بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم العيش ومفهوم التعايش
كثيرا ما نسمع هذه الايام بمصطلح اخذ يتداوله الناس كتاب وصحفيون واعلاميون ومفكرون و معنيون ، وهو مصطلح التعايش او احيانا يقولون التعايش مع الاخر..
والعيش هو ممارسة الانسان انشطة الحياة بمختلف مجالاتها وظروفها واحوالها وفق مفاهيم وقيم ومعتقدات الانسان التي يحملها وتحكم سلوكه وتصرفاته و تكيف انشطته الحياتية ،و تُقيم بها وعلى اساسها سلوكياته من قبل مجتمعه وبيئته. إذ إن مدلوله اللغوي واضح وهو العيش على هذه الأرض من بني آدم كافة دون تفريق .
وقد جاء هذا المعنى في كتاب الله تعالى:
فقال سبحانه: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: ١١]؛ فهو معاش للمخلوقات كافة.
وقال تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: ٢٣] والمعيشة والأرزاق مقسومة في هذه الدنيا لكل الناس، ومن ذلك ما يحتاج فيه بعضهم إلى بعض لتعمر هذه الارض بالحياة وانشطتها.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} [الأعراف: ٠١] ، وقال: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: ٠٢].
والمسلم محكوم في سلوكه وتصرفاته لفكره ومعتقده الذي هو منظاره للحياة ، وبالاحكام الشرعية التي هي ميزان افعاله، وبها وعلى اساسها تقاس فيتصرف او يمتنع . فالاصل في المسلم الذي هو سلم امره وانقياده لله تعالى، ومذعنا له في كل شأنه، ان يعيش حياته منطلقا من منظاره العقائديالذي يحتم عليه ان يكون عبدا لبربه وخالقه، و بالتالي ان يكون الحاكم على تصرفاته اذنا او منعا ربه تعالى بما اوحى اليه من الكتاب الذي انزله الله تعالى هدى ورحمة للعالمين . فالاحكام الشرعية اذا هي موازين للحياة تكيفها للعيش بما اراد الله تعالى ووفق منهجه الذي اراده للانسان ليكيف معيشته على اساسه، لتستقيم حياته ويستقيم هو به. ويلتزم المسلم هذا المنظار سواء كان في دار الاسلام حال وجودها او كان في دار الكفر.
اما مصطلح التعايش والمقصود به ان تعيش مع الاخر او الاخرين المخالفين لك فكرا واعتقادا وثقافة بقبول وسلم، ودون ان يتعرض اي طرف للاخر بما يهدد السلم المحلي او العالمي، فهو جديد الاستخدام والطرح، حيث فرضته احوال استجدت في العالم بعد الحرب العالمية الثانية وبعد هجرة اعداد كبيرة من المسلمين للغرب، وكذلك بعد تعرف الكثير من ابناء الغرب على الاسلام ودخولهم فيه. فظهر مصطلح التعايش السلمي ومصطلح التعايش الاجتماعي والان يظهر في اوروبا ويراد به ان يتعايش المسلمون مع غيرهم من اهل البلاد واهل الديانات والثقافات الاخرى بقواسم فكرية وعقائدية وثقافية مشتركة .
يقول كومار ربسنكه:-((ان التعلم للعيش المشترك، وقبول الاختلاف، وجعل العالم مكاناً آمناً له؛ سوف يكون أحد أهم التحديات الكبرى للقرن الواحد والعشرين.
فالتعايش هو المصطلح الذي تم استخدامه بشكل مترادف في سياقات عدة، كما استخدم بوصفه عبارة رئيسية في ظهور عدد كبير من الحركات الاجتماعية والسياسية، والسمة الرئيسية في تعريف كلمة «التعايش» هو علاقتها بكلمة«الآخرين»والاعتراف بأن « الآخرين» موجودون)). ويعرف التعايش بقوله=((التعايش يعني التعلم للعيش المشترك، والقبول بالتنوع، بما يضمن وجود علاقة إيجابية مع الآخر.)) اه.
الخطورة ان مصطلح التعايش يحمل معاني ودلالات ولوازم تمسُّ جوهر عقيدة الإسلام وشريعته ونظامه، وهــذا مـــا يفسِّر شيـــوع هذا المصطلح والزجَّ به في لغــة الإعــلام والخطاب والثقافة والفكر والحوار والعلاقات.. إلخ . وهو الحل الوسط او وفق النظرة الغربية لوضع المصطلحات انما يخدم نظرتهم للحياة التي تحكمها اهوائهم وشهواتهم وعقيدتهم الرأسمالية العفنة. لان من مقتضيات التعايش الذي ينشدون التنازل من المسلم عن معتقده في وجوب الاحتكام الى الله تعالى، وذلك ليحتكم الى قوانين البشر ليستطيع العيش وسطهم، ويحمل هويتهم وجنسيتهم، ويصبح يتساهل باحكام الله تعالى او بعضها بحجة ان الاخر لا يقبل بها.. وذلك وفق قاعدة بناء العلاقات وبالتالي الافكار وفق المصالح التي تقدسها عقيدة الفكر الراسمالي ، ووفق قاعدة الحل الوسط الراسمالية المرفوضة شرعا في فكرنا وديننا وعقيدتنا، لان الحل الوسط يعني ان يتنازل كل طرف عن بعض ما عنده ليلتقي مع الطرف الاخر. والمسلم الذي سلم امره كله فكرا وعقيدة وسلوكا لله تعالى ليس بيده ان يتنازل او يغير او يبدل..قال الله تعالى في سورة يونس : 15] وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)). وقد عاش المسلمون في مكة المكرمة يوم كانت دار كفر والسيادة فيها للكفار فانزل الله تعالى لهم :- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6).
ويوم اشتد عليهم اذى الكفار ومنعوا بعضهم من مزاولة شعائر دينهم اذن لهم بالهجرة الى الحبشة مرتين، وفي الثالثة امرهم بالهجرة الى المدينة موئل الاسلام ومعقله الاول وداره. ويمنع الاسلام مناصرة الكفار والقتال في صفوفهم ومظاهرتهم على المسلمين بحجة الاقامة في وسطهم ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[النساء:97].
هذه الآية الكريمة ذكر العلماء أنها نزلت في أناس تخلفوا في مكة ولم يهاجروا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما كانت غزوة بدر أجبرهم الكفار على الخروج معهم، وحضروا القتال فنزلت الآية الكريمة فيهم لما قتل من قتل منهم، وإن قوله جل وعلا: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم). معنى ظالمي أنفسهم بالإقامة بين أظهر المشركين الذين لا يقبلون منهم الا ان يكونوا عونا لهم وهم قادرون على الهجرة . والمسلم يعيش باحكام دينه وعقيدته اينما حل و حيثما ارتحل، وقد عشنا مع الامم والملل والنحل بأحكام ربنا ووفق ما شرع لنا ولهم، ولم يكن على مر التاريخ في بلاد الاسلام مشكلة اقليات او قضية طوائف، فدوما مقياسنا شرع ربنا ومنظارنا عقيدتنا التي ارتضاها الله لنا نورا نستنير بها في ظلمات دجى هذه الحياة.
انار الله قلوبنا وقلوبكم بنوره وهدانا واياكم بهداه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عدل سابقا من قبل محمد بن يوسف الزيادي في 2020-10-08, 10:27 am عدل 1 مرات