ماذا قالت المناضلة فيحاء عبد الهادي عن المناضلة ناريمان خورشيد ؟
نصار يقين
لكتابات السيرة مذاقات خاصة، سواء تلك يسجلها صاحبها عن نفسه، وتسمى ذاتية، او تلك التي يسجلها كاتب عن قامة سياسية أو أدبية أو فكرية او نضالية، وتُسمى هذه سيرة غيرية، بهذه العبارات استهل استاذنا الكبير عدلي صادق مقاله المهم في جريدة الحياة الجديدة هذا اليوم بعنوان " سيرة مرتجاة" قرأت هذه الكلمات وانا أفكر بالتعليق إعجاباً على ما كتبته د. فيحاء عبد الهادي في زاويتها الأثيرة بجريدة الأيام عن مناضلة يافوية من عمر زعيم الشعب الفلسطيني ياسر عرفات.
لم يعلن الشعب الفلسطيني حُبه على مدينة من مدنه، كما اعلنه على يافا، فهل الشعوب تذكر فتيانها الأشد بسالة أكثر ؟ بالطبع نعم ، وحُق لهم ذلك . وهل الناس يذكرون فتياتهم الأكثر جمالاً ووفاءً وحضوراً ؟ كل هذا اجتمع ليافا، التي كانت بلا عيوب، فمن حيث عدد السكان، كانت يافا كبرى المدن الفلسطينية، كان تعداد الفلسطينيين في يافا يزيد عنه في القدس وغزة وحيفا ونابلس والخليل ، وكانت مهوى قلوب المتفوقين من ابناء فلسطين خاصة والعروبة عامة، فيها فتح د. حيدر عبد الشافي عيادته الأولى رغم أنه من غزة، ومن ارضها اشترى الملك فاروق قطعة ليشيد عليها قصراً منيفاً له، رغم كثرة قصور العائلة الملكية في القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية، وأمثلة اخرى كثيرة على اختيار يافاُ وطناً للعيش والحياة من ابناء عائلات عربية كثيرة. وعلى سبيل المديح سٌميت يافا بمدينة الغرباء بسبب احتضانها بكرم ونبل لكل من يقصدها وطنا وعنواناً ، على ارضها ولد شفيق الحوت من أب لبناني ونبغ فيها، وعندما تشرد إلى لبنان مع اسرته ظل ملتصقاً بجنسيته الفلسطينية التي تثبت يافويته الجميلة، ولم يطلب الجنسية اللبنانية إلا ليعطل قرارا بطرده من لبنان بسبب نشاطه السياسي.
عودة إلى مذكورات يافا قبل الحديث عن سيرة ابنتيها ناريمان ومهيبة خورشيد كما تناولت ذلك فيحاء عبد الهادي، الباحثة الهادئة والأكاديمية الشهيرة. في مقرر الصف الأول الإبتدائي ( القراءة والاستظهار) والذي دُرس لفترة طويلة في مدارس الأردن وفلسطين، كان على مدرس اللغة العربية أن يقرأ بصوت جهوري عبارة " بحر يافا ازرق ، سماء يافا زرقاء ، ليردد الطلاب من خلفه وهم في السادسة من أعمارهم هذه العبارة التي ضمنها المربي الشهير خليل السكاكيتي لمؤلفه للناشئة، هذه العبارة نقشت في عقولهم وقلوبهم بهاء يافا ببحرها الأزرق وزرقة سمائها الصافية، وما كان يردده الكبار امام الصغار عن شط يافا وعليل النسيم ، مع ابتسامات براحة البال وطيب العيش هناك كله رسم في عقول وقلوب محبي يافا ما يقارب صورتها الحقيقية بن بهاء ودلال، واما خيال البطولات والسبق والنبوغ ليافا فلا أظنه وصلنا كافياً إلينا كأجيال ولدت بعد سقوط يافا، ولكن ما تسرده فيحاء عن ناريمان رُبما يسد هذا النقص عندما تطلعنا على قصة تأسر القلوب والعقول لبطلة فلسطينية تكبر ياسر عرفات بعامين، وهي المولودة في سنة 1927 أي أن عمرها في سنة النكبة (سنة الجريمة اليهودية البريطانية على شعب فلسطين وارض فلسطين) كان واحدا وعشرين سنة، وفي هذا السن كانت ناريمان خورشيد في أوجد قوة الجسد وعنفوان العواطف، لم تكن أمية، بل كانت موظفة في شركة للصناعات الكيماوية، ولكن الجرائم بحق ابناء شعبها جعلها تنسى هذه الوظيفة وتعتنق المقاومة الفدائية، بالضبط كما فعل آلاف الشباب الفلسطيني في سنة 1967 عندما تركوا جامعاتهم والتحقوا بالمقاومة، ارتحلت ناريمان إلى بيروت في ربيع 1948 لزيارة عمها عزت باشا خورشيد، وهذا يعطي القارئ صورة جميلة لبطولة ابنة يافا في ركوبها للبحر من ميناء يافا إلى ميناء بيروت ويعطي ليافا الندية لبيروت والجيرة الجميلة الآمنة لحواضر فلسطين وحواضر لبنان على سواحل البحر الأبيض المتوسط، في بيروت حصلت على هدية ثمينة من صحفي أجنبي، وهي عبارة عن منظار يمكنها من رصد تحركات العدو عند عودتها إلى أرض الوطن، ولكن لشدبد الأسف سقطت يافا وابنتها الوفية في بيروت، فلم يكن امامها إلا الدوران في أرض دول المواجهة العربية للكيان الصهيوني ، انتقلت ناريمان إلى القاهرة، لتعايش الربع الأخير من حُكم فاروق ( ملك مصر والسودان) وهناك سرعان ما التحقت بمعهد الطيران في حي أمبابة القاهري، كم كانت كانت شجاعة هذه الفتاة الفلسطينية، التي اتجهت للطيران قبل ستة عقود ونصف على امل قيادة طائرة تغير بها على لصوص الأرض الذين سرقو وطنها غيلة وجريمة، استمرت إقامة ناريمان في مصر لتشهد أحداثاً جساماً من حياة مصر واثر ذلك على العالم عموماً وعلى العرب خصوصاً وعلى فلسطين بشكل أكثر خصوصية، في ريعان شبابها شهدت انتصار الشعب المصري على أسرة الحكم الملكية ثم بروز نجومية جمال عبد الناصر والمد الثوري العربي المُحرض على عدو الشعب الفلسطيني وعدو العرب عامة ، تقول فيحاء ، في أول سنة 1949 التحقت ناريمان بعمل في شركة الأسمدة العضوية في القاهرة وهناك التقت بمن رضيت بالزواج منه والتفرغ لأسرتها، ولكن بقي في عقلها كيف أسست مع شقيقتها ورتل من بنات فلسطين منظمة زهرة الأقحوان التي بدأت إنسانية إغاثية، ولكن ما شهدته بعينها من جرائم يهودية ضد شعبها وخاصة حادثة المنشية في شمال يافا، جعلها تحول عمل زهرة الأقحوان إلى تنظيم قتالي شرس ضد المعتدين على ارضها. رحم الله جل وعلا هذه المناضلة الفذة، وشكراً للدكتورة فيحاء عبد الهادي على فتح صفحات كتاب هذه المناضلة، من خلال هذه السيرة يمكن استكشاف أشياء كثيرة من تاريخ المرأة الفلسطينية الحديث والغوص فيه بما يخدم قضايا التعلم والمعرفة والتوثيق والتاريخ. ليتنا أو ليت منا من قابل ناريمان في القاهرة وسمع منها كيف كانت ردة فعل يافا خاصة وفلسطين عامة على زيارة الشاعر العراقي الجواهري إلى يافا يوم قال : بيافا يوم حط بها الركاب تمطر عارض ودجا وسحاب إلى آخر القصيدة الجميلة،
ليتنا أدركنا قيمة هذه القامة النضالية التي انتقلت إلى جوار ربها الرحيم قبل أربعة اشهر، بقي الكثيرون من ابناء شعبنا الشاهدين على الجريمة بحق وطننا فلسطين، ليتنا نشكل جمعية وطنية تسجل الكثير من الأفلام والتوثيقات لكبارنا الذي شهدوا الحقيقة، كل من يتجاوز الثمانين عاماً من ابناء فلسطين هو كنز معلومات يجب الاستماع إليه قبل سكوته أو قبل رحيله.
نصار يقين
لكتابات السيرة مذاقات خاصة، سواء تلك يسجلها صاحبها عن نفسه، وتسمى ذاتية، او تلك التي يسجلها كاتب عن قامة سياسية أو أدبية أو فكرية او نضالية، وتُسمى هذه سيرة غيرية، بهذه العبارات استهل استاذنا الكبير عدلي صادق مقاله المهم في جريدة الحياة الجديدة هذا اليوم بعنوان " سيرة مرتجاة" قرأت هذه الكلمات وانا أفكر بالتعليق إعجاباً على ما كتبته د. فيحاء عبد الهادي في زاويتها الأثيرة بجريدة الأيام عن مناضلة يافوية من عمر زعيم الشعب الفلسطيني ياسر عرفات.
لم يعلن الشعب الفلسطيني حُبه على مدينة من مدنه، كما اعلنه على يافا، فهل الشعوب تذكر فتيانها الأشد بسالة أكثر ؟ بالطبع نعم ، وحُق لهم ذلك . وهل الناس يذكرون فتياتهم الأكثر جمالاً ووفاءً وحضوراً ؟ كل هذا اجتمع ليافا، التي كانت بلا عيوب، فمن حيث عدد السكان، كانت يافا كبرى المدن الفلسطينية، كان تعداد الفلسطينيين في يافا يزيد عنه في القدس وغزة وحيفا ونابلس والخليل ، وكانت مهوى قلوب المتفوقين من ابناء فلسطين خاصة والعروبة عامة، فيها فتح د. حيدر عبد الشافي عيادته الأولى رغم أنه من غزة، ومن ارضها اشترى الملك فاروق قطعة ليشيد عليها قصراً منيفاً له، رغم كثرة قصور العائلة الملكية في القاهرة والإسكندرية والإسماعيلية، وأمثلة اخرى كثيرة على اختيار يافاُ وطناً للعيش والحياة من ابناء عائلات عربية كثيرة. وعلى سبيل المديح سٌميت يافا بمدينة الغرباء بسبب احتضانها بكرم ونبل لكل من يقصدها وطنا وعنواناً ، على ارضها ولد شفيق الحوت من أب لبناني ونبغ فيها، وعندما تشرد إلى لبنان مع اسرته ظل ملتصقاً بجنسيته الفلسطينية التي تثبت يافويته الجميلة، ولم يطلب الجنسية اللبنانية إلا ليعطل قرارا بطرده من لبنان بسبب نشاطه السياسي.
عودة إلى مذكورات يافا قبل الحديث عن سيرة ابنتيها ناريمان ومهيبة خورشيد كما تناولت ذلك فيحاء عبد الهادي، الباحثة الهادئة والأكاديمية الشهيرة. في مقرر الصف الأول الإبتدائي ( القراءة والاستظهار) والذي دُرس لفترة طويلة في مدارس الأردن وفلسطين، كان على مدرس اللغة العربية أن يقرأ بصوت جهوري عبارة " بحر يافا ازرق ، سماء يافا زرقاء ، ليردد الطلاب من خلفه وهم في السادسة من أعمارهم هذه العبارة التي ضمنها المربي الشهير خليل السكاكيتي لمؤلفه للناشئة، هذه العبارة نقشت في عقولهم وقلوبهم بهاء يافا ببحرها الأزرق وزرقة سمائها الصافية، وما كان يردده الكبار امام الصغار عن شط يافا وعليل النسيم ، مع ابتسامات براحة البال وطيب العيش هناك كله رسم في عقول وقلوب محبي يافا ما يقارب صورتها الحقيقية بن بهاء ودلال، واما خيال البطولات والسبق والنبوغ ليافا فلا أظنه وصلنا كافياً إلينا كأجيال ولدت بعد سقوط يافا، ولكن ما تسرده فيحاء عن ناريمان رُبما يسد هذا النقص عندما تطلعنا على قصة تأسر القلوب والعقول لبطلة فلسطينية تكبر ياسر عرفات بعامين، وهي المولودة في سنة 1927 أي أن عمرها في سنة النكبة (سنة الجريمة اليهودية البريطانية على شعب فلسطين وارض فلسطين) كان واحدا وعشرين سنة، وفي هذا السن كانت ناريمان خورشيد في أوجد قوة الجسد وعنفوان العواطف، لم تكن أمية، بل كانت موظفة في شركة للصناعات الكيماوية، ولكن الجرائم بحق ابناء شعبها جعلها تنسى هذه الوظيفة وتعتنق المقاومة الفدائية، بالضبط كما فعل آلاف الشباب الفلسطيني في سنة 1967 عندما تركوا جامعاتهم والتحقوا بالمقاومة، ارتحلت ناريمان إلى بيروت في ربيع 1948 لزيارة عمها عزت باشا خورشيد، وهذا يعطي القارئ صورة جميلة لبطولة ابنة يافا في ركوبها للبحر من ميناء يافا إلى ميناء بيروت ويعطي ليافا الندية لبيروت والجيرة الجميلة الآمنة لحواضر فلسطين وحواضر لبنان على سواحل البحر الأبيض المتوسط، في بيروت حصلت على هدية ثمينة من صحفي أجنبي، وهي عبارة عن منظار يمكنها من رصد تحركات العدو عند عودتها إلى أرض الوطن، ولكن لشدبد الأسف سقطت يافا وابنتها الوفية في بيروت، فلم يكن امامها إلا الدوران في أرض دول المواجهة العربية للكيان الصهيوني ، انتقلت ناريمان إلى القاهرة، لتعايش الربع الأخير من حُكم فاروق ( ملك مصر والسودان) وهناك سرعان ما التحقت بمعهد الطيران في حي أمبابة القاهري، كم كانت كانت شجاعة هذه الفتاة الفلسطينية، التي اتجهت للطيران قبل ستة عقود ونصف على امل قيادة طائرة تغير بها على لصوص الأرض الذين سرقو وطنها غيلة وجريمة، استمرت إقامة ناريمان في مصر لتشهد أحداثاً جساماً من حياة مصر واثر ذلك على العالم عموماً وعلى العرب خصوصاً وعلى فلسطين بشكل أكثر خصوصية، في ريعان شبابها شهدت انتصار الشعب المصري على أسرة الحكم الملكية ثم بروز نجومية جمال عبد الناصر والمد الثوري العربي المُحرض على عدو الشعب الفلسطيني وعدو العرب عامة ، تقول فيحاء ، في أول سنة 1949 التحقت ناريمان بعمل في شركة الأسمدة العضوية في القاهرة وهناك التقت بمن رضيت بالزواج منه والتفرغ لأسرتها، ولكن بقي في عقلها كيف أسست مع شقيقتها ورتل من بنات فلسطين منظمة زهرة الأقحوان التي بدأت إنسانية إغاثية، ولكن ما شهدته بعينها من جرائم يهودية ضد شعبها وخاصة حادثة المنشية في شمال يافا، جعلها تحول عمل زهرة الأقحوان إلى تنظيم قتالي شرس ضد المعتدين على ارضها. رحم الله جل وعلا هذه المناضلة الفذة، وشكراً للدكتورة فيحاء عبد الهادي على فتح صفحات كتاب هذه المناضلة، من خلال هذه السيرة يمكن استكشاف أشياء كثيرة من تاريخ المرأة الفلسطينية الحديث والغوص فيه بما يخدم قضايا التعلم والمعرفة والتوثيق والتاريخ. ليتنا أو ليت منا من قابل ناريمان في القاهرة وسمع منها كيف كانت ردة فعل يافا خاصة وفلسطين عامة على زيارة الشاعر العراقي الجواهري إلى يافا يوم قال : بيافا يوم حط بها الركاب تمطر عارض ودجا وسحاب إلى آخر القصيدة الجميلة،
ليتنا أدركنا قيمة هذه القامة النضالية التي انتقلت إلى جوار ربها الرحيم قبل أربعة اشهر، بقي الكثيرون من ابناء شعبنا الشاهدين على الجريمة بحق وطننا فلسطين، ليتنا نشكل جمعية وطنية تسجل الكثير من الأفلام والتوثيقات لكبارنا الذي شهدوا الحقيقة، كل من يتجاوز الثمانين عاماً من ابناء فلسطين هو كنز معلومات يجب الاستماع إليه قبل سكوته أو قبل رحيله.