلة كثيراً وقت الغداء، ترتدي ملابسها، توقظ زوجها وأولادها، تعد لهم الفطور، تساعدهم في ارتداء ملابسهم وتحضير حقائبهم، يستيقظ زوجها أحمد على رائحة فنجان القهوة والسيجارة، ثم يرتدي بدلته وتخرج العائلة معاً كل إلى مقصده. تصل سهر مكتبها وتتجه إلى الحمام مباشرة، تضع قليلاً من الماسكارا على رموشها وقليلاً من البودرة على وجنتيها.. فأحياناً يعتصرها الوقت فلا تجده لتمسح آثار النوم عن وجهها...
مع آخر النهار تعود العائلة إلى البيت. فور الوصول تشعل سهر الغاز لتتم وجبة الغداء. تساعد الأبناء في تبديل ملابسهم والاغتسال... يقبل الجميع على المائدة بشغف، ثم يتركونها منهكين إلى النوم. يرتاح الجميع ويأخذ الزوج قيلولته، تنهي سهر تنظيف الأواني وتبدأ تدريس الأبناء... لا ينتهي يومها أبداً... يحل الليل بلا صافرة إنذار، فتنظر إلى نفسها معلنة رغبتها بحمام ساخن. تفكر بأن تضع بعض الكريمات على بشرتها وجسدها وتقليم أظافرها وتسريح شعرها، لكنها فور خروجها من الحمام، تجد النوم بانتظارها.. تستلسم له بسهولة فتؤجل العناية بأنوثتها إلى يوم آخر قلما يأتي كالعادة.
المشهد الثالث: المرأة المسؤولة... تكملة
وفي كلمتها خلال المؤتمر قالت: المرأة الفلسطينية مناضلة، حملت لواء القضية العادلة على أكتافها مع انطلاق الثورة، فكانت شعلة النضال، وقفت إلى جانب الرجل في كل المراحل الصعبة، كانت أم الشهيد والأسير والجريح بل والشهيدة. (يصفق الحضور بحرارة)
تتابع...: اليوم لدينا ثمانية وزيرات وسفيرات ومديرات شركات وبنوك... حكومتنا بقيادة الرئيس تدعم المرأة صانعة القرار، وبهذه المناسبة نشكر سيادة الرئيس على منحه المرأة الفرصة والمكانة التي تستحق، لتكون شريكة في بناء مؤسسات الدولة..
أمل.. طالبة بلا أمل
تمددت على ظهرها بلا أي رغبة في أن ترتاح من أثر نهار لم تفعل فيه شيئاً يستحق أن يشعرها بالتعب، تمددت برغبة شديدة في أن تحلم بكل شيء منعت من فعله بلا سبب. لم تستطع النوم إلا بعد أن تساءلت:
لماذا مُنِعتُ الخروج من المنزل إلا بمرافقة أمي أو إحدى عماتي؟ لماذا منعوني من تقديم امتحانات التوجيهي؟ لماذا يحتفون بي عند أول دعوة لحضور حفل زفاف.. فيبتاعون لي أجمل فستان ويعرفونني "بفخر مزيف" لكل النساء في الحفل؟؟
سرقها النوم من تساؤلاتها المدوية، وتسربت الدموع إليها، وهي تشاهد نفسها تمثالاً يتنقل من زفاف إلى آخر تبحث عن امرأة تقترحها لابنها كي يقبل بها زوجة.. يرتدي التمثال فستاناً من حرير، ويلتصق في يده كتاب يحاول المدعوون انتشاله منها.. لتستيقظ. لا أحد حولها، تعود تحت الغطاء وتسلم الليل أرديته السوداء ليجفف دموعها المستمرة.
***
المشهد الرابع: تابعت المسؤولة خطابها:
إن شعبنا يقدر المرأة ونضالها، ويعي تماماً دورها في تنمية ورعاية جيل وطني، منتمي إلى الأرض والقضية والقدس الأبية...
***
يافا... والحب المحرم
تحولت إلى شمعة مضيئة، تذوب من وهج الحب، ولا تنطفيء حتى مع ضوء النهار، تمنح الجو حرارة ولهيباً لطيفاً على الجسد. أمسكت بسماعة الهاتف لترد فقالت: نعم وأنا أيضاً أحبك. نعم سأراك غداً في حرم الجامعة، والأسبوع القادم في البيت.
سمعها أخاها، تعقبها إلى الجامعة ليتأكد من لقائها المحرم برأيه! ليمسكها متلبسة بجرم الحب، يأخذها إلى البيت ويشبعها ضرباً، تجتمع العائلة فترى الضرب وتسمعه يقول: تلتقي بشاب منذ فترة.. ولقائهما الأسبوع المقبل في البيت.... الفاجرة.
دماء ودموع وصراخ... تعلو الفضيحة في الجو، ويجتمع على الشابة بقية العائلة حتى تلفظ أنفاسها ربما الأخيرة وتتوقف عن الحراك... بعد ساعات قرروا نقلها إلى المشفى منتظرين إعلان الوفاة في كل لحظة .. لينتهي العار ويغتسل بالدماء!
كانت في غيبوبة استيقظت منها منادية على والدتها وقالت لها: كان يريد القدوم إلى البيت لخطبتي الأسبوع المقبل.. لم أقابله سوى في الجامعة وأمام الطلبة!
تقطع صوتها وهي تسأل عن ذنبها وغادرت الحياة.
المشهد الأخير: المرأة المسؤولة... خمسون عاماً من العطاء!!
وقفت أمام شرفتها، ومن ورائها مكتب فخم، وآداة ذهبية لفتح المغلفات الرسمية التي طالما حلمت أنها تصلها وتقوم بفضها متشوقة لقراءة الرسالة أو الدعوة التي تصل للمسؤولين فقط.
لم يصمت هاتفها منذ الصباح للكم الهائل من المعايدات، وصلت باقات الورد الأحمر والأبيض والبنفسجي... أخيراً جاء أحد أبنائها ليصطحبها إلى البيت فوجدت كل أحبابها يشعلون شموع عيد ميلادها الخمسين راجين لها مزيداً من العطاء في منصبها، ودعوا لها بمناصب آخرى أعلى وأفضل.. قطعت الكعكة وتمنت أمنية بداخلها: أن تبقى بمنصبها مع تشكيل الحكومة الجديدة لخدمة قضايا المرأة.
ابتسمت وشكرت الحضور..
_______________________________________________