الفلسفة العملية
تحدثت في حلقة سابقة عن فلسفية "الحتمية الاجتماعية"، وحسب تلك الفلسفة لا يحدث شيء إلا وله سبب سابق وان كل شيء مخطط عند الله، بمعنى ان الإنسان مسير وليس مخير.
"الفلسفة العملية" تطرح موقفا مناقضا لفكرة ان الله هو الذي يفرض كل شيء وان أصابعه موجودة في كل ما يحدث. لكنها لا تنكر وجود الله.
هذا ما طرحه الفيلسوف الفرد نورث وايتهد(1861 – 1947) الذي قال : "ليس فقط ان الله غير قادر ان يقرر المستقبل ، إنما المستقبل هو الذي يقرر كيف يكون الله نفسه".
حسب فلسفته ليس ان الله فقط غير القادر على كل شيء، بل "لا يعرف شيئا عن الأحداث قبل وقوعها".
الفرد نورث وايتهد بريطاني الأصل، كان فيزيائيا وعالم رياضيات انصب اهتمامه على فلسفة العلوم والميتافيزياء (ما وراء الطبيعة). حسب فلسفته يرى ان "الحياة تتقدم عبر عدد من المشاريع الهامة، التي بقدرتنا ان نقوم بها دون ان نفكر بصفاتها". ويضيف "هناك ضرورة لتفكير غير عادي من اجل ان نفسر من جديد الأشياء المفهومة من طبيعتها". قال أيضا، وهذا يفسر بشكل أوضح مضمون فلسفتة العملية "من ناحية التفكير البسيط تشكل التناقضات علامات تعريف للفشل، أما من ناحية التطور تشكل التناقضات طريق للمعرفة وخطوات نحو الانتصار". هنا نلاحظ اقترابه من التفكير الفلسفي المادي خاصة من المقولة الديالكتيكية حول "وحدة وصراع الأضداد" كقاعدة التقدم والتطور.
أعطى وايتهد أهمية كبيرة للتوافق بين الوعي العلمي والوعي الديني، ودعا لإقامة آلية مشتركة سماها "جهاز العلاقات بين العلم والدين"، اعتبرها ضرورة هامة للشعوب لدرجة ان المسار المستقبلي للتاريخ يتعلق بهذا الجهاز.
من أفكاره الأخرى كان موقفه انه ما دام يوجد من ناحية اولى رجال دين متطرفين يؤمنون بخلق الله للعالم كما هو تماما في التوراة، ومن ناحية ثانية وجود علماء متطرفين أمثال داروين يرفضون ان يتنازلوا على القليل من مواقفهم، لذلك لن نرى دين أكثر عمقا أو علوم أكثر تناسبا، لذا دعا إلى عدم المبالغة من الجانبين، وأطلق قوله " كلما ارتفعت الأسوار انخفضت المعرفة... ان الإنسان قادر ان يحقق الانجازات أو يتحول إلى حيوان والله خلق الحيوانات لكن الإنسان يخلق نفسه".
ومن أقواله المشهورة "الدين هو الملجأ الأخير من البربرية الإنسانية". (طبعا لم يتعرف على الدواعش الذين حولوا الدين نفسه إلى بربرية)
المنطلق الأساسي لهذه الفلسفة، القريبة بشكل ما من الفلسفات المادية بالكثير من أطروحاتها، هو "لاموضوعيتها" التي تبقى من المميزات الأساسية لها.
الفلسفة العملية بدأت تاريخيا بالفيلسوف رينيه ديكارت (1596 –1650)، وهو فيلسوف، رياضي وفيزيائي فرنسي، يلقب بـ "أبو الفلسفة الحديثة"، كثير من الأطروحات الفلسفية الغربية التي جاءت بعده، هي انعكاسات لأطروحاته التي ما زالت تدرس حتى اليوم. ديكارت اشتهر بجملته "إنا أفكر إذن إنا موجود"!!
يعتبر ديكارت أن بإمكان الإنسان السيطرة على الطبيعة والتحكم فيها إذا هو اهتدى إلى معرفة قوانينها، وذلك اعتمادا على معرفته بمبادئ العلم وبما أسماه "الفلسفة العملية" التي اعتبرها بديلا للفلسفة النظرية.
فسر ديكارت الفلسفة العملية بأنها فلسفة تهتم بخصائص الأجسام المادية والطبيعية واستعمال أدوات ووسائل لتحقيق ذلك، وليس اعتمادا على الوصف والكلام فقط، وعن طريقها سيتم الوصول في النهاية إلى السيادة على الطبيعة وتملكها.
لتفسير اقرب للفلسفة العملية عن طريق الحكاية وجدت في احد اكتب الفلسفة التي تشرح الفلسفات عن طرق الطرف، حكاية تفسر مضمون الفلسفة العملية.. عبر تنفيذ فكرة ما كانت تبدو مستحيلة إلا انه بدون المبادرة والفعل العملي لا تقدم ولا انجاز..وقد اقتبست تلك الحكاية وصغتها بتصرف :
يتبع